"لا يُصدَّق"، كانت هذه هي الكلمة الوحيدة التي نطقت بها مارين لوبان بصوت هامس أثناء خروجها وهي في حالة غضب من قاعة المحكمة في باريس، صباح يوم الاثنين.
غادرت لوبان المحكمة مبكراً، حتى قبل أن تسمع الحكم بمنعها من خوض انتخابات الرئاسية الفرنسية لمدة خمس سنوات، بعد إدانتها باختلاس أموال الاتحاد الأوروبي، ما يعني استبعادها بشكل شبه مؤكد من الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027.
وأدركت رئيسة حزب التجمع الوطني أن آمالها السياسية قد تبددت حتى دون انتظار نطق القاضي بالتفاصيل الكاملة للحكم.
ولن يكون هناك أي تأجيل للحكم في انتظار الاستئناف، فقرار منع لوبان من الترشح للرئاسة دخل حيّز التنفيذ فوراً.
وحُكم على لوبان بالسجن لمدة أربع سنوات - منها سنتان مع وقف التنفيذ - في انتظار الاستئناف، بينما تبددت خططها السياسية.
ويُمكن تبرير صدمة لوبان من الحكم في الوقت الراهن، إذ كان هناك إجماع تقريباً بين أوساط السياسيين في فرنسا، على أن المحكمة لا يُمكن أن تصدر، ولن تصدر حكماً ضدها.
ولم يكن أتباع لوبان وحدهم الذين قالوا ذلك، فقد اتفق أعداؤها على ذلك أيضاً، من جان لوك ميلانشون في أقصى اليسار، إلى رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في الوسط، ووزير العدل جيرالد دارمانان في اليمين.
لكن في النهاية كان الجميع مخطئين، إذ يقول القاضي إن القانون هو القانون.
وقد تم تشديد القانون مؤخراً من قبل السياسيين أنفسهم الذين يشتكون الآن من تطبيقه بهدف تغليظ عقوبة إساءة استخدام الأموال العامة.
قال القاضي بشكل مباشر وواضح: الآن على السياسيين أن يتقبلوا أفعالهم.
ربما كانت مارين لوبان ساذجة حين لم تتوقع هذه النتيجة، ويبدو بالتأكيد كما لو أن حزبها التجمع الوطني، لم يكن مستعداً للحكم على الإطلاق.
لذلك واجه قادة الحزب معضلة أثناء اجتماعهم في جلسة طارئة بعد صدور الحكم، إذ ساد جوٌّ من عدم اليقين حول إمكانية ترشح مارين لوبان عام 2027.
من الناحية النظرية، لا يزال هناك احتمال ضئيل لترشح لوبان باعتبار أنها قدمت استئنافاً، ويُمكن تسريع عملية الاستئناف ليتم نهاية العام الجاري، أو مطلع العام القادم، ليصدر الحكم في الربيع.
ويُمكن أن يؤدي قرار مختلف خلال جلسة الاستئناف إلى تقليل فترة عدم الأهلية أو إلغائها تماماً، وفي هذه الحالة يُمكن للوبان الترشح، لكن يجب الأخذ في الاعتبار بأن فرصها ستكون ضئيلة.
ويتمثل الخيار الآخر المتاح أمام قادة الحزب في إمكانية المضي في الخطة البديلة، وتسمية رئيس الحزب جوردان بارديلا للترشح بدلاً من مارين لوبان.
قد يكون هذا أكثر واقعية في المستقبل، لكن التحول إلى بارديلا بسرعة كبيرة سيكون غير لائق، باعتبار أن ليس كل أعضاء الحزب مؤيدين له.
وبحلول المساء تمّ حسم قرار المحكمة، إذ ظهرت مارين لوبان على شاشة التلفزيون لتقول إنها لا تنوي الانسحاب من المشهد السياسي.
ونددت لوبان بما وصفته "القرار السياسي"، الذي أصدره القاضي، و"انتهاك دولة القانون"، داعية إلى محاكمة استئناف سريعة لتبرئة اسمها أو على الأقل رفع عدم الأهلية قبل تصويت عام 2027.
وقالت لوبان: "هناك الملايين من الفرنسيين الذين يؤمنون بي، منذ 30 عاماً وأنا أناضل ضد الظلم، وهذا ما سأواصل القيام به حتى النهاية".
كانت كلمات حماسية، لكن في الواقع يبدو المستقبل غير واضح، وهناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة.
على سبيل المثال: ما هو تأثير قرار المحكمة على تصويت حزب التجمع الوطني؟
على المدى القريب، يُمكن توقع احتجاجات عارمة وزيادة في شعبية الحزب، باعتبار أن ما حدث يتناسب تماماً مع رواية حزب التجمع الوطني بأن اليمين الشعبوي هو ضحية "النظام".
ولا أحد من الناخبين المحتملين لحزب التجمع الوطني، يُحمّل مارين لوبان المسؤولية عن تمويل حزبها بطريقة غير شرعية باستخدام أموال البرلمان الأوروبي، إذ يرون أن كل الأحزاب السياسية الفرنسية تقريباً، لجأت إلى أساليب ملتوية في الماضي.
وللسبب ذاته، سيتم تفسير العقوبة "القاسية" التي ستواجهها لوبان بمنعها من الترشح للرئاسة، على أنها وسام شرف، ودليل على أنها تقف في وجه السلطة.
ولكن على المدى الطويل، قد لا يكون هذا التأييد للحزب قوياً، إذ إن لوبان تمثل رصيد حزب التجمع الوطني، فهذه المرأة القوية والعاطفية والمحبة للقطط والحازمة والصابرة، تحظى بحبّ أنصارها الذين يشعرون بأنهم يعرفونها شخصياً.
أما جوردان بارديلا فيحظى بشعبية أيضاً، ولكن من الصعب أن نراه وهو في عمر التاسعة والعشرين أن يكون بديلاً لها، لذلك إن كانت لوبان غير قادرة على الترشح عام 2027، فإن حزب التجمع الوطني سيفقد الكثير من شعبيته.
وبالتأكيد، سيترشح العديد من اليمين غير المنتمي للتجمع الوطني، مثل لوران فوكييه، وبرونو ريتايو، وغيرهم ممن سيرون في ترشح بارديلا فرصة كبيرة لأنفسهم، بالإضافة إلى الانتقام.
ومع ذلك، مازالت مارين لوبان تحتفظ بعضويتها في البرلمان حيث تقود كتلة هي الأكبر وتتكون من 125 عضواً. وحتى الآن، مازالت لوبان تحافظ على تعاملها مع رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، الذي يكافح رغم عدم حصوله على الأغلبية.
يمكن أن تكون تلك الأيام قد انتهت، وسيقولون في المقر الرئيسي لحزب التجمع الوطني: لماذا يتعين علينا أن ندعم أي شخص الآن؟