آخر الأخبار

إيران في مهب التصعيد.. بين رسائل ترامب و"التحالف الصاعد"

شارك
أجرت طهران وواشنطن جولات من المباحثات بشأن ملف إيران النووي

لم يكن التهديد الجديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرب إيران إلا امتدادًا لاستراتيجية أميركية تفضّل حسم الملفات الساخنة عبر الضغط العسكري وتكتيك الضربة الاستباقية. لكن المختلف هذه المرة أن طهران، وعلى غير عادتها، اعترفت صراحةً بأن الضربة الأميركية الأخيرة على منشآتها النووية كانت "مؤلمة" وتسببت بأضرار جسيمة، في اعتراف نادر أثار الكثير من علامات الاستفهام.

وفي مقابل التصعيد الأميركي، تذهب إيران إلى تعزيز أوراقها شرقًا. الصين وروسيا تتحولان إلى رافعة سياسية ودبلوماسية تسعى طهران من خلالها إلى كسر طوق العزلة، ومواجهة التهديدات الأوروبية المتزايدة بإعادة تفعيل "آلية الزناد" وإعادة فرض العقوبات الدولية.

فهل تنجح طهران في الإفلات من كماشة العقوبات والحصار؟ أم أن البلاد تقف على أعتاب مواجهة جديدة قد تكون الأخطر منذ سنوات؟

الضربة الأميركية "أوجعت".. ولكن التخصيب مستمر؟

في حوار لافت مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، كشف عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين، أن الضربات الجوية الأميركية عطّلت عمليًا كل أنشطة التخصيب في المنشآت المستهدفة. إلا أنه شدد في المقابل على أن بلاده لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم، بل وستتحمل "الثمن" مهما كان باهظًا.

هذه اللهجة المزدوجة تعكس محاولة طهران إرسال رسالة مزدوجة: اعتراف بالضرر لامتصاص الصدمة، وتأكيد على الاستمرارية لتثبيت حقها السيادي، وفقًا لتحليل الدكتور عماد أبشناس، رئيس تحرير صحيفة إيران ديبلوماتيك خلال حديثه الى برنامج الظهيرة على سكاي نيوز عربية.

لكن أبشناس أضاف ما هو أبعد من التصريحات الرسمية، حين تحدث عن دخول إيران مرحلة "الغموض النووي"، مشيرًا إلى أن الضربة الأميركية أدخلت الملف النووي الإيراني في منطقة رمادية متعمدة، بحيث لا يمكن للمراقبين أو المفتشين أو حتى أجهزة الاستخبارات الجزم بحجم الأضرار أو استمرارية البرنامج من عدمها.

ويؤكد أن أبواب المنشآت دُمرت، لكن ليس هناك ما يثبت تدمير أنظمتها الداخلية أو البنى التحتية للتخصيب. وهنا يكمن جوهر الاستراتيجية الإيرانية: التشويش على العدو، وحرمانه من معلومات دقيقة تتيح له بناء موقف سياسي أو عسكري محسوم.

تحرك استراتيجي نحو بكين وموسكو

في خضم هذه التطورات، تسارع طهران إلى ترتيب مشاورات عاجلة مع روسيا والصين. وزارة الخارجية الإيرانية أعلنت عقد اجتماع ثلاثي في طهران لمناقشة تطورات الملف النووي، خاصة في ظل تصاعد التهديدات الأوروبية بإعادة فرض العقوبات الأممية.

ويقرأ أبشناس في هذا التحرك "رسالة واضحة إلى الغرب": إيران لم تعد بمفردها في الساحة، وتحظى بغطاء استراتيجي من قوتين تملكان مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن، ولديهما القدرة على تعطيل أي مساعٍ أوروبية لتفعيل العقوبات.

وأشار إلى أن موسكو وبكين قادرتان، من الناحية الإجرائية، على عرقلة تشكيل اللجان الخاصة بالعقوبات داخل مجلس الأمن، مستخدمين حق النقض (الفيتو)، كما هو حاصل اليوم مع ملف كوريا الشمالية.

لكن الضمانات الروسية والصينية – بحسب أبشناس – تبقى أقرب إلى "حصانة سياسية" منها إلى "دعم عسكري مباشر"، وهو ما يؤكده الباحث السياسي إيهاب عباس من واشنطن.

واشنطن تحذّر من الغموض

الرد الأميركي لم يتأخر كثيرًا. الرئيس ترامب ألمح إلى أن الضربات لن تكون الأخيرة، مؤكدًا أن استخدام القوة "مطروح على الطاولة في أي لحظة".

ويذهب الكاتب والبحث السياسي إيهاب عباس إلى أن التصعيد الأميركي الأخير لم يكن عشوائيًا، بل استند إلى معلومات استخباراتية تُفيد بأن البرنامج النووي الإيراني كان يحقق تقدمًا حاسمًا في الآونة الأخيرة. لكنه حذر في المقابل من أن التسرع الأميركي في إعلان نجاح العملية قد يؤدي إلى تبعات عكسية.

ويرى عباس أن دخول إيران في مرحلة الغموض النووي سيصعّب على واشنطن وإسرائيل معرفة واقع البرنامج النووي، وهو ما سيدفعهما إلى تصعيد "الحرب الاستخباراتية" في المرحلة المقبلة. وبهذا، فإن المعركة لم تعد فقط جوية أو سياسية، بل انتقلت إلى مربع جمع المعلومات والسيطرة على تدفقها.

أوروبا في المنتصف

مع تعقد المشهد، تسعى أوروبا إلى لعب دور "الوسيط المحايد"، لكن ذلك لا يبدو كافيًا في نظر إيران. فبحسب أبشناس، تحاول طهران إعادة تعريف المشهد التفاوضي، بتحويل أوروبا من مجرد مراقب إلى طرف مباشر في المحادثات، بينما تسعى لإقصاء واشنطن مؤقتًا أو تقليص نفوذها على الطاولة.

لكن هذا الطموح الإيراني يصطدم – حسب إيهاب عباس – بواقع السياسة الأوروبية المتماهية مع الموقف الأميركي في العمق. فحتى لو أرادت فرنسا أو ألمانيا الانفتاح على إيران، فإن غياب الغطاء الأميركي يجعل أي اتفاق محتمل هشًا وفاقدًا للشرعية الدولية.

ويشير عباس إلى أن الأوروبيين قد يحاولون إقناع إيران بتقديم تنازلات "اقتصادية واستثمارية" مقابل تجميد بعض جوانب البرنامج النووي، وربما التفاوض على اتفاق جديد، لكن دون ضمانات بأنهم قادرون على تنفيذ هذه الالتزامات في غياب الدعم الأميركي.

الضربة.. والصدمة الأمنية

في جانب آخر من التحليل، يرى عباس أن الضربة الأخيرة كانت بمثابة "الصفعة الأمنية" الكبرى لإيران، بعد سلسلة اختراقات إسرائيلية داخلية، أبرزها عملية اغتيال إسماعيل هنية داخل إيران – بحسب الرواية المتداولة. وهو ما أدى إلى شن طهران حملة اعتقالات وتفكيك خلايا وصفتها بـ"الجواسيس المتعاونين مع الموساد"، في ما يشبه حالة "الاستنفار الداخلي".

لكن بقدر ما كانت هذه الضربة موجعة، فإنها أدت أيضًا إلى يقظة أمنية جديدة، ما سيجعل الاختراقات المقبلة أكثر صعوبة – كما يرى عباس. غير أن فشل إيران في منع أي هجوم أو اغتيال جديد سيكون المعيار الحقيقي لنجاح منظومتها الأمنية الجديدة.

من زاوية أيديولوجية، يشير عباس إلى أن جوهر الأزمة يتجاوز البرنامج النووي بحد ذاته. فإسرائيل، كما يرى، ترى في إيران تهديدًا وجوديًا نابعًا من العقيدة السياسية والثقافية، لا من قدرات إيران التقنية فحسب. وإيران، من جهتها، لا تتوقف عن ترديد شعارات "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل"، ما يغذي النزاع المستمر ويصعّب أي تسوية دائمة. إنها دائرة مفرغة من الكراهية المتبادلة والعداء العقائدي، وفق تعبيره، تضمن أن المواجهة – حتى لو هدأت – لن تختفي.

منعطف واستراتيجية ضبابية

في المحصلة، تجد إيران نفسها على مفترق طرق شديد التعقيد. فهي من جهة، تحاول امتصاص الضربة الأميركية وتستثمر في حالة "الغموض النووي" لتثبيت أوراقها التفاوضية. ومن جهة أخرى، تعوّل على دعم روسيا والصين كخط دفاع دبلوماسي في مواجهة آلية الزناد الأوروبية.

لكن واشنطن، بقيادة ترامب، لا تبدو مستعدة لقبول الغموض كبديل عن الحسم، وتلوّح بقوة أن الضربات المقبلة قد تكون أشد وأوسع. في هذا السياق، ستلعب الأيام القليلة المقبلة، وخصوصًا اجتماع الجمعة المرتقب مع الأوروبيين، دورًا محوريًا في تحديد وجهة الأزمة: إلى مفاوضات جديدة؟ أم إلى جولة أخرى من النار والبارود؟

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا