كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن خطة لإقامة "مدينة إنسانية" مغلقة فوق أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية رسمية، تهدف خطة كاتس، التي تحدث عنها في لقاء مع مراسلين عسكريين أجانب، إلى فصل السكان المدنيين عن منتسبي حركة حماس.
ووفق ما بثته قناة "كان 11"، تقضي الخطة في مرحلتها الأولى بتفريغ منطقة الممر الإنساني في المواصي، ونقل نحو 600 ألف من الفلسطينيين إلى هذه المدينة الجديدة.
ويقدر كاتس أن منظمات دولية ستتولى إدارة الشؤون المدنية في المدينة الإنسانية، بينما سيكتفي الجيش الإسرائيلي بتأمين محيط المدينة عن بعد.
وتُشرف على الخطة مديرية الأمن في وزارة الدفاع وتتضمن آلية فحص أمني لكل من يدخل المدينة، و سيُمنع السكان من مغادرتها بعد دخولها.
وفي مراحل لاحقة، تسعى إسرائيل، بحسب المخطط، إلى نقل باقي سكان القطاع إلى المدينة الجديدة.
وتشير التقديرات الأمنية إلى أنه في حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فستبدأ أعمال إنشاء المدينة خلال فترة التهدئة المفترضة التي قد تمتد لـ 60 يوماً.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن هذه المدينة ستقام بين محوري "فيلادلفيا" و "موراغ" جنوبي القطاع.
مصادر مطلعة على تفاصيل الخطة ذكرت، بحسب القناة 12 الإسرائيلية، أنه في المرحلة التالية، بعد تجميع السكان، سيتم تفعيل آليات لتشجيع هجرة طوعية من سكان "المدينة الإنسانية" إلى دول ثالثة خارج القطاع.
ومع ذلك، تدرك إسرائيل أن هذه الخطوة قد تثير ردود فعل حادة في المجتمع الدولي.
كما أفادت القناة 12 أيضاً أن التأخير في إقامة "المدينة الإنسانية" أدى إلى توترات خلال جلسة في المجلس الوزاري الأمني المصغر بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس هيئة الأركان.
وبحسب تقرير لصحيفة معاريف الإسرائيلية، فإن خطة "المدينة الإنسانية" لم يتم الاتفاق عليها بعد بشكل نهائي داخل المجلس الوزاري المُصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت).
ونقلت الصحيفة أن رئيس الأركان إيال زامير عبّر عن معارضته لهذا التوجه، محذراً من أن الخطة تفتقر إلى آلية أمنية وتنظيمية واضحة، وأنها ستتطلب نشر قوات عسكرية كبيرة.
وعن هذا المقترح، يقول المحامي الحقوقي الإسرائيلي ميكائيل سفارد في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية إن خطة كاتس ليست أقل من "جريمة ضد الإنسانية"، قائلاً: "خطة كاتس تتعلق بنقل الفلسطينيين إلى الطرف الجنوبي من القطاع تمهيداً لترحيلهم خارجه".
وأضاف سفارد في حديثه للغارديان أنه بالرغم من أن "الحكومة تسمي الأمر ترحيلاً طوعياً، يخضع سكان غزة لإجراءات قاسية تمنع اعتبار أي مغادرة للقطاع طوعية".
وبحسب تصريحات متكررة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن أمريكا وإسرائيل تبحثان عن دول يمكن نقل الفلسطينيين إليها.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية أن خطة "المدينة الإنسانية" التي تخطط إسرائيل لإقامتها في رفح، شكلت عقبة كبيرة أمام تقدم مفاوضات صفقة التبادل مع حركة حماس، والتي تجري في العاصمة القطرية الدوحة.
وقالت مصادر فلسطينية مشاركة في المفاوضات لهيئة البث إن المقترح الإسرائيلي يلقى رفضاً قاطعاً من جانب حماس، ويُعد من أبرز النقاط التي تعطل إحراز تقدم في المحادثات.
وفي مدينة غزة، أكد سكان ونازحون التقت بهم "بي بي سي"، أن ما وصفوه بـ "خطط التهجير الإسرائيلية الأمريكية" ستفشل حتماً كما فشل ما يعتبرونه "خطة التهجير والنزوح الجماعي الأوليَّ".
وأشار البعض إلى اضطرار عشرات الآلاف منهم، للنزوح من ديارهم في الشهور الأولى من الحرب، إلى مناطق في جنوبي القطاع، صنَّفها الجيش الإسرائيلي، على أنها "إنسانية وآمنة"، مثل منطقة المواصي الساحلية في خان يونس.
وشدد هؤلاء الغزيِّون، على إصرارهم على البقاء في أماكن سكناهم، رغم ما حل بها من دمار كبير، مؤكدين أنهم لا يعتزمون النزوح من جديد.
وقال بعض من تحدثت معهم "بي بي سي"، إنهم عانوا مما سموه "تجارب قاسية" في هذه المناطق المُصنَّفة "إنسانية"، مشيرين إلى أن المواصي مثلاً شهدت ما وصفوه بـ "مجازر مروعة"، راح ضحيتها آلاف القتلى والمصابين، بحسب تعبيرهم.
ولطالما نفى الجيش الإسرائيلي اتهامات باستهداف جنوده لمدنيين فلسطينيين عمداً في الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
و تقول نسرين عوكل، وهي من سكان غزة، إنها لن تذهب "بكل تأكيد إلى المنطقة التي يتحدثون عنها ويقولون إنها آمنة، وسيكون فيها طعام وشراب وما شابه ذلك، رغم كل ما يمكن أن يحدث من ضغط عسكري وتجويع، وذلك بعد تجربتنا المريرة في النزوح من شمالي القطاع إلى جنوبه، وما عانينا منه من حياة قاسية في الخيام، والأحوال السيئة جداً".
وتردف السيدة الفلسطينية القول إن خطة كاتس "ستفشل بكل تأكيد كما فشل النزوح الجماعي الأول، وعدنا مجدداً إلى الشمال".
أما معين أحمد، وهو نازح من منطقة جباليا إلى مدينة غزة، فيقول إن إسرائيل سبق أن منحت الغزيين "وعوداً كثيرة" بإيجاد أماكن ومناطق آمنة لهم، "ولكن تبين أنها ادعاءات باطلة وكاذبة"، بحسب وصفه.
ويعتبر أحمد أن الخطة التي يجري الحديث عنها الآن لإقامة ما يوصف بـ "مدينة إنسانية" على أنقاض رفح، ليست إلا "مشروعا جديدا، من أجل تشريد الفلسطينيين وإبعادهم عن مناطق سكناهم وبلداتهم الأصلية".
النازح الفلسطيني، الذي يشدد على رفضه النزوح إلى أي منطقة تُصنَّفها إسرائيل على أنها آمنة، يقول أيضاً إن هذه الخطة تمثل محاولة لـ "دفع الناس نحو المجهول ومزيد من القتل والدمار، وذلك بتجميعهم في منطقة واحدة، حتى يسهل القضاء عليهم".
أما عوني عابد، وهو نازح يقيم في مدينة غزة، فيرى أن تجدد النزوح تجاه أي "مناطق إنسانية جديدة"، سيعتمد "على حجم الضغط العسكري الذي ستمارسه إسرائيل" في هذا الشأن، موضحاً ذلك بالقول "إذا حصل إطلاق قذائف وعمليات قصف لمنطقتنا، وصدرت أوامر إخلاء منها، سنضطر للنزوح قسراً لمناطق نختارها نحن وليس إلى مناطق يحددها الجيش".
ولكنه يضيف أن خيار النزوح إلى أي مناطق سيحددها الجيش الإسرائيلي في رفح "سيبقى كخيار أخير"، مردفاً بالقول "أعتقد – بحسب خبرتنا - أن هذا المشروع الجديد أيضاً سيفشل ولن يحصل".
من جانبها قالت حركة حماس في بيان صدر الثلاثاء، إن ما وصفته بمحاولات إسرائيل الدؤوبة لــ "تهجير شعبنا وفرض التطهير العرقي، (قوبلت) بصمودٍ أسطوري من أهلنا، الذين وقفوا في وجه القتل والجوع والقصف، ورفضوا أن يُرسم مستقبلهم من مقارّ الاستخبارات أو موائد الإملاء السياسي"، على حد تعبير الحركة.
وفي 11 أبريل/ نيسان الماضي، استكمل الجيش الإسرائيلي السيطرة على كامل "محور موراغ" وطوق مدينة رفح بشكل كامل.
ومنذ ذلك الحين، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات هدم ونسف للمباني في المدينة الحدودية مع مصر.