تلقى أكثر من 300 موظف في وزارة الخارجية البريطانية، ممن أعربوا عن مخاوفهم بشأن احتمال "تواطؤ" المملكة المتحدة في سياسات إسرائيل بغزة. أنه في حال اعتراضهم الجوهري على سياسة الحكومة، فبإمكانهم النظر في تقديم استقالاتهم.
و حصلت بي بي سي، على نسخة من الرسالة التي أرسلها الموظفون إلى وزير الخارجية ديفيد لامي الشهر الماضي.
وفي الرسالة، تساءل المسؤولون عن استمرار مبيعات الأسلحة البريطانية وما وصفوه بـ "تجاهل إسرائيل الصارخ للقانون الدولي".
وأكدت وزارة الخارجية البريطانية أن لديها أنظمة تمكن موظفيها من التعبير عن مخاوفهم، مضيفة أن الحكومة "طبّقت القانون الدولي بصرامة" فيما يتعلق بالحرب في غزة.
وقد أُرسلت الردود على رسالة الموظفين من أبرز مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية البريطانية، هما أوليفر روبنز ونيك داير.
وجاء في ردهم على الموقعين على الرسالة: "إذا كان اعتراضكم على أي جانب من سياسة الحكومة أو إجراءاتها جوهرياً، فإن خياركم النهائي هو الاستقالة من الخدمة المدنية. وهذا مسار مشرف".
وقد قوبل هذا الرد بـ"غضب عارم"، بحسب أحد المسؤولين الذين وقعوا على الرسالة.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته: إن هناك "إحباط وشعور عميق بخيبة الأمل بسبب تضييق مساحة التعبير عن الاعتراضات أكثر فأكثر".
وكانت رسالة المسؤولين الموقعة في 16 مايو/ أيار، هي الوثيقة الرابعة من نوعها التي يرسلها موظفو الخدمة المدنية المعنيون إلى الوزراء ومدراء وزارة الخارجية منذ أواخر عام 2023.
وتعلم بي بي سي أن الموقعين على الرسالة يمثلون مجموعة واسعة من الخبرات في مختلف أقسام وزارة الخارجية والسفارات والبعثات بما في ذلك في لندن والخارج.
وعكست الرسائل حجم الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، والقيود التي تفرضها إسرائيل على إمدادات المساعدات، وتوسع المستوطنات الإسرائيلية، وعنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، من بين قضايا أخرى.
ويُقال إن الموظفين يشعرون أيضاً بقلقٍ من أن العديد من تحذيراتهم لم تُؤخذ بعين الاعتبار، وأن أولئك المسؤولين عن تنفيذ القرارات قد يكونون عرضةً للمساءلة القانونية في أي إجراءات قضائية مستقبلية ضد الحكومة البريطانية.
وجاء في رسالة ال 16 مايو/أيار أن: "في يوليو/ تموز 2024، أعرب الموظفون عن قلقهم إزاء انتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي واحتمال تواطؤ الحكومة البريطانية. وخلال الفترة الفاصلة، أصبح تجاهل إسرائيل للقانون الدولي أكثر وضوحاً".
وتابع الخطاب سرد عمليات قتل القوات الإسرائيلية لخمسة عشر عاملاً في المجال الإنساني في شهر مارس/آذار، وتعليق إسرائيل لجميع المساعدات إلى غزة في الشهر ذاته، "مما دفع العديد من الخبراء والمنظمات الإنسانية إلى اتهام إسرائيل باستخدام التجويع كسلاح في الحرب".
وأشار الخطاب إلى أن موقف الحكومة البريطانية ساهم في "تآكل المعايير العالمية"، مشيراً إلى استمرار تصدير الأسلحة واستقبال لندن لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في أبريل/نيسان "رغم المخاوف من انتهاكات القانون الدولي".
وأضاف الخطاب أن "الحكومة الإسرائيلية، بدعم من إدارة ترامب، وضعت خططاً صريحة للنقل القسري لسكان غزة".
وفي ردهما بتاريخ 29 مايو/أيار، أخبر أوليفر و داير الموظفين أن الوزارة تسعى إلى تشجيع "النقد البناء" كجزء من عملية صنع السياسات، وقد أنشأت بالفعل "لجنة مراجعة خاصة" وجلسات استماع دورية مع الموظفين لبحث مخاوفهم في المجال السياسي.
جاء في ردهما أن للموظفين الحق في التعبير عن آرائهم الشخصية، لكنهم أضافوا أنه "قد يكون من المفيد" "تذكيرهم" بالآليات المتاحة لمن يشعرون بعدم الارتياح تجاه السياسة المتبعة.
وتابع الخطاب سرد سلسلة من الطرق التي يمكن للموظفين من خلالها طرح قضاياهم، قبل أن يضيف أن الاستقالة تمثل "ملاذاً أخيراً" و"خياراً مشرفاً" لمن يعارضون سياسة الحكومة اعتراضاً جوهرياً.
وجاء في الخطاب: "أن الشرط الأساسي في خدمة الدولة البريطانية يقوم على أننا نلتزم بتنفيذ سياسات الحكومة القائمة بإخلاص، في حدود ما يفرضه القانون وقانون الخدمة المدنية."
ووصف مسؤول سابق اطّلع على المراسلات الرد بأنه "محاولة للتضليل".
قال المسؤول السابق، الذي تحدث أيضاً بشرط عدم الكشف عن هويته إن: "هذا يمنح الحكومة فحسب ما يُسمى بـ "إنكار معقول" لتمكين انتهاكات القانون الدولي".
قالوا إن وزارة الخارجية والتنمية البريطانية والخدمة المدنية الأوسع تبدو غير قادرة على استيعاب دروس الماضي، في إشارة إلى توصيات تقرير تشيلكوت لعام 2016 الصادر بعد التحقيق في حرب العراق.
انتقد تشيلكوت ظهور "اعتقاد راسخ" لدى كبار المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة بوجود أسلحة دمار شامل في العراق. وقد أدت توصياته إلى إصلاحات في الخدمة المدنية تهدف إلى تحدي "التفكير الجماعي" وتمكين المسؤولين من التعبير عن مخاوفهم السياسية.