في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يأتي يوم الأسير الفلسطيني هذا العام وسط استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وانتهاكات غير مسبوقة يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ورقم غير معلوم لأعداد المعتقلين من غزة.
وفي ندوة نظمها مؤتمر فلسطينيي أوروبا بعنوان "حكايات صمود ملهمة بين الواقع والأسطورة"، قدم عدد من الأسرى الفلسطينيين المحررين شهاداتهم التي توثق معاناتهم منذ اللحظات الأولى للاعتقال، وألوان الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى على يد السجان الإسرائيلي، وحتى المعاناة التي يتعرضون لها بعد التحرر إما بالإبعاد أو إعادة الاعتقال.
الجزيرة نت يعرض هذه الشهادات كما يرويها أصحابها، وبالتفاصيل والمشاعر التي تعرضوا لها، وخلاصة تجاربهم التي أجمعوا فيها على أن سجون الاحتلال الإسرائيلي ليست مكانا للاعتقال فقط، بل هي ساحة لمعركة يومية يخوضونها بالمواجهة والثبات والإصرار على حلم التحرر والانتصار ورفض الهزيمة أو الانكسار.
وفي عام 1974، أقر المجلس الوطني الفلسطيني يوم 17 أبريل/نيسان من كل عام يوما للأسير الفلسطيني، بهدف التضامن مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وحشد التأييد لقضيتهم، ولفت أنظار العالم للمآسي والمعاناة التي يتعرضون لها بشكل يومي في السجون الإسرائيلية.
يعد نائل صالح البرغوثي أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويلقب بعميد الأسرى، وولد في أكتوبر/تشرين الأول 1957، واعتُقل المرة الأولى عام 1977 وحُكم عليه بالسجن 3 أشهر، وأُعيد اعتقاله بعد 14 يومًا من الإفراج عنه وصدر عليه حكم بالسجن المؤبد و18 عاما.
وأُفرج عنه ضمن صفقة " وفاء الأحرار " عام 2011، ولكن أُعيد اعتقاله عام 2014، وأفرج عنه ثانية ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل فيما عرفت بصفقة "طوفان الأحرار" في 27 فبراير/شباط 2025، لكنه أُبعد إلى مصر.
وفي رسالة ملهمة صادرة من أعماق تجربة عمرها عقود، تحمل فيها البرغوثي راية الصمود ورفض الهزيمة، أكد أن القضية الفلسطينية "ليست مجرد حكاية عابرة، بل رواية متجذرة تحمل بين طياتها آلامًا وآمالا تمتد من الأجيال الماضية إلى القادمة".
ويقول البرغوثي إن "قضية الأسرى ليست حكاية عابرة وليست انتظارا سلبيا، بل هي انتظار مليء بالأمل والتحرك نحو الحرية بكرامة." وبالنسبة له، فالانتظار يشكل جزءا من الهوية الفلسطينية، لكنه لا يعني الاستكانة، بل السعي المستمر لتحقيق اللقاء، سواء بالتحرر أو بالكرامة.
ويتحدث البرغوثي عن غزة: "هي بوصلة النضال الفلسطيني، والفخر لا يكون بكمية السنوات التي نقضيها في السجون، بل بقدرتنا على الحفاظ على إنسانيتنا وقضيتنا".
وعندما يقيم تجربته يقول عنها إنني "لم أكن أمتلك الوسائل المادية الملموسة، لكنني امتلكت القوة المعنوية التي استمددتها من مناضلين سبقوني على مدى أكثر من 120 عاما، ومن والديّ، ومن أخي وأختي، ومن جيراني ورفاقي، ومن زوجتي التي ساندتني خلال هذه المرحلة. والأهم من كل ذلك: الشهداء؛ شهداء هذه المعركة الذين سيبنون الأمل والمستقبل لهذه الأمة".
وفي لمحة شخصية، استعاد البرغوثي قصة شجرة ليمون زرعها في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وجعل جذورها ممتدة بكل فلسطين، حيث وضع تحتها ترابا جمعه من أماكن متعددة مثل نابلس والنقب وبئر السبع. ويقول البرغوثي: "هذه الليمونة ليست مجرد شجرة، إنها حفيدة ليمونات يافا القديمة، وهي رمز للأمل وللعودة التي ننتظرها".
وأرسل البرغوثي رسالة شكر لكل من وقف بجانب القضية الفلسطينية، سواء بالكلمة أو الاحتجاجات، موجها تحية خاصة للمناصرين في الخارج، ولم يغفل توجيه انتقاد للحكومات التي تدعم الاحتلال، مطالبا إياها بالتفكر في "أحذية أطفال غزة" التي تمثل أوجاع الأجيال التي تنشأ تحت وطأة القصف والاحتلال.
واختتم البرغوثي رسالته بالتأكيد على أن الانتظار لا يكون إلا بالأمل والعمل، مشيرا إلى أن الاحتلال حاول كسر إرادة الفلسطينيين لكنه واجه صمودا متأصلا لا ينكسر. "الصبر والوفاء هما ما يخلد الإنسان".
وبهذه الكلمات، جسّد نائل البرغوثي معاني الصمود الفلسطيني الذي لا يعرف الاستسلام، مؤكدا أن "النصر والحرية آتيان سواء أكان الشاهد عليها حيًّا فوق الأرض أم شهيدا تحت التراب".
الأسير الفلسطيني عبد الرحمن صلاح، المُلقب "بشيخ الأسرى" ولد في مدينة جنين عام 1954، واعتقل في يونيو/حزيران 2002 إثر أحداث مجزرة جنين وحُكم عليه بالسجن 25 عاما.
وأُفرج عنه عام 2011 ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، التي تضمنت إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله مرة ثانية عام 2014، وحكم عليه بالسجن 25 عاما أيضا، ثم خرج مؤخرا ضمن صفقة "طوفان الأحرار" وأبعد إلى مصر.
وتقول رشا ابنة "شيخ الأسرى" إن والدها -البالغ من العمر 71 عامًا- عانى طوال فترة احتجازه من ظروف إنسانية صعبة، فهو لا يرى إلا بنسبة 5%، ويحتاج إلى مساعدة دائمة للمشي، ومع ذلك سحب الاحتلال منه عكازه ونظارته، وحُرم من العلاج اللازم.
وتضيف أن والدها كان بحاجة إلى شخصين لمساعدته على المشي وعندما كان يؤخذ لزيارة المحامي أو لموعد علاج، كانوا يضربونه ويهينونه ويتهمونه بالكذب قائلين "أنت قادر على المشي لكنك تتظاهر بأنك لا تستطيع".
"كان والدي مقيدًا على كرسي متحرك، ومعصوب العينين، رغم أنه أصلًا لا يرى، انظروا إلى مدى الوحشية، لا توجد لديهم ذرة من الإنسانية".
وتحكي رشا عن مستشفى الرملة، الذي نُقل إليه والدها، أنه لم يكن سوى مكان اعتقال آخر، حيث تعرض فيه "شيخ الأسرى" للضرب والإهانة المتكررة، كما أُصيب بجروح خطيرة في رأسه نتيجة الاعتداء، مما أدى إلى فقدانه ذاكرته عدة أشهر. ورغم وضعه الصحي المتدهور، رفض الاحتلال تدخل أي مؤسسة حقوقية لتقديم العلاج المناسب له، ولم يُسمح لعائلته بزيارته سوى مرة واحدة خلال سنوات احتجازه الطويلة.
وبعد الإفراج عنه مؤخرًا ضمن صفقة "طوفان الأحرار"، أُبعد قسرًا إلى القاهرة بدلًا من عودته إلى وطنه، وهو يقيم حاليًا في مستشفى فلسطين بالقاهرة. وحتى عندما سُمِح لزوج ابنة صلاح بالسفر لرعايته، تعرض لحادث في مصر جعله هو الآخر بحاجة إلى علاج ومرافقة.
الحالة داخل السجون الإسرائيلية تعكس معاناة أكبر يعيشها أكثر من 15 ألف أسير فلسطيني، حيث يُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك الطعام، والعلاج، والصلاة، والنوم على الأرض أو الحديد، والملابس غير المناسبة لفصول السنة، وانتشار الأمراض مثل الجرب من دون تقديم العلاج، وجميعها تُظهر الإهمال المتعمد من قبل الاحتلال.
وتعد رسالة ابنة الأسير عبد الرحمن صلاح واضحة: يجب أن يتحرك العالم لإنقاذ الأسرى -خاصة المرضى- من براثن الاحتلال الذي لا يزال يمارس سياسة القمع والقتل البطيء. وبرغم كل ما يواجهه الأسرى من إهانات وتجريد من الحقوق، يظل صمودهم وإيمانهم بالله مصدر قوة لعائلاتهم وللكثير من المدافعين عن قضيتهم الإنسانية.
وُلد عمار الزبن عام 1975، واعتقل منذ أكثر من 19 سنة، وحكم عليه بالسجن المؤبد 27 مرة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية داخل سجون الاحتلال، ثم الماجستير عام 2022 في التخصص نفسه من جامعة القدس، ثم التحق ببرنامج الدكتوراه.
وهو روائي وصاحب أول نطفة محررة ناجحة من داخل السجون، ولذلك يسمى "سفير الحرية"، حيث تكللت العملية الأولى بالنجاح عام 2012 ورزق بابنه مهند، وكرر الأمر مرة ثانية عام 2014 ورزق بصلاح الدين.
وأفرج عن الزبن في 27 فبراير/شباط 2025 ضمن الدفعة السابعة من صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، لكنه أبعد إلى مصر.
وتحدث الزبن عن تجربته الطويلة في الأسر، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني يخوض معركة تتجاوز الدفاع عن الأرض، بل هي معركة إنسانية ضد الظلم والاستعمار والمشروع الصهيوني الاستعماري الذي يشكل تهديدًا أخلاقيًا وإنسانيًا للبشرية جمعاء.
وروى الزبن تفاصيل مؤثرة عن المشاعر التي كانت تصل إلى الأسرى الفلسطينيين من خارج السجون، وكيف كانت تلك المشاهد المتقطعة كافية لدفعهم للشعور بأنهم ليسوا وحدهم. وأشار إلى النساء والشباب الذين دعموا القضية الفلسطينية، سواء كانوا عربًا أو أجانب، وكيف أن هذا الدعم أصبح بمثابة سلاح ثانٍ للأسرى، مبينًا أن صوت الدعم الخارجي كان يوازي صوت المقاومة داخل السجون.
ومن أبرز مظاهر المقاومة التي عاشها الزبن كانت معركة "النطف المحررة"، حيث سعى الأسرى للحفاظ على إنسانيتهم خلف القضبان من خلال إيجاد طريقة لتحقيق حلم الأبوة، على الرغم من القيود الصارمة التي فرضها الاحتلال والتحفظات المجتمعية.
وفي عام 2002، بدأت فكرة "النطف المحررة" إذ قامت زوجة الزبن (أم مهند) دورًا بطوليًا في نجاح هذه الفكرة، حيث أصرت على المحاولة رغم كل الصعوبات، وتمكن الزبن وزوجته من إنجاب طفلين: مهند وصلاح الدين، ليصبحا رمزًا لمقاومة تتحدى قيود الاحتلال.
كان الاحتلال يسعى بكل الطرق إلى منع الأسرى من ممارسة حياتهم الطبيعية، حتى أنه حاول منع الزبن من رؤية طفله مهند وهو رضيع. ورغم ذلك، استطاع الأسير ورفاقه تحقيق قوة داخلية جعلت السجانين يخشون ردودهم. وقال الزبن "سنفعل ما يخطر على بالك، وما لا يخطر".
وتحدث الزبن عن تفاصيل الحياة اليومية داخل السجن، وكيف حول الأسرى تلك البيئة القاسية إلى مساحة للنضال الصامت. كانوا يجمعون التراب الأحمر من أي مكان داخل الزنازين ويزرعونه بنباتات مثل النعناع ليصبح ذلك رمزًا للتمسك بالحياة.
لم يكن الاحتلال يريد أن يرى أي خضرة داخل السجون، لأن الحياة كانت تناقض فلسفة السجن. ورغم ذلك، نجح الأسرى في تحويل هذه المقاومة الرمزية إلى مصدر للإلهام، مؤكدًا أن تلك الأفعال الصغيرة كانت تحمل أبعادًا نفسية عميقة تتجاوز حب الأرض.
واختتم الزبن حديثه بدعوة العالم أجمع للاستمرار في دعم القضية الفلسطينية وعدم التراجع أمام الظلم. وأكد أن "فلسطين ليست مجرد قطعة أرض، بل هي رمز لمعركة إنسانية ضد القهر والاستبداد". وشدد على أهمية الأصوات التي تدعم المقاومة، معتبرًا أن صوت أي شخص في الشارع هو بمثابة رصاصة في وجه الاحتلال.
جنين محمد عمر من مدينة الخليل (جنوبي الضفة الغربية) عمرها 25 عاما، وهي طالبة في كلية الهندسة الزراعية. واعتقلها الاحتلال بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتم تحريرها في الدفعة الأولى من صفقة "طوفان الأحرار" التي ضمت 90 أسيرا، منهم 69 امرأة و21 فتى وطفلا.
وتروي الأسيرة المحررة تفاصيل تجربتها القاسية التي استمرت 14 شهرًا من الاعتقال، مقدمة صورة حية عن معاناة الأسيرات وصمودهن في وجه الانتهاكات.
بدأت رحلة جنين فجأة في ليلة غير متوقعة، حين اقتحم جنود الاحتلال منزلها وهي نائمة. وسحبوها من فراشها بعنف، من دون أن يُسمح لها حتى بارتداء حجابها أو توديع أهلها، لتجد نفسها معتقلة من دون أي تفسير.
وشكلت هذه اللحظة بداية مرحلة صعبة من الخوف والضياع، حيث نُقلت إلى سجن الدامون دون أي معلومات عن وضعها أو عائلتها، واستمرت شهرًا ونصف الشهر بلا زيارات أو مكالمات أو أي وسيلة تواصل.
ورغم قسوة الظروف، أكدت جنين إيمانها بعدالة القضية الفلسطينية، وهو ما كان مصدر القوة والصبر بالنسبة لها وللأسيرات الأخريات. وتقول: "كنا نحول شعور الخوف والضياع إلى مشاعر قوة وصمود".
تعرضت جنين منذ لحظة اعتقالها إلى شتائم وإهانات يومية، إضافة إلى الضرب في بعض الأحيان. ورغم أنها لم تواجه تحقيقًا مباشرًا حتى مرور 4 أشهر من اعتقالها، فقد أشارت إلى أن العديد من الأسيرات تعرضن لانتهاكات جسدية صارخة.
لم تقتصر المعاناة داخل السجن على الإهانات الجسدية، بل امتدت إلى الحرمان من الاحتياجات الأساسية، مثل النظافة الشخصية والصلاة وحتى أبسط الاحتياجات اللازمة للمرأة. كما وصفت جنين الإهمال الصحي داخل السجن "بالكارثي"، حيث كانت الأمراض تتفشى وسط بيئة غير صحية، إلى جانب التهديدات الدائمة باعتقال أفراد العائلة.
ورغم هذه المحنة، أكدت جنين أن روح المقاومة لم تخفت داخل السجن. وتقول "السجن الذي أرادوه لنا مقبرة، حولناه إلى مساحة مقاومة ودليل على الصمود".
لحظة الحرية جاءت مفاجئة، عندما أُعلن عن إفراجها ضمن صفقة تبادل أسرى. ورغم أن الاحتلال حاول إفساد فرحة الأسيرات من خلال الضرب والتفتيش المهين، فإن المشاعر الغامرة بالفرح غلبت على كل شيء. ووصفت جنين تلك اللحظة "بالعظيمة"، لكنها لم تخل من ألم الفراق للأسيرات اللواتي تركتهن خلفها.
خلال فترة الأسر، مُنعت جنين من التواصل مع عائلتها لمدة 6 أشهر، وكانت كلمات والدها التي نقلها لها أحد المحامين (والدك فخور بك) أعظم رسالة تلقتها خلال فترة الاعتقال، مما عزز قوتها النفسية وأعطاها أملًا في الاستمرار.
وبعد الإفراج عنها، لم تعد جنين ترى الجامعة مجرد مكان للدراسة، لكنها باتت "ساحة للنضال، وأصبح شغفي بالعلم نابعًا من داخل الزنزانة كشكل من أشكال المقاومة والوعي".
في ساعات الفجر الأولى، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة الأسيرة الفلسطينية جنين عمر، لتحوّل تلك الليلة إلى مأساة إنسانية تعكس حجم الانتهاكات التي يعيشها الفلسطينيون يوميًا. ويروي والدها محمد عمر كيف بدأت الحادثة في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، عندما هاجمت قوة أمنية إسرائيلية المنزل بشكل وحشي وخلال دقائق معدودة.
"داهموا المنزل بأكمله وسحبوا ابنتي من شعرها وسط سيل من الشتائم والإهانات. لم يكن بين أيدينا وقت حتى لنعطيها حجابها أو أي قطعة ملابس لتستر نفسها"، مضيفًا أن زوجته تمكنت بالكاد من إلقاء الحجاب على ابنته بينما كانت تُسحب خارج الدار إلى مصير مجهول.
تلك اللحظة كانت قاسية للغاية على والدها، الذي شعر بالعجز والغضب. "حجم الألم والانكسار الذي شعرت به كان رهيبًا؛ أن تحمل ابنتك بين يديك ثم تُنتزع منك بهذه الطريقة الوحشية يترك فيك جرحًا نفسيًا لا يمكن وصفه". وأضاف أن هذه التجربة جاءت في ظل حالة التوحش التي شهدها الاحتلال بعد أحداث السابع من أكتوبر، مما زاد من مخاوفه على ابنته.
وعبر والد جنين عن شعور مختلط من الألم والاستسلام للإرادة الإلهية، حيث اختار هو وعائلته مواجهة المأساة بالصبر والصمود. "علّمنا أبناءنا أن فلسطين ليست مجرد أرض، بل درة العالم، ويجب أن يكون ثمنها بحجم قيمتها ونُبل الهدف. هذه الانتصارات الصغيرة التي نحققها بالصمود ليست رخيصة، بل ثمنها عظيم"، مضيفًا أنهم قرروا طي صفحة الشكوى والتوكل على الله منذ اليوم الأول.
ورغم قسوة التجربة، لم يتوقف محمد عمر يومًا عن دعم ابنته معنويًا. "كتبت لها مرارًا: يابا جنين، نحن فخورون جدًا بك، نحن معك، لا يهمك شيء. كنت أعلم أنها تواجه ظروفًا قاسية ومقطوعة عن أهلها، وكنت أرجو أن تصلها هذه الكلمات لتمنحها القوة للاستمرار".
لم يقتصر حديث محمد عمر على تجربة ابنته فقط، بل تناول أيضًا ما يعانيه الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأشاد بصمود أهل غزة رغم التضحيات الكبيرة التي يقدمونها، لكنه أعرب عن أسفه تجاه الوضع في الضفة الغربية، حيث تعيش مناطقها حالة من الانحدار الاجتماعي والسياسي، مما يجعل النضال فيها أكثر تعقيدًا. "رغم كل ما نمر به، فإن القضية الفلسطينية لا تزال عادلة، ومعنا كل أحرار العالم الذين يناصرونها".
محمد عمر شدد على أن جوهر النضال الفلسطيني ليس مرتبطًا فقط بالنتائج، بل بالمواقف والكلمات التي تُبنى عليها الإرادة الحقيقية. "نحن لسنا مطالبين بالانتصار، بل بالعمل واتخاذ موقف يعبر عن إنسانيتنا وعدالة قضيتنا. الإنسان كلمة وموقف، وهذه الأرض المباركة تستحق أن نضحي من أجلها".
آيات محفوظ قضت نصف عمرها بين المستشفيات وسجون الاحتلال، حيث كانت الإصابة التي تعرضت لها بداية لحياة مليئة بالألم والمعاناة، إذ تقول "إن الإصابة تركتها تعاني صحيًا ونفسيًا طوال حياتها، ومع ذلك لم تجد الدعم الكافي لتحسين وضعها الصحي".
ولم تتوقف معاناة آيات عند حدود حالتها الصحية، حيث تعرضت للاعتقال وسط ظروف قاسية زادت من أزمتها. و"في السجن، كانوا يعتقلونني بطريقة وحشية، وكانوا يقمعونني ويضربونني، لم تكن هناك أي رحمة".
وتقول آيات وهي تسترجع تفاصيل القمع الذي تعرضت له إنه حتى الحياة الأساسية داخل السجن كانت قاسية؛ فالطعام كان سيئًا والدواء مجرد اسم، ولم يكن هناك أي علاج حقيقي، ولا يوجد دواء بسيط يمكن أن يخفف وجع الرأس أو الأسنان".
"رسالتي لكل إنسان عنده ضمير حي، أتمنى أن يساعدني في علاج عيوني، وأمنيتي من قلبي أن أتعالج وأكمل تعليمي وأذهب للجامعة، ولدي حلم بزيارة بيت الله الحرام. هذا طموحي، وأنا متأكدة أن عندي إرادة وصبرا رغم كل الألم الذي مررت به".
آيات التي عاشت بين القيد والحرمان تؤكد أنها رغم كل ما مرّت به لا تزال تحمل إرادة وصبرًا يمنحانها القوة للاستمرار، وحلمها بسيط لكنه عظيم: علاج عينيها، واستكمال تعليمها والذهاب إلى الجامعة وزيارة بيت الله الحرام.