آخر الأخبار

حزب العمال الكردستاني: آلام وآمال بشأن احتمالات انتهاء صراع امتد لأربعة عقود بين تركيا والأكراد

شارك
مصدر الصورة

شعرت ليلى بأن الفرصة حانت أخيراً لترى ابنها لأول مرة منذ أكثر منذ ثلاثة أعوام، بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني مؤخراً عن حلّ نفسه وتخليه عن السلاح، إيذاناً بانتهاء صراعه مع تركيا الذي استمر لعقود.

وسرعان ما تبددت آمال ليلى، التي غيرنا اسمها بناءً على طلبها؛ تجنباً لاحتمال تعرضها للأذى على يد حزب العمال.

تخبرني الأم، التي تعيش في إحدى المدن العراقية الكردية، أن ابنها تركها قبل أكثر من ثلاثة أعوام لينضم إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في جبال القنديل، بإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي والواقع شمالي العراق.

أدت المواجهات المسلحة ما بين حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية، على مدار 40 عاماً، لمقتل نحو 40 ألف شخص، بينهم الكثير من المدنيين. وجاء إعلان زعيم الحزب عبدالله أوجلان، الشهر الماضي، ليفتح الباب أمام إمكانية إنهاء واحد من أطول الصراعات في العالم.

وحتى اللحظة لم تنطلق محادثات بين الطرفين المتصارعين تمهد الطريق للوصول لاتفاقية سلام، وهو ما ساهم في شعور ليلى بالإحباط. وتقول: "في البداية فرحنا، لكن الأيام مرت ولم يتغير شيء. لم يتحول الإعلان لواقع ملموس على الأرض. ما من خطوة إيجابية اتخذت".

تطلعني ليلى على رسالة مصورة بعثها إليها ابنها العشريني في مارس/آذار 2025، ولم تتلق منه إلا رسالتين مصورتين فحسب، خلال ثلاث سنوات.

"غسيل مخ"

مصدر الصورة

لم تكن تعلم شيئاً بشأن حزب العمال الكردستاني حتى بدأ ولدها، الذي كان يعمل في أحد المطاعم، يحدثها عن أيديولوجية الحزب وكيفية انخراطه في "الدفاع عن حقوق الأقلية العرقية الكردية" التي تعيش في كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران.

واستغرق الأمر عامين كاملين حتى قرر الأبن الانضمام للمقاتلين في جبال قنديل. وترى الأم أن حزب العمال الكردستاني "كان يجنده ببطء وتدرج، خلال وجوده معنا في المدينة، من خلال السيطرة على أفكاره وزرع مبادئ الحزب بداخله. كانت عملية أشبه بغسيل المخ".

وسرعان ما بدأت تلاحظ التغيير في سلوكيات ابنها الذي بدا أكثر استقلالية، حيث أصبح يغسل ملابسه بنفسه وينظف غرفته. "لم يكن هذا سلوكه من قبل، ولم أدرك أن الحزب كان يعدّه سلفاً للحياة الشاقة التي سيعيشها في الجبل".

ويمثل الأكراد نحو 20 في المئة من سكان تركيا. وأسس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني في عام 1978، وقاتل المسلحون في البداية بهدف استقلال المناطق الكردية، لكن هذه الأهداف تراجعت لاحقاً إلى الحصول على حكم ذاتي والمزيد من الحقوق للأقلية الكردية.

ويُصنف الحزب كجماعة إرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، كما حظره العراق العام الماضي.

"أريد رؤية ابني"

حاولت ليلى كثيراً ثني ابنها عن الانضمام للحزب لكن دون جدوى. وتتذكر اليوم الذي صعد فيه ابنها لجبال قنديل. وتقول إنه جاء بصحبة "ثلاثة من الرفاق ليخبرني أنه سيذهب في دورة تدريبية لستة أشهر. ولم أجد أي جدوى من معارضته، فقد كان مصمماً".

تشكك ليلى كثيراً في إمكانية انتهاء الصراع المسلح ما بين تركيا والحزب. وتقول: "لن يتخلى الحزب عن السلاح، وحتى إن فعل، سيلجأ لتشكيل جماعة جديدة باسم جديد ليحمل السلاح مرة أخرى".

ولا تحمل كلماتها شكوكاً فحسب، بل الكثير من الغضب الذي يرجع لحرمانها الطويل من ابنها. فقد انخرطت بالبكاء أكثر من مرة خلال حديثنا.

وتقول بسخط ويأس واضحين: "إذا كان الحزب جاداً بشأن إنهاء نشاطه المسلح، كان ليسمح لي برؤية ولدي. سأكون راضية حتى إذا سمحوا لي برؤيته مرة واحدة في العام".

جبال قنديل

مصدر الصورة

ذهبنا في رحلة طويلة وشاقة إلى جبال قنديل الواقعة في إقليم كردستان العراق، على الحدود بين العراق وإيران. واتخذ مقاتلو الحزب هذه الجبال الوعرة مقراً لهم منذ عام 1984، إذ شنوا منها العديد من الهجمات المسلحة على المدن التركية.

وقطعنا الطريق الترابي المتعرج الضيق في ساعات طويلة. وعلى امتداد البصر لم نرى إلا جبالاً شاهقة تكسوها الأشجار وتخلو إلى حد كبير من مظاهر العمران البشري.

فلم نلحظ إلا وجود أعداد محدودة من المزارعين والرعاة. وقد ساعدت طبيعة المكان في توفير حماية نسبية للمسلحين من نيران قصف الطيران التركي الذي لم يتوقف على كردستان العراق حتى بعد الإعلان عن حل الحزب والتخلي عن السلاح.

وما أن اقتربنا من نقاط تفتيش حزب العمال الكردستاني حتى رأينا صوراً ضخمة لزعيم الحزب عبدالله أوجلان معلقة في الجبال. منعنا الجنود القائمون على نقطة التفتيش من الدخول وطلبوا أن نعود أدراجنا رغم وجود تنسيق مسبق كان من المفترض أن يسمح لنا بالدخول لمناطق نشاط المسلحين والحديث إليهم.

وعلمنا من السلطات المحلية للحزب في المنطقة أن محادثات تجري حالياً بين أعضاء الحزب، ولذلك فهم لا يحبذون وجود الإعلام في الوقت الحالي. ولم يوضحوا طبيعة هذه المحادثات أو مضمونها.

نزع سلاح الحزب

ويظل المجهول هو آلية تفكيك الحزب ونزع سلاحه أكثر من المعلوم. وفي لقاء أجريناه معه الشهر الماضي، أخبرنا وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أن هناك "نحو سبعة آلاف مقاتل للحزب في جبال قنديل". وأوضح حسين أن محادثات ستجري ما بين العراق وتركيا وحكومة إقليم كردستان العراق من أجل "التوصل إلى آلية عمل مشتركة تؤدي إلى تسليم سلاح الحزب".

ولا تزال الصورة شديدة الضبابية بشأن إمكانية عقد اتفاقية سلام ما بين تركيا وحزب العمال الكردستاني أو البنود التي قد يتضمنها أي اتفاق من هذا النوع.

وفي بيان مكتوب رداً على أسئلة لبي بي سي، قال زاغروس هيوا، المتحدث باسم منظمة اتحاد مجتمعات كردستان التي ينضوي تحتها حزب العمال الكردستاني، إن الحزب جاد وملتزم بما أعلن عنه وأن "الكرة الآن في ملعب تركيا. ولا يمكن لعملية سلام أن تتم بناء على خطوات أحادية الجانب".

وطالب هيوا أنقرة بالاستجابة لمجموعة مطالب منها الإفراج عن زعيم الحزب عبدالله أوجلان، السجين لدى تركيا منذ عام 1999. فأوجلان سيكون هو الممثل الرئيسي للأكراد في أي محادثات قد تنعقد مع الأتراك.

كما دعا هيوا في رده على بي بي سي للإفراج عمن وصفهم بسجناء الرأي الأكراد والمقدرة أعدادهم بالآلاف، فضلاً عن وقف الغارات الجوية التركية على كردستان العراق.

لكن قائداً ميدانياً لدى الحزب في العراق أخبرنا في رد مكتوب على أسئلتنا أن مسألة التخلي عن السلاح "ليست مطروحة للنقاش"، موضحاً أن "معالجة الأسباب الجذرية للصراع، لن تجعل للسلاح قيمة"، وهو ما يشير إلى أن قرارات أوجلان، حال تنفيذها، قد تصطدم بعراقيل.

"فخر وألم"

مصدر الصورة

وعلق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على قرار حل الحزب بأنها خطوة مهمة نحو الوصول إلى "تركيا خالية من الإرهاب". وكتب على حسابه على موقع إكس، الشهر الماضي، أن مرحلة جديدة ستبدأ في البلاد "بعد القضاء على العنف والإرهاب".

لكن العائلات التي فقدت بعضاً من ذويها في هذا الصراع يصعب عليها تقبل فكرة إنهاء النشاط المسلح.

كان كاوا، المقاتل في صفوف حزب العمال، في 21 من عمره عندما قُتل قبل عامين. تذكر أخته رونديك المرة الأخيرة التي التقته فيها في جبال قنديل عام 2019. وتقول إنها حاولت إقناعه بالعودة معها "لكنه رفض رفضاً قاطعاً، بل طلب مني الانضمام إليه".

وداخل منزل أسرة كاوا التي تسكن مدينة السليمانية الكردية، شاهدت الكثير من صوره على الجدران. وتقول أخته العشرينية إن لحظة التخلي عن السلاح هي مصدر "ألم وفخر، خاصة بعد خسارتنا الفادحة".

وتؤكد رونديك وأسرة كاوا المؤيدة لحزب العمال الكردستاني "أن تضحيات شهدائنا هي التي مهدت الطريق للقادة كي يناقشوا مباحثات السلام".

مصدر الصورة

"أريد أن أرحل"

ولا مؤشر حتى الآن على استعداد تركيا لتقديم أي تنازلات للحزب، كما لا يوجد أي جدول زمني واضح لانطلاق محادثات بين الطرفين. ففي مارس/آذار 2025، طالب وزير الدفاع التركي، يشار غولر، حزب العمال الكردستاني "وجميع امتداداته النشطة في مختلف المناطق"، بضرورة تسليم أسلحتهم "فوراً دون قيد أو شرط".

ولا يشير غولر للعراق فحسب، بل يشير أيضاً إلى سوريا التي تنشط فيها وحدات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها أنقرة فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني. وحصلت وحدات حماية الشعب الكردي قبل نحو عشر سنوات على دعم أمريكي لدورها في مواجهة ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي استولى على مساحات شاسعة من العراق وسوريا. وأدى هذا الدعم الأمريكي للأكراد إلى توتر العلاقة ما بين واشنطن وأنقرة.

لكن أمّاً مثل ليلى لا تُعنى إطلاقاً بكل هذه التعقيدات السياسية والتفاصيل المتعلقة بموازين القوى في المنطقة، فكل ما يشغلها هو عودة ولدها.

وتقول: "إذا عاد سآخذه وأرحل عن تلك المدينة التي انتزعته مني، فلقد اختبرت فيها الكثير من الألم".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا