توفي مصمّم الأزياء الإيطالي الشهير جورجيو أرماني عن عمر ناهز 91 عاماً، بعدما أسّس منذ عام 1975 إمبراطورية غيّرت مفهوم الأناقة الحديثة، وامتدّت من الأزياء إلى العطور والفنادق والفخامة العصرية.
إلى جانب حضوره العالمي، كان لأرماني مكانة خاصة عربياً، انعكست في التعليقات التي تلت وفاته أمس، على مواقع التواصل.
وترسّخ حضور أرماني في قلب مشهد الأزياء الفخمة في المنطقة العربية، مع ارتداء أفراد من العائلات الملكيّة وفنانات معروفات لأزيائه التي تعدّ رمزاً للمكانة والأناقة.
إلى جانب ذلك، افتتحت علامته متاجراً في دبي وأبوظبي والدوحة وغيرها من المدن العربية.
وكان جورجيو أرماني تجسيداً للأناقة الإيطالية الحديثة، إذ أعاد ابتكار البدلات الرجالية والنسائية بما يناسب جمهور العصر. ويعد أول مصمّم منذ كوكو شانيل يحدث تغييراً دائماً في طريقة ارتداء الناس للملابس. خفف من صرامة البدلات الرجالية، ومنح النساء بدلات أكثر قوة ورصانة تعكس حضوراً مهنياً.
وفي عام 2006، كان من أوائل المصممين الذين اتخذوا موقفاً ضد النحافة المفرطة على منصات العرض، بعد وفاة العارضة آنا كارولينا ريستون بمرض فقدان الشهية العصبي.
تحوّلت علامته إلى إمبراطورية متكاملة، امتدت من الأزياء إلى العطور والجمال والموسيقى والرياضة وحتى الفنادق الفاخرة، محققة إيرادات سنوية تجاوزت ملياري جنيه إسترليني.
عرف أرماني أيضاً كيف يوظّف سحر هوليوود في خدمة علامته، فارتدت تصاميمه نجمات بارزات على السجادة الحمراء في حفلات الأوسكار، بينهن زندايا وكيت بلانشيت وبينيلوبي كروز وجوليا روبرتس، كما صمّم أزياء مسرحية لليدي غاغا وأزياء لأفلام بارزة مثل "أمريكان جيغولو"، وشارك في تصميم أزياء "ذئب وول ستريت".
وُلِد جورجيو أرماني في بياتشينزا بشمال إيطاليا في 11 يوليو/تموز 1934. قلبت الحرب العالمية الثانية حياة عائلته المريحة من الطبقة المتوسطة رأساً على عقب، وكانت أولى ذكرياته مرتبطة بالجوع وندرة الطعام.
في طفولته، اعتاد اللعب بقذائف غير منفجرة في الشوارع، إلى أن انفجرت إحداها، فأُصيب بحروق بالغة وقتل صديقه المقرّب. وقال لاحقاً: "لقد علّمتني الحرب أن ليس كل شيء براقاً".
بدأ أرماني دراسة الطب عام 1956 لكنه تركها بعد ثلاث سنوات والتحق بالخدمة العسكرية، قبل أن يتخلى سريعاً عن الحياة العسكرية ليعمل مصمماً لواجهات العرض في متجر "لا ريناسينتي" بميلانو، حيث صعد بسرعة في الرتب.
وخلافاً لكثير من المصممين الذين يتعلمون مهنتهم في مدارس الأزياء، تعلّم أرماني أسرار المهنة عملياً في صالات العرض، متقناً معرفة الأقمشة التي يفضلها الزبائن وكيفية صناعتها وخياطتها.
لاحقاً، عمل لدى نينو شيروتي، أحد أبرز مصممي الأزياء الراقية في تلك الحقبة، وسرعان ما كلّفه بإعادة هيكلة نهج الشركة.
بعيداً عن الأزياء، كان أرماني شغوفاً بالرياضة، مشجعاً لنادي إنتر ميلان ومالكاً لفريق أوليمبيا ميلانو لكرة السلة. وعلى صعيد التكريم الرسمي، نال وسام جوقة الشرف الفرنسي ووسام الاستحقاق الإيطالي للعمل تقديراً لإسهاماته في عالم الموضة.
في ستينيات القرن الماضي، لعب سيرجيو غاليوتي، شريك أرماني، دوراً أساسياً في انطلاقته، إذ تولى الإدارة وباع سيارته لتمويل المشروع الأول، قبل أن يؤسسا معاً العلامة التجارية عام 1975.
وسرعان ما أحدث أرماني تحولاً لافتاً في الموضة، ممهداً الطريق لميلانو كي تنافس باريس كعاصمة للأزياء. فقد وقّع اتفاقاً مع شركة "GFT" لإنتاج الملابس الجاهزة الفاخرة، وأحدث ضجة عالمية حين صمّم أزياء ريتشارد غير في فيلم "أمريكان جيغولو" عام 1980، ما فتح له أبواب هوليوود، حيث بات يصمم لنجوم السجادة الحمراء، كما شارك في تصميم أزياء مسلسلات وأفلام بارزة.
لكن عام 1985 حمل له صدمة قاسية بوفاة شريكه غاليوتي بمرض مرتبط بفيروس الإيدز، ما دفعه إلى التفكير بالاعتزال قبل أن يقرر الاستمرار وفاءً لذكراه.
ومع مطلع الألفية، عرضت أعماله في متحف غوغنهايم بنيويورك اعترافاً بتأثيره على الثقافة الحديثة، ودخل مجال الضيافة بتصميم فندق "أرماني" في برج خليفة بدبي عام 2010.
كما صمّم بدلات لفريق تشيلسي والمنتخب الإنجليزي لكرة القدم، وأزياء الفريق الأولمبي الإيطالي عام 2012. وبرغم تقدمه في السن، واصل عروضه في باريس وميلانو حتى عام 2025، محافظاً على مكانته كأحد أكثر المصممين تأثيراً في القرن العشرين والحادي والعشرين، مع ثروة قدّرتها مجلة "فوربس" بنحو 13 مليار دولار.
منذ الإعلان عن وفاته الخميس، انهالت عشرات رسائل النعي من عالم الموضة ومن نجوم ارتدوا تصاميمه في أبرز المناسبات.
وفي بيان نشر على صفحة علامته التجارية على إنستغرام، قالت شركة "جورجيو أرماني" إن المصمم الراحل "عمل حتى أيامه الأخيرة، وكرّس نفسه للشركة والمجموعات والمشاريع المستقبلية الجارية"، مضيفةً أنه "لم يعرف الكلل حتى النهاية" وظل "مدفوعاً بالفضول المستمر والاهتمام العميق بالحاضر والناس".
المصممة دوناتيلا فيرساتشي نشرت صورة له على صفحتها وكتبت: "خسر العالم عملاقاً اليوم، لقد صنع التاريخ وسيبقى في الذاكرة إلى الأبد".
قال الممثل راسل كرو إن جورجيو أرماني "ترك بصمة يعترف بها العالم أجمع"، مضيفاً أنه كان "يحبّه كثيراً" وكان من المفترض أن يلتقيه هذا الشهر، مشيراً إلى أنّ المصمم كان حاضراً في "محطات كثيرة ومهمة من حياتي".
أما الممثلة جوليا روبرتس، فنشرت عبر حسابها على إنستغرام صورة تجمعها بأرماني وهي ترتدي أحد تصاميمه، وعلّقت: "صديق حقيقي. أسطورة"، مرفقة كلماتها برمز قلب مكسور.
ومن جانبه، كتب المصمم البريطاني بول سميث عن "صديقه العزيز وزميله في المهنة": "استمراريته، وتواضعه، وقدرته على الحفاظ على شركته مستقلة وخارج البورصة، كانت دائماً مصدر إلهام كبير لي شخصياً".
أما رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، فأشادت به قائلة: "بأناقته ورصانته وإبداعه، استطاع أن يضفي بريقاً على الموضة الإيطالية وأن يُلهم العالم أجمع. إنه رمز، وعامل دؤوب، ورمزٌ لأفضل ما في إيطاليا. شكراً لك على كل شيء".
لم يقتصر تأثير جورجيو أرماني على منصات العرض الأوروبية والعالمية، بل وصل حضوره إلى المنطقة العربية أيضاً، حيث ارتدت شخصيات بارزة من العالم العربي تصاميمه في مناسبات كبرى.
فقد اختارت الملكة رانيا العبدالله، ملكة الأردن، فستاناً من مجموعة "أرماني بريفيه" لربيع وصيف 2025، خلال حفل زفاف الملياردير الأميركي جيف بيزوس في مدينة البندقية بإيطاليا في يونيو/حزيران الماضي. كما ظهرت الإعلامية اللبنانية ريا أبي راشد بتصميم من أرماني على السجادة الحمراء في مهرجان البندقية السينمائي في أغسطس/آب 2025. وكانت قد اختارت فستاناً آخر للمصمم على السجادة الحمراء في مهرجانات كان السينمائية في فرنسا في مايو/أيار الماضي.
وارتدت الممثلة نادين نسيب نجيم العام الماضي، فستاناً من "أرماني بريفيه" في حفل افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في ديسمبر/كانون الأول من عام 2024.
وفي وداعه صفت لورا إنغهام، محررة مجلة "فوغ"، جورجيو أرماني بأنه "جنتلمان حقيقي" و"عملاق في عالم صناعة الأزياء"، في إشادة بالراحل.
وأضافت: "حتى لو لم تكن تعرف شيئاً عن الموضة، فأنت بالتأكيد تعرف جورجيو أرماني. لقد بنى داراً أصبحت مرادفاً للأناقة الإيطالية الخالدة والأسلوب الراسخ".
وعن أسلوبه الكلاسيكي، الذي تميز بـ"قصّات راقية" و"خياطة متقنة"، خلصت إنغهام إلى أنّ "إرثه منسوج ليس فقط في أزياء الماضي والحاضر، بل سيواصل تشكيل مستقبل الموضة لأجيال مقبلة".