آخر الأخبار

الهند وباكستان: كيف ستردّ باكستان على الضربات الجوية الهندية؟

شارك
مصدر الصورة

في عملية مفاجئة نفّذتها خلال الليل، أعلنت الهند أنها شنّت ضربات جوية وصاروخية استهدفت تسعة مواقع داخل باكستان وفي كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية، قائلةً إنها ضربات "دقيقة" استهدفت مواقع تابعة لجماعات مسلّحة، بناءً على "معلومات استخباراتية موثوقة".

واستغرقت الضربات 25 دقيقة فقط، بين الساعة 1:05 و1:30 فجراً بتوقيت الهند (19:35 و20:00 بتوقيت غرينتش مساء الثلاثاء)، وتسببت في حالة من الهلع في المنطقة، حيث أفاد سكان محليون بأنهم استيقظوا على وقع انفجارات عنيفة.

من جانبها، قالت باكستان إن الضربات استهدفت ستة مواقع فقط، وإنها أسقطت خمس طائرات حربية هندية وطائرة مسيّرة، وهو ما لم تؤكده الهند.

وأضافت إسلام آباد أن الهجمات أسفرت عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 46 آخرين على الجانب الباكستاني من خط السيطرة، الذي يُعد الحد الفاصل الفعلي بين الجانبين، فيما أفادت الهند بمقتل 10 مدنيين بقصف باكستاني على جانبها من الخط ذاته.

يأتي هذا التصعيد الحاد بعد هجوم دامٍ استهدف سياحاً في منطقة باهالغام في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية الشهر الماضي، ما فاقم التوترات بين الجارتين النوويتين.

وتقول الهند إنها تمتلك أدلة تربط بين منفذي الهجوم وجهات متطرفة مقرها باكستان، وهي ادعاءات تنفيها إسلام آباد، مؤكدة أن الهند لم تقدم أدلة داعمة.

هل يُعد هذا التصعيد مرحلة جديدة؟

في عام 2016، وبعد مقتل 19 جندياً هندياً في هجوم بمدينة أوري، نفّذت الهند ما وصفته بـ"ضربات جراحية" عبر خط السيطرة.

وفي عام 2019، أسفر تفجير في بولواما عن مقتل 40 عنصراً من القوات شبه العسكرية، ما دفع الهند لتنفيذ غارات جوية داخل مدينة بالاكوْت الباكستانية – في أول ضربة من هذا النوع منذ عام 1971 – ما أشعل حينها مواجهات جوية متبادلة.

لكن الضربات الأخيرة، بحسب محللين، تميزت باتساع نطاقها، إذ استهدفت في وقت واحد بنية تحتية لثلاث جماعات مسلحة رئيسية تنشط داخل باكستان: "عسكر طيبة"، "جيش محمد" و"حزب المجاهدين".

وذكرت الهند أن الضربات استهدفت مواقع في سيالكوت، الواقعة على بعد 6 إلى 18 كيلومتراً من الحدود، بالإضافة إلى "مقر" لجيش محمد في بهاولبور، يبعد 100 كيلومتر داخل الأراضي الباكستانية، ومعسكر لعسكر طيبة في مظفر آباد، عاصمة كشمير الباكستانية، على بعد 30 كيلومتراً من خط السيطرة.

لكن باكستان أنكرت وجود أي معسكرات تابعة لجماعات مسلحة في هذه المناطق، رغم إقرارها بأن ستة مواقع تعرّضت للقصف.

مصدر الصورة

ويقول المؤرخ الهندي سريناث راغافان، في حديث لبي بي سي، إن "ما يلفت النظر هذه المرة هو توسّع نطاق الأهداف الهندية بما يتجاوز النمط المعتاد، ففي السابق، كانت الضربات مثل تلك التي وقعت في بالاكوْت تتركز داخل كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية، وتحديدًا عبر خط السيطرة، وهو حدود عسكرية فعلية".

وأضاف: "لكن في هذه الجولة، استهدفت الهند مواقع داخل إقليم البنجاب الباكستاني، وتجاوزت الحدود الدولية، لتضرب بنية تحتية تابعة لجماعات متشددة، ومقرات ومواقع معروفة في بهاولبور وموريدكي، على صلة بجماعة عسكر طيبة".

ويؤكد أن الضربات شملت أيضاً مواقع مرتبطة بجيش محمد وحزب المجاهدين، لافتاً إلى أن "هذا يشير إلى ردٍّ أوسع جغرافياً وأكثر شمولاً، ويبعث برسالة مفادها أن عدة جماعات باتت في مرمى نيران الهند".

تجدر الإشارة إلى أن الحدود الدولية بين الهند وباكستان هي الحدود المعترف بها رسمياً، وتمتد من ولاية غوجارات الهندية جنوبًا إلى إقليم جامو شمالاً.

وفي السياق ذاته، قال أجيه بيساريا، المفوض السامي الهندي السابق لدى باكستان، لبي بي سي، إن ما قامت به الهند يُعد "نسخة مطوّرة من ضربة بالاكوْت، تهدف إلى ترسيخ الردع من خلال استهداف مراكز إرهابية معروفة، لكنها كانت مرفقة برسالة واضحة لخفض التصعيد".

وأضاف بيساريا: "الضربات هذه المرة كانت أكثر دقة وانتقائية ووضوحًا مقارنة بالماضي، ولهذا يصعب على باكستان إنكارها".

وتقول مصادر هندية إن الهدف من هذه الضربات هو "إعادة ترسيخ الردع".

ويتابع البروفيسور راغافان: "تعتقد الحكومة الهندية أن الردع الذي تحقق عام 2019 لم يعد كافياً، ويجب استعادته".

ويضيف: "هذا يتماشى مع ما تفعله إسرائيل التي ترى أن الردع يتطلب ضربات دورية ومتكررة، لكن إذا افترضنا أن مجرد الرد العسكري كفيل بردع الإرهاب، فإننا بذلك نمنح باكستان كل مبرر للرد، ما قد يفتح الباب لتصعيد سريع خارج السيطرة".

هل سيتطور الوضع إلى مواجهة أكبر؟

مصدر الصورة

يتفق معظم الخبراء على أن رداً باكستانياً بات أمراً لا مفر منه، وأن الدبلوماسية ستلعب دوراً حاسماً في المرحلة المقبلة.

ويقول أجيه بيساريا، المفوض السامي الهندي السابق لدى باكستان: "الرد الباكستاني قادم لا محالة، والتحدي سيكون في كيفية إدارة مستوى التصعيد التالي، هنا، ستبرز أهمية الدبلوماسية في أوقات الأزمات".

ويضيف: "باكستان ستتلقى نصائح دولية تطالبها بضبط النفس، لكن الأهم هو ما سيحدث بعد الرد الباكستاني، إذ يجب ضمان ألا تنزلق الدولتان سريعاً نحو تصعيد متدرج وخطير".

من جانبه، يرى محللون في باكستان، مثل الدكتور إعجاز حسين، المحلل السياسي والعسكري المقيم في لاهور، أن الضربات الجراحية الهندية التي استهدفت مواقع في موريدكي وبهاولبور كانت "متوقعة إلى حد كبير في ظل التوترات القائمة".

ويعتقد د. حسين أن "رداً انتقامياً بات مرجحاً"، موضحاً في حديثه لبي بي سي: "نظراً للخطاب الإعلامي العسكري في باكستان والتصريحات الواضحة حول الرغبة في الرد، فإن تنفيذ ضربات جراحية عبر الحدود يبدو محتملاً في الأيام المقبلة".

لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن "تنفيذ ضربات جراحية من الطرفين قد يؤدي إلى تصعيد يتحول إلى حرب محدودة تقليدية".

أما كريستوفر كلاري، الأستاذ بجامعة ألباني الأمريكية، فيرى أن حجم الضربات الهندية، وما تسببت به من "أضرار مرئية في مواقع رئيسية" وسقوط قتلى، يجعل من المرجّح جداً أن ترد باكستان.

ويقول كلاري، المتخصص في شؤون جنوب آسيا: "عدم الرد سيعني عملياً منح الهند ضوءاً أخضر لضرب باكستان في كل مرة تشعر فيها بالاستفزاز، وهو ما يتناقض مع مبدأ الرد 'بالمثل مع إضافة' الذي تلتزم به المؤسسة العسكرية الباكستانية".

ويضيف: "نظراً لأن الهند قالت إن أهدافها كانت منشآت ومجموعات مرتبطة بالإرهاب داخل أراضيها، أعتقد أن باكستان – على الأرجح، وإن لم يكن مؤكداً – ستحصر ردها في مهاجمة أهداف عسكرية هندية".

ورغم تصاعد التوتر، لا يزال بعض الخبراء يأملون في إمكانية احتواء التصعيد.

ويقول كلاري: "هناك احتمال معقول بأن نخرج من هذه الأزمة بجولة واحدة فقط من الضربات المتبادلة، يعقبها فترة من الاشتباكات المكثفة على طول خط السيطرة".

لكنه يحذر في الوقت ذاته من أن خطر التصعيد لا يزال قائماً بقوة، معتبراً أن "هذه الأزمة هي الأخطر بين الهند وباكستان منذ عام 2002، بل وربما أكثر خطورة من أزمات عامي 2016 و2019".

هل الرد الباكستاني حتمي؟

مصدر الصورة

ويشير خبراء في باكستان إلى أن غياب "هستيريا الحرب" المعتادة قبل الضربة الهندية الأخيرة لا يعني أن الأوضاع لن تتغير سريعاً.

ويقول عمر فاروق، المحلل السياسي المقيم في إسلام آباد والمراسل السابق لمجلة "جانس ديفينس ويكلي": "نعيش اليوم في مجتمع سياسي منقسم بعمق، مع وجود الزعيم الأكثر شعبية في البلاد خلف القضبان، وضع عمران خان في السجن أدى إلى رد فعل شعبي واسع ضد المؤسسة العسكرية".

ويضيف: "الشارع الباكستاني اليوم أقل حماسة بكثير لدعم الجيش مقارنةً بما كان عليه الحال في 2016 أو 2019 – فموجة التعبئة القومية المعتادة غائبة بوضوح، لكن إذا تبدل الرأي العام في وسط البنجاب، حيث المشاعر المعادية للهند أكثر انتشاراً، فقد نرى تصاعداً في الضغط المدني على الجيش للرد، وهو ما سيمنحه فرصة لاستعادة شعبيته".

ويرى الدكتور إعجاز حسين الرأي نفسه، حيث يقول: "أعتقد أن حالة التوتر الحالية مع الهند تمثل فرصة للمؤسسة العسكرية في باكستان لاستعادة التأييد الشعبي، وخصوصاً من الطبقة الوسطى في المدن، التي وجهت انتقادات حادة لها مؤخراً بسبب تدخلها في السياسة".

ويتابع: "الجيش يتبنى حالياً خطاباً دفاعياً نشطاً يتم الترويج له بقوة عبر وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تدّعي بعض المنصات إسقاط ست أو سبع طائرات هندية".

ويختم بالقول: "رغم أن مثل هذه الادعاءات تحتاج إلى تحقق مستقل، فإنها تساهم في تعزيز صورة الجيش لدى شرائح من المجتمع الباكستاني اعتادت الاصطفاف خلف روايات الدفاع الوطني في أوقات التهديد الخارجي".

هل يمكن للهند وباكستان تجنب الانزلاق إلى الحرب؟

مصدر الصورة

تسير الهند مجدداً على خط رفيع بين التصعيد وضبط النفس.

فبعد الهجوم الذي وقع في باهالغام، سارعت نيودلهي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الانتقامية، شملت إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي مع باكستان، وتعليق اتفاقية لتقاسم المياه، وطرد دبلوماسيين باكستانيين، ووقف إصدار معظم التأشيرات للمواطنين الباكستانيين.

كما شهدت المناطق الحدودية تبادلاً لإطلاق النار بالأسلحة الخفيفة، وقررت الهند منع تحليق الطائرات الباكستانية في أجوائها، في خطوة عكست إجراء مماثل اتخذته إسلام آباد سابقاً.

وردّت باكستان بتعليق اتفاقية سلام تعود إلى عام 1972، واتخذت بدورها خطوات تصعيدية مقابلة.

هذا النمط من التصرف يعيد إلى الأذهان ما جرى بعد تفجير بولواما عام 2019، حين ألغت الهند سريعاً صفة "الدولة الأكثر تفضيلاً" عن باكستان، وفرضت رسوماً جمركية مشددة، وعلّقت روابط تجارية ونقل رئيسية.

وقد بلغت الأزمة آنذاك ذروتها عندما شنت الهند ضربات جوية على منطقة بالاكوْت، أعقبتها غارات باكستانية مضادة واحتجاز طيار هندي، هو أبهيناندان فارتامان، ما أدى إلى تصعيد خطير في التوتر.

ومع ذلك، نجحت القنوات الدبلوماسية في خفض التوتر تدريجياً، بعدما أطلقت باكستان سراح الطيار في بادرة "حسن نية".

يقول أجيه بيساريا، المفوض الهندي السابق لدى باكستان، في حديثه الأسبوع الماضي:"الهند كانت مستعدة لمنح الدبلوماسية التقليدية فرصة جديدة... خصوصاً وأنها شعرت بأنها حققت هدفاً استراتيجياً وعسكرياً، بينما تمكنت باكستان من تقديم الأمر لجمهورها الداخلي كنوع من النصر السياسي".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا