آخر الأخبار

15 عامًا من التسلل.. أسرار من نشاط الموساد في قلب إيران

شارك

كشفت الحرب التي دارت بين إيران وإسرائيل طوال 12 يومًا أن أكبر نقطة ضعف لإيران تكمن في مجال الاستخبارات. فبينما كانت إسرائيل تضرب بطائراتها المقاتلة المنشآت النووية الإيرانية ومنشآت الصواريخ والقواعد العسكرية الأخرى، قامت شبكات التجسس التي بنتها على مدى سنوات طويلة داخل إيران بشن هجمات من الداخل باستخدام طائرات بدون طيار على أهداف محددة.

كان موضوع بناء جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" شبكات تجسس داخل إيران أمرًا يُناقش منذ سنوات. وفي الأعوام الماضية، أعلنت وحدة استخبارات الحرس الثوري الإيراني عن اعتقالها العديد من الأشخاص المرتبطين بالموساد.

بيدَ أن حرب الـ12 يومًا أظهرت أن عملاء الموساد الذين ألقت المخابرات الإيرانية القبض عليهم لا يمثلون سوى جزء صغير جدًا من الجواسيس العاملين لصالح الموساد.

خلال الـ15 عامًا الماضية، كانت الوفيات المشبوهة لعلماء نوويين في إيران، وأعمال التخريب في المواقع العسكرية والمنشآت النووية، والهجمات السيبرانية، وعمليات التخريب في بعض الموانئ ومحطات الطاقة، كلها تشير إلى أن الموساد قد أنشأ شبكة تجسس جادة داخل إيران. لكن إيران فضلت تفسير كل هذه الحالات الاستثنائية كحوادث عادية، مقدمةً مبررات مختلفة.

وفي السنوات الأخيرة، بدأت تصريحات السلطات الإيرانية بشأن هذه الأعمال التخريبية تثير انتقادات من الشعب أيضًا، حيث لم تعد البيانات التي تصف التخريب المتسلسل في منشآت البلاد الهامة بأنه "حادث عادي" مقنعة للجمهور.

الإشارة الأولى: اغتيال أردشير حسين بور

أردشير حسين بور، أحد العلماء العاملين في البرنامج النووي الإيراني، توفي بشكل مريب في يناير/ كانون الثاني 2007. عثرت زوجته سارة عراقي على جثته بجانب مدفأة المنزل حوالي الساعة 8:15 صباحًا.

ووفقًا لشهادة حارس الأمن، كان حسين بور يسير ذهابًا وإيابًا في المنزل حتى الساعة 3:00 فجر الليلة التي توفي فيها. أما تقرير الطب الشرعي، فقد أشار إلى أن حسين بور توفي بين الساعة 4:00 و6:00 صباحًا.

إعلان

أعلن قائد الباسيج التابع للحرس الثوري في مدينة مرودشت آنذاك، محمد هادي صادقي، أن سبب وفاة حسين بور هو "نزلة برد"، لكنه سرعان ما غير سبب الوفاة إلى التسمم بأول أكسيد الكربون.

ووفقًا لصادقي، كان حسين بور يعيش تحت إجراءات أمنية مشددة ولم يكن من الممكن الوصول إليه دون علم حارس الأمن. وقد تم تأكيد سبب الوفاة هذا من قبل نائب رئيس هيئة الطب الشرعي الإيراني، محمد حسن عابدي.

تأخر الإعلام الإيراني في نشر خبر وفاة حسين بور الذي كان يعمل في الملف النووي الإيراني، حيث أعلنه التلفزيون الرسمي الإيراني بعد 6 أيام من وفاته.

وحول وفاة أردشير حسين بور المفاجئة، الذي كان يعمل في الملف النووي الإيراني، قال زملاؤه من أساتذة الجامعة: "لقد كان في الكلية صباح اليوم الذي سبق وفاته، وكان بصحة جيدة جدًا ومنشغلًا بأنشطته العلمية.. وفي الأيام السابقة، كان يواصل أبحاثه كالمعتاد في المختبر".

أول من نشر خبر مقتل حسين بور "بغاز مشعّ" و"على يد الموساد" هو معهد "ستراتفور" في 2 فبراير/ شباط 2007، أي بعد 17 يومًا من وفاته. ظهر هذا الخبر بعد يومين في صحيفة "صنداي تايمز" الأسبوعية.

ذكر ستراتفور، استنادًا إلى مصادر موثوقة، أن أردشير حسين بور كان هدفًا لاغتيال نفذه الموساد. ووفقًا لهذا، اتُهم العالم الإيراني بالتعاون مع الحرس الثوري في 12 مشروعًا دفاعيًا حساسًا في جامعة مالك الأشتر. كما كتبت صحيفة "لو فيغارو" أن وفاته كانت نتيجة اغتيال باستخدام غاز مشع.

بعد ثلاثة أيام من خبر "صنداي تايمز"، نفت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية خبر مقتل العالم النووي الإيراني على يد الموساد ووصفته بأنه "تلاعب إعلامي". كما نقل الإعلام الإسرائيلي عن "صنداي تايمز" أنه كان يتعاون في السنوات الأخيرة مع جامعة مالك الأشتر للتكنولوجيا.

نفى المسؤولون الإيرانيون مزاعم مقتله على يد إسرائيل، قائلين إن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تملكان سيطرة استخباراتية كبيرة على إيران. لكن صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت أنه تم تسميمه على يد الموساد.

في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعد 14 عامًا من التصريحات المتناقضة للحكومة الإيرانية بشأن وفاة أردشير حسين بور، كتب وزير العلوم في حكومة خاتمي، مصطفى معين، على حسابه في "إنستغرام" أن الروايات المحلية عن سبب وفاته كاذبة، وأن الحقيقة هي أنه اغتيل "على يد عملاء الموساد" بغاز مشع".

تشير جميع البيانات إلى أن "اغتيال" حسين بور في ذلك الوقت تم التستر عليه من قبل السلطات "لتجنب التشكيك في النظام الاستخباراتي"، وأُعلن أن سبب الوفاة هو "تسمم بالغاز العادي". يعتبر اغتيال أردشير حسين بور أحد أوضح المؤشرات على تسلل الموساد إلى داخل إيران. بعد أردشير حسين بور، توفي عالم الفيزياء النووية مسعود علي محمدي في عام 2010 والمهندس داريوش رضائي نجاد في عام 2011 في ظروف مثيرة للجدل.

أصدر الكاتب "الله كريم عباس نيا" كتابًا بعنوان "النجاح على الطراز الإيراني" بعد خمس سنوات من وفاة "أردشير حسين بور". وفي كتابه "النجاح على الطراز الإيراني"، دوّن عباس نيا سيرة حياة أردشير حسين بور في خمسة فصول.

إعلان

استجواب الموساد ليد الله خدمتي

أظهر مقطع فيديو نُشر لاستجواب الموساد مسؤولًا في الحرس الثوري الإيراني يدعى يد الله خدمتي بعد اختطافه، أن حرب الاستخبارات بين إيران وإسرائيل قد دخلت مرحلة جديدة.

قام الموساد بتسريب فيديو الاستجواب إلى قناة "إيران إنترناشيونال" المعارضة التي تبث من الولايات المتحدة. أعلنت القناة عن الفيديو قائلة: "الفيديو يظهر جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد وهو يستجوب مسؤولًا في الحرس الثوري يدعى يد الله خدمتي في إيران".

قبل حوالي شهر من نشر الفيديو، بث التلفزيون الرسمي الإيراني خبرًا لافتًا. في 14 يونيو/ حزيران 2022، بثت القناة الثانية في التلفزيون الإيراني في نشرة أخبار الساعة 20:30 تقريرًا اتهمت فيه الموساد "باستخدام البلطجية والأشرار كأدوات".

وادعى التقرير أن "مجموعة من البلطجية بتوجيه من الموساد اختطفت شخصًا تابعًا للحرس الثوري وأجبرته تحت "التعذيب والتهديد" على الاعتراف بأمور "لا تتعلق بمجال خبرته ومهمته". لكن التلفزيون الإيراني لم يذكر اسم يد الله خدمتي في خبره.

في الفيديو الذي بثته قناة "إيران إنترناشيونال"، كان يد الله خدمتي يقدم معلومات حول نقل الأسلحة إلى سوريا والعراق ولبنان واليمن. قبل بضعة أشهر من نشر فيديو يد الله خدمتي، تم نشر فيديو لشخص يدعى منصور رسولي، زُعم أنه كان يقوم بأنشطة تجسس لصالح فيلق القدس.

في الفيديو المنشور، قال منصور رسولي إنه تلقى أوامر بقتل إسرائيلي في تركيا، وأميركي في ألمانيا، وصحفي في فرنسا.

في الأيام التالية، نشر منصور رسولي مقطع فيديو آخر أعلن فيه أنه تم اختطافه وأنه أدلى بهذه الادعاءات تحت الضغط. من ناحية أخرى، نشرت وكالة أنباء "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري الإيراني خبرًا يفيد بأن منصور رسولي كان مزارعًا.

سرقة الوثائق النووية

لكن الموساد نفذ أخطر عملياته في إيران عام 2018 بسرقة الوثائق النووية. دخل عملاء الموساد إلى إيران في عام 2018 بجوازات سفر معدة خصيصَى عبر دولة أخرى. والتقوا هناك ببعض الإيرانيين العاملين لصالح الموساد وسرقوا وثائق سرية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ونقلوها إلى إسرائيل.

كان يوسي كوهين على رأس الموساد أثناء سرقة الوثائق النووية الإيرانية. قدم يوسي كوهين، الذي شغل منصب رئيس الموساد بين عامي 2016 و2021، بعض المعلومات حول سرقة الوثائق في عام 2021، مباشرة بعد تركه منصبه.

في فيلم وثائقي بعنوان "الحقيقة" بثته القناة 12 الإسرائيلية، صرّح يوسي كوهين أن عملاء الموساد دخلوا إيران عبر دولة أخرى، وغادروها بعد حصولهم على الوثائق. وأضاف أن العملاء الآخرين الذين يعملون لصالح الموساد وبقوا في إيران، لا يزالون هناك وهم بأمان.

بعد أسابيع قليلة من تصريحات كوهين، تحدث الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عن نفس الموضوع.

أعلن محمود أحمدي نجاد في مقابلة على قناته في يوتيوب، أن الموساد سرق الوثائق من الخزنة السرية الموجودة في مكتب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وكان اللافت في تصريحه هو قوله إنهم أنشؤُوا وحدة لمكافحة إسرائيل في وزارة الاستخبارات الإيرانية، وإن رئيس الوحدة تبين لاحقًا أنه عميل للموساد.

عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الوثائق التي استولى عليها الموساد في مؤتمر صحفي، وادعى أن "إيران تواصل أنشطتها النووية على الرغم من الاتفاق النووي". تزامن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران (خلال ولايته الأولى) مع وقت استيلاء الموساد على الوثائق.

الخطوة الحاسمة: اغتيال محسن فخري زاده

أصبح اسم محسن فخري زاده معروفًا بشكل أوثق للعالم بأسره عندما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أبريل/ نيسان 2018، خلال مؤتمر صحفي كشف فيه عن العديد من الوثائق التي زعم أن الموساد استولى عليها من الأنشطة النووية الإيرانية.

إعلان

قُتل محسن فخري زاده، الذي يُعرف بأنه "أبو البرنامج النووي الإيراني"، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 في هجوم تعرض له أثناء توجهه من مدينة رستم كلا في محافظة مازندران إلى طهران، في منطقة آبسرد التابعة لمدينة دماوند شرق العاصمة.

لم تُنشر معلومات واضحة حول اغتيال فخري زاده، وظهرت تناقضات بين المعلومات التي قدمها مسؤولو الدولة، والأخبار التي نشرتها الوكالات.

على الرغم من كونه شخصية هامة تعرضت لمحاولة اغتيال سابقة، لم يكن لدى فخري زاده حماية كافية. وذُكر أن بعض حراسه الشخصيين تخلوا عن الموكب على بعد بضعة كيلومترات من مكان الاغتيال.

صرح الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني بأن إسرائيل تقف وراء الاغتيال، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يهدف إلى إحداث "فوضى" قبل مغادرته منصبه، قائلًا: "لن نقع في فخ إسرائيل وسنرد في الوقت المناسب".

بعد الاغتيال، سادت حالة من التضليل المعلوماتي الكامل. ربما أرادت الحكومة الإيرانية إرباك العقول من خلال طرح معلومات متناقضة متعددة. ادعت وكالة أنباء "فارس" أن الاغتيال تم بواسطة سلاح آلي مركب على شاحنة متوقفة على جانب الطريق وليس من قبل مهاجمين. بينما أعلن وزير الدفاع ومسؤولون آخرون أن الاغتيال نفذه مسلحون.

وفقًا لوكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية، صرّح وزير الاستخبارات محمود علوي بأن الشخص الرئيسي الذي أعدّ لعملية الاغتيال كان عنصرًا مفصولًا من الجيش، وأن وزارة الاستخبارات لا تستطيع، بموجب القانون، مراقبة أفراد القوات المسلحة. من جانبه، رد الجيش الإيراني بشدة على تصريحات وزير الاستخبارات في بيان أصدره.

ووفقًا لما نقلته وكالة أنباء "تسنيم"، فقد ألقى البيان باللوم على وزارة الاستخبارات، مشيرًا إلى أن مهمة تتبع الشخص المفصول من الجيش عام 2014 بعد تركه للخدمة كانت من مسؤولية وزارة الاستخبارات.

بدوره، دخل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، على خط الخلاف بين الأجهزة الاستخباراتية في تصريح نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، وقال: "كانت أجهزة المخابرات قد توصلت إلى معلومات تفيد بأن السيد فخري زاده سيكون هدفًا لعمل إرهابي، وأن هذه العملية ستُنفذ بالضبط في المكان الذي استشهد فيه"، مما أدى إلى زيادة علامات الاستفهام.

في عام 2024، أعلنت إيران أنها أعدمت 3 عملاء للموساد لتورطهم في اغتيال فخري زاده، وأن محاكمة 5 عملاء آخرين للموساد مستمرة. لكن اغتيال محسن فخري زاده كان مختلفًا عن الاغتيالات الأخرى، فقد كشف بشكل كامل عن التنافس بين أجهزة المخابرات الإيرانية، وهو ما نفصله أدناه.

التنافس بين أجهزة الاستخبارات الإيرانية

يعود التنافس بين وحدة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، ووزارة الاستخبارات إلى سنوات طويلة. نظرًا لأن وزارة الاستخبارات الإيرانية تُعتبر امتدادًا لجهاز "السافاك" في عهد الشاه، فقد ظهرت الحاجة إلى إنشاء جهاز استخبارات جديد داخل الحرس الثوري. وبسبب انعدام الثقة المبدئي بوزارة الاستخبارات، فإن التنافس بين الجهازين يعود إلى السنوات الأولى للثورة في إيران.

لكن التنافس بين جهازي الاستخبارات بدأ يظهر بوضوح في عام 2017. اتهمت وحدة استخبارات الحرس الثوري عضو وفد المفاوضات النووية، عبدالرسول دري أصفهاني، بالتجسس. وحكم القضاء الإيراني على أصفهاني بالسجن لمدة 5 سنوات.

عارض وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك، محمود علوي، قرار القضاء وادعاءات وحدة استخبارات الحرس الثوري، وقال إن عبدالرسول دري أصفهاني ليس جاسوسًا، بل كان يتعاون مع وزارة الاستخبارات.

نشرت وكالة أنباء تسنيم، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، ملفًا شاملًا تحت عنوان: "الجهة القضائية الرابعة تؤكد أيضاً تجسس دري أصفهاني. من هو شاهميهرا مزدوج الجنسية وكيف قام بالتجسس؟".

وفي الملف الإخباري الذي نشرته، دافعت وكالة تسنيم عن أطروحات منظمة استخبارات الحرس الثوري، بينما عارضت ادعاءات وزارة الاستخبارات.

اشتد التنافس بين وحدة استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، وتحول الأمر إلى ما يشبه الحرب. قامت وسائل الإعلام المناهضة للثورة الإسلامية الإيرانية التي تبث من دول غربية بنشر عناوين وخرائط "للمنازل الآمنة" في طهران التي قيل إنها تابعة لوحدة استخبارات الحرس الثوري. وزُعم أن وزارة الاستخبارات هي التي سربت المعلومات والوثائق لإحراج وحدة استخبارات الحرس الثوري.

إعلان

وفقًا لما أوردته وكالات الأنباء الإيرانية، وعلى رأسها وكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، قُتِل العقيد حسن صيّاد خدائي، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، في مايو/أيار 2022، إثر هجوم مسلح استهدف سيارته.. انتحر جندي آخر من الحرس الثوري بالقفز من شقة المبنى الذي كان يعيش فيه. زعم الإعلام الإيراني أنه كان يعاني من مشاكل نفسية بسبب مشاكل مع زوجته، وأنه انتحر بسبب هذه المشاكل. بالتزامن مع هذه الأحداث، جرت حملة اعتقالات وتطهير صامتة داخل الحرس الثوري. كما تم إعفاء رئيس استخبارات الحرس الثوري، حسين طائب، من منصبه في هذه العملية.

لكن حجم الصراع بين وحدة استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، ظهر بأوضح صوره مع اغتيال محسن فخري زاده.

في بيانها بعد الاغتيال، استهدفت وزارة الاستخبارات بشكل مباشر وحدة استخبارات الحرس الثوري قائلة: "لقد قدمنا المعلومات ولكن لم تُتخذ الإجراءات اللازمة". هذا التنافس الذي أصبح مرئيًا الآن بين جهازي الاستخبارات الإيرانيين كشف عن غياب التنسيق وانعدام الثقة بينهما.

وحدث موقف مماثل بين وحدة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني، ووزارة الاستخبارات بعد اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية. وألقت كلتا المؤسستين اللوم على بعضهما البعض.

لماذا لم تتمكن إيران من منع تسلل الموساد؟

هذا هو السؤال الذي يدور في أذهان جميع الإيرانيين. إن تقييم شبكة تجسس الموساد من خلال المعتقلين بعد أعمال التخريب والهجمات والاغتيالات التي وقعت في إيران هو السبيل الأكثر دقة.

عندما ننظر إلى القضية من هذا المنظور، نرى أن الموساد يستخدم منظمات مثل "منظمة مجاهدي خلق"، والحركات الانفصالية، والشرائح المستاءة اقتصاديًا في المجتمع كعملاء له. وبالتالي، يتطلب هذا الوضع عملية أكثر حساسية لحل شبكات عملاء الموساد داخل إيران.

فبينما تعمل أجهزة المخابرات الإيرانية على كشف شبكات العملاء، عليها أيضًا أن تحرص على عدم تقييد حريات الأفراد. أي أنه يجب الحفاظ على التوازن بين الحرية والأمن.

إن الخطوات المتخذة لضمان الأمن إذا ضيقت مساحات الحرية، فإنها تؤدي إلى استياء اجتماعي، ومن ثم إلى مظاهرات اجتماعية. كما أن الشرائح التي يفضل الموساد تجنيد العملاء منها تعيق أيضًا قيام أجهزة المخابرات بأعمال تحقيق تصل لنتائج سريعة.

من ناحية أخرى، يبدو أن التنافس بين وحدة استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات يؤثر سلبًا على مكافحة الموساد. لقد أدت جميع الهجمات التي نفذها الموساد داخل إيران على مدى السنوات الـ15 الماضية إلى خلق مشاكل ثقة بين المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية والمدنية بمرور الوقت.

وأدى غياب الثقة مع مرور الوقت- إضافة إلى انشغال أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية في إيران بقضايا أخرى- إلى تأثير سلبي على التنسيق الصحي بين المؤسسات ما أتاح فرصة جيدة لنشاط الموساد داخل البلاد.

أخيرًا، كشفت الحرب التي استمرت 12 يومًا أن الموساد قد أنشأ هيكلًا أكبر من المتوقع داخل إيران. يفيد مصدران مطلعان مقربان من دوائر الحكومة الإيرانية، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، أن عملاء الموساد الذين تم القبض عليهم هم عملاء من المستوى الأدنى، وأن الموساد ربما تسلل أيضًا إلى أوساط الاستخبارات والجيش، لكن حملة تطهير في هذه الأماكن لم تبدأ بعد.

يشير المصدران الإيرانيان المطلعان إلى الهجوم الذي تعرض له محمد سعيد إيزدي (المعروف بلقب حاج رمضان)، مسؤول وحدة فلسطين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، ووفاته في منزل آمن تابع للحرس الثوري في مدينة قم الإيرانية لا يعرفه سوى عدد قليل من الأشخاص، قبل أيام قليلة من وقف إطلاق النار، كمثال على الاختراقات رفيعة المستوى.

ويقول المصدران إن حاج رمضان لم يستخدم أي جهاز اتصال تكنولوجي مثل الهاتف منذ بداية الحرب، وبالتالي لم يكن من الممكن للموساد معرفة مكانه دون معلومات من الداخل.

عند هذه النقطة، من المتوقع أن تبدأ حركة تطهير شاملة وسريعة داخل الدولة في إيران. ويُعتقد أن حركة التطهير هذه ستتركز بشكل كبير في الجيش وأجهزة المخابرات.

ومن المتوقع أن يقوم آية الله خامنئي، في ضوء الأحداث الأخيرة، بإجراء تعديل شامل في وحدة استخبارات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، كما سيتخذ خطوات لإنهاء التنافس بين جهازي الاستخبارات.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا