في وقت ترزح فيه المحكمة الجنائية الدولية تحت وطأة انتقادات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، يذكرنا كتاب "الاستثناء والقاعدة" لبرتولت بريخت بأنه يجب ألا نعتاد أبدا على ما هو غير مقبول.
بهذه المقدمة، انطلق غوتييه أمبروس -في عموده بصحيفة لوتان- ليوضح أن الضغط المخيف الذي تمارسه إدارة ترامب وإسرائيل على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية ليس إلا نوعا من أرقى تقاليد المافيا.
ويرى الكاتب أن التضليل يتحول من المأساوي إلى البشع عندما تعهد الدعاية، إلى "مؤثرين" يرسلون إلى موقع الحدث ليوهموا العالم أجمع، أن كل شيء على ما يرام في أنقاض غزة ، وفي وقت يموت فيه الصحفيون تحت وطأة القنابل.
وتساءل الكاتب لو نجح ترامب ونتنياهو، كما يخشى العالم، ألن يكون صرح القانون الدولي الهش بأكمله معرضا لخطر الانهيار والسقوط على رؤوسنا؟
وقال إنه قد يكون من الأنسب لمحكمة جنائية مقيدة في عملها القضائي، أن تترك واقفة، متظاهرة بأن شيئا لم يحدث، لتبقى سليمة، ولكنها فارغة من محتواها.
ورأى الكاتب أن الجواب يكمن في مسرحية قصيرة لبريشت، تعود إلى بدايات مسرحه السياسي، حيث يعبر رجل أعمال أوروبي صحراء قاحلة ليستولي على بئر نفط قبل المنافسة، ومعه حمال مرافق يعامله كدواب الحمل.
هذا الحمال المعتمد على راتبه، لا يتردد حتى في أسوأ الأوقات، في خدمة مستأجره، ولكن عندما رآه رجل الأعمال يقترب حاملا ما يشبه حجرا، أطلق عليه النار فأرداه قتيلا، مع أنه كان يحمل قارورة ماء كبادرة مساعدة.
طالبت أرملة الحمال بالعدالة، وجرت المحاكمة بجدية، وعند النطق بالحكم، أثبت القاضي الذنب على المتهم الذي لم يتردد في قتل رجل بريء استغله بما يفوق طاقته، ولكنه برأه على الفور وشرح سبب ذلك من وجهة نظره.
فقد كان رجل الأعمال يمارس حقه في الدفاع عن النفس بحسن نية ضد رجل كان يتوقع أن يهاجمه، بعد كل سوء المعاملة الذي تعرض له من قبله، إلا أنه كان مخطئا، وعجز عن إدراك أنه يواجه استثناءً من القاعدة الصارمة التي تحكم العلاقات بين المسيطر والمسيطر عليه.
وختم الكاتب بالمقدمة التي يقول فيها بريشت "لا تقل أبدا من الطبيعي، في هذه الأزمنة التي تسودها الفوضى والدماء، والفوضى المنظمة، والتعسف المتعمد"، وعلق بأن هذه وصية بألا نعتاد على ما هو غير مقبول، سواء كان متخفيا وراء نظام الأشياء "الثابت" أو استغل المصالح الثابتة للعالم كما هو.