آخر الأخبار

تحقيق لبي بي سي: وثائق مسرّبة تكشف تلوثاً بيئياً "خطيراً" تسببت فيه شركة نفطية كولومبية عملاقة

شارك
مصدر الصورة

كشف تحقيق أجرته بي بي سي الخدمة العالمية أن شركة الطاقة الكولومبية العملاقة "إيكوبترول" تسببت في تلويث مئات المواقع بالنفط، من بينها مصادر مياه ومستنقعات ذات تنوع بيولوجي واسع.

وأظهرت بيانات، سرّبها موظف سابق في الشركة، وجود ما يزيد على 800 حادثة في مواقع شهدت تلوثاً خلال الفترة بين عامي 1989 و2018، فيما لم تقم الشركة بالإبلاغ عن نحو خمس تلك المواقع.

وحصلت بي بي سي على بيانات كشفت أن الشركة استمرت في تسريب النفط مئات المرات منذ ذلك الوقت.

وتقول شركة "إيكوبترول" إنها تلتزم التزاماً كاملاً بالقانون الكولومبي، وتتبنى نهجاً رائداً في الاستدامة.

وتقع المصفاة الرئيسية التابعة للشركة في مدينة بارانكابيرميخا، على مسافة 260 كيلومتراً شمال العاصمة الكولومبية بوغوتا.

مصدر الصورة

ويشغل هذا التجمع الهائل من مصانع المعالجة والمداخن الصناعية وصهاريج التخزين مساحة تصل إلى نحو كيلومترين (1.2 ميل) على ضفاف نهر ماغدالينا، أطول أنهار كولومبيا، الذي يُعد مصدراً مائياً رئيسياً لملايين الأشخاص.

ويعتقد الصيادون في تلك المنطقة أن التلوث الناجم عن النفط يؤثر سلباً على الحياة البرية في النهر.

وتضم المنطقة الأوسع مجموعة من السلاحف النهرية المهددة بالانقراض، وخراف البحر، وقردة العنكبوت، مما يجعلها جزءاً من بقعة غنية بالأنواع الحية في واحدة من أكثر دول العالم تنوعاً بيولوجياً، كما تعد الأراضي الرطبة القريبة موئلاً محمياً للنمور.

وعندما زارت بي بي سي المنطقة في يونيو/حزيران الماضي، كانت العائلات تصطاد في المجاري المائية التي تتقاطع معها أنابيب النفط.

وقال أحد السكان المحليين إن بعض الأسماك التي اصطادوها كانت تنبعث منها رائحة نفط قوية أثناء طهيها.

كما ظهرت على سطح المياه، في بعض المواقع، طبقة لامعة متغيرة الألوان، في دلالة واضحة على التلوث الناتج عن النفط.

مصدر الصورة

أحد الصيادين غاص في المياه وعاد بمجموعة من النباتات، تغطيها طبقة سميكة من الوحل الأسود اللزج، تقول يولي فيلاسكيز، رئيسة اتحاد "فيديبيسان" وهو اتحاد يضم شركات الصيد في المنطقة، عن الطبقة التي تعلو تلك النباتات"هذه كلها دهون ومخلفات مصدرها المباشر هو مصفاة إيكوبترول".

وتنفي شركة "إيكوبترول"، التي تملك الحكومة الكولومبية 88٪ من أسهمها والمُدرجة في بورصة نيويورك، ادعاءات الصيادين بشأن تسببها في تلوث المياه.

وأكدت الشركة، رداً على استفسار من بي بي سي، أنها تعتمد أنظمة فعّالة لمعالجة مياه الصرف، فضلا عن خطط طوارئ محكمة للتصدي لتسرب النفط.

مصدر الصورة

وقال أندريس أولارت، الذي كشف عن مخالفات الشركة وشارك بياناتها، إن التلوث الذي تسببت فيه الشركة يمتد لعدة سنوات.

وكان أولارت قد انضم للعمل في شركة "إيكوبترول" في عام 2017، وبدأ في وظيفة مستشار للمدير التنفيذي، وقال إنه سرعان ما أدرك أن "هناك شيئاً غير صحيح".

وأضاف أنه واجه المديرين بشأن ما وصفه بـ "البيانات المروعة" عن التلوث، لكنهم رفضوا استفساراته وردّوا عليه بعبارات مثل: "لماذا تطرح هذه الأسئلة؟ أنت لا تفهم طبيعة هذا العمل".

ترك أولارت العمل بالشركة في عام 2019، وشارك قدراً كبيراً من بياناتها مع "وكالة التحقيقات البيئية" الأمريكية (EIA) وهي منظمة غير حكومية أمريكية، ثم لاحقاً مع بي بي سي، وتأكدت بي بي سي من أن البيانات مصدرها خوادم شركة "إيكوبترول".

وتتضمن إحدى قواعد البيانات التي كشف عنها، والتي يرجع تاريخها إلى يناير/كانون الثاني 2019، قائمة تضم 839 حالة أُطلق عليها "تأثيرات بيئية غير مُعالجة" في جميع أنحاء كولومبيا.

وتستخدم "إيكوبترول" هذا المصطلح للإشارة إلى مناطق لم يتم تنظيفها بالكامل من النفط في التربة والمياه. وتظهر البيانات أنه، حتى عام 2019، كانت بعض هذه المواقع ملوّثة بهذه الطريقة لما يزيد على عشر سنوات.

ويقول أولارت إن الشركة تعمّدت إخفاء بعض هذه المواقع عن السلطات في كولومبيا، لافتاً إلى أن نحو خُمس السجلات صُنّفت تحت عبارة "معروفة فقط لإيكوبترول".

ويضيف أولارت: "يظهر في ملف الإكسل تصنيف يُبين أي المواقع التي جرى إخفاؤها عن أعين السلطات وأيها بقي معروفاً، مما يعكس نهج إخفاء المعلومات عن الحكومة".

مصدر الصورة

واستطاعت بي بي سي تصوير أحد المواقع المصنّفة على أنها "معروفة فقط لإيكوبترول"، والذي يعود تاريخه في قاعدة البيانات إلى عام 2017، وبعد سبع سنوات، ظهرت مادة سوداء كثيفة ذات مظهر زيتي، محاطة بحواجز بلاستيكية، على أطراف إحدى المناطق الرطبة.

فيما قال فيليب بايون، الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لإيكوبترول خلال الفترة بين أعوام 2017 و2023، لبي بي سي، إنه ينفي بشدة التلميحات التي تشير بأن الشركة تبنت سياسة لحجب معلومات عن التلوث.

وأضاف: "أؤكد لك بكل ثقة أنه لا توجد، ولم تكن هناك في أي وقت مضى، أي سياسة أو توجيهات تقضي بعدم مشاركة هذه المعلومات".

وعزَا بايون العديد من حالات تسرب النفط إلى حدوث أعمال تخريب.

ولدى كولومبيا تاريخ طويل من الصراعات المسلحة، وقد استهدفت الجماعات المسلحة غير القانونية منشآت النفط، بيد أن مصطلحي "السرقة" أو "الهجوم" ذُكرا فقط في 6 في المئة من الحالات المدرجة في قاعدة البيانات.

وقال بايون إنه يرى "تقدماً ملموساً" تحقق في التصدي للمشكلات التي تسهم في تلوث النفط.

وعلى الرغم من ذلك أظهرت مجموعة بيانات منفصلة أن إيكوبترول واصلت تلويث البيئة.

وكشفت أرقام حصلت عليها بي بي سي من الهيئة الوطنية للتراخيص البيئية، الجهة المنظمة للبيئة في كولومبيا، أن إيكوبترول أبلغت عن مئات من حوادث تسرب النفط سنوياً منذ عام 2020.

ورداً على استفسار بشأن قاعدة بيانات المواقع الملوثة لعام 2019، اعترفت إيكوبترول بوجود سجلات لـ 839 حادثاً بيئياً، لكنها نفت أن تكون جميعها مصنفة على أنها مواقع "غير معالجة".

وتقول الشركة إن 95٪ من المواقع الملوثة التي صُنفت على أنها مواقع غير معالجة منذ عام 2018 جرى تنظيفها الآن.

وتضيف أن جميع حوادث التلوث تخضع لإجراءات إدارية ويجري إبلاغ الجهة التنظيمية بها.

وتشير بيانات الجهة التنظيمية إلى وقوع المئات من حوادث تسرب النفط في منطقة بارانكابيرميخا. وفي تلك المنطقة تعيش فيلاسكيز والصيادون.

دأبت فيلاسكيز، التي تعمل في صيد الأسماك، وزملاؤها على مراقبة التنوع البيولوجي في الأراضي الرطبة بالمنطقة، التي تصب في نهر ماغدالينا.

ووصفت، في يونيو/حزيران الماضي، ما حدث بأنه "مجزرة" للحياة البرية، وأضافت: "عثرنا خلال العام الجاري على ثلاثة خراف بحر وخمسة جواميس نافقة، كما عثرنا على ما يزيد على عشرة من تماسيح، إضافة إلى سلاحف وخنازير الماء وطيور وآلاف الأسماك نافقة جميعها".

ولم يتضح بعد السبب الدقيق وراء نفوق هذه الكائنات، بيد أن ظاهرة النينيو المناخية والتغير المناخي قد يكونان من بين العوامل المؤثرة.

وأدرجت دراسة أجرتها جامعة نوتنغهام عام 2022 التلوث الناجم عن إنتاج النفط ومصادر صناعية ومنزلية أخرى، كأحد العوامل العديدة التي تسهم في تدهور حوض نهر ماغدالينا، إلى جانب التغير المناخي.

وترك أولارت عمله في شركة إيكوبترول عام 2019، وانتقل إلى منزل عائلته القريب من بارانكابيرميخا، ويقول إنه التقى بصديق قديم سأله عن فرص عمل، وتلقى بعد ذلك بوقت قصير اتصالا هاتفيا من مجهول يهدده بالقتل.

وقال: "فهمت خلال المكالمة أنهم ظنوا أنني تقدمت بشكاوى ضد شركة إيكوبترول، وهو أمر غير صحيح".

وأضاف أولارت أن التهديدات استمرت، من بينها رسالة أطلعت عليها بي بي سي، وقال إنه لا يعلم مصدر هذه التهديدات، كما لا يوجد أي دليل على أن شركة إيكوبترول قد أمرت بها.

كما قالت فيلاسكيز، إلى جانب سبعة أشخاص آخرين، لبي بي سي إنهم تلقوا تهديدات بالقتل بعد تحديهم شركة إيكوبترول.

وأضافت أن مجموعة مسلحة أطلقت أعيرة نارية تحذيرية باتجاه منزلها، كما كُتبت كلمة "ارحل" على الجدار باستخدام الطلاء.

وعلى الرغم من أن السيدة تحظى حالياً بحماية حارسين شخصيين مسلحين، تتكفل الحكومة برواتبهما، إلا أن التهديدات لم تتوقف.

ورداً على سؤال بشأن التهديدات التي وصفها أولارت، قال الرئيس التنفيذي السابق، بايون، إنها "غير مقبولة على الإطلاق".

وأضاف بايون: "أود أن أؤكد بكل وضوح... أنه لم يصدر في أي وقت من الأوقات، أي أمر من هذا القبيل".

وتدرك فيلاسكيز وأولارت أن المخاطر حقيقية، فكولومبيا تعد أخطر دولة في العالم بالنسبة للمدافعين عن البيئة، وفق منظمة "غلوبال ويتنس" غير الحكومية، إذ شهدت مقتل 79 شخصاً خلال عام 2023.

ويقول الخبراء إن عمليات القتل هذه مرتبطة بالصراع المسلح الذي تشهده كولومبيا منذ عقود، إذ خاضت القوات الحكومية والجماعات شبه العسكرية المتحالفة معها معارك ضد الجماعات المتمردة اليسارية.

وعلى الرغم من جهود الحكومة لإنهاء النزاع، لا تزال الجماعات المسلحة وعصابات المخدرات تواصل نشاطها في بعض المناطق في البلاد.

ويرى ماثيو سميث، محلل النفط والصحفي في الشؤون المالية والمقيم في كولومبيا، أنه لا يعتقد أن المدراء في شركة إيكوبترول متورطون في التهديدات التي تصدر من جانب الجماعات المسلحة.

بيد أنه يلفت إلى وجود "تداخل كبير" بين الجماعات شبه العسكرية السابقة وقطاع الأمن الخاص.

ويقول إن شركات الأمن الخاصة كثيراً ما تستعين بأفراد سابقين من الجماعات شبه العسكرية، وتتنافس الشركات على إبرام عقود مربحة لتوفير الحماية لمنشآت النفط.

وكشف أولارت عن رسائل بريد إلكتروني داخلية من شركة إيكوبترول، توضح أن الشركة دفعت في عام 2018 نحو 65 مليون دولار لما يزيد على 2800 شركة أمن خاصة.

ويقول سميث: " هناك مخاطر دوماً في انتقال النفوذ بين شركات الأمن الخاصة، والأشخاص الذين توظفهم، ورغبتها المستمرة في الحفاظ على عقودها".

ويضيف أن ذلك قد يصل إلى حد اختطاف أو قتل قادة المجتمع أو المدافعين عن البيئة بهدف "ضمان استمرار عمليات إيكوبترول دون عوائق".

وقال بايون إنه "مقتنع بأن عمليات الفحص والتحقق اللازمة قد أُجريت" فيما يخص علاقات الشركة مع شركات الأمن الخاصة.

وتؤكد شركة إيكوبترول أنها لم تكن لها أي علاقات مع جماعات مسلحة غير شرعية، مؤكدة أنها تتبع إجراءات تدقيق صارمة، وتُجري بانتظام مراجعات دقيقة لمدى تأثير أنشطتها على حقوق الإنسان.

وتواصلت بي بي سي مع أعضاء آخرين من قيادة إيكوبترول السابقة خلال فترة عمل أولارت، ونفوا بشكل قاطع الادعاءات الواردة في متن هذا التقرير.

ويعيش أولارت حاليا في ألمانيا، وقدم شكاوى بشأن السجل البيئي لإيكوبترول إلى السلطات الكولومبية وإلى الشركة نفسها، ولكن دون التوصل لنتائج حتى الآن.

كما أنه شارك في سلسلة دعاوى قضائية مرفوعة على إيكوبترول وإدارتها، ذات صلة بفترة عمله السابق لديها، وهي قضايا لم يُبتّ فيها بعد.

ويقول: "فعلت ذلك دفاعاً عن بيتي وأرضي ومنطقتي وشعبي".

فيما أكد بايون على الدور الاقتصادي والاجتماعي البارز الذي تنهض به شركة إيكوبترول في كولومبيا.

وقال: "توجد 1.5 مليون أسرة تفتقر إلى مصادر الطاقة أو تعتمد على الطهي بالحطب والفحم. أرى أنه ينبغي لنا مواصلة الاعتماد على الإنتاج النظيف للنفط والغاز وسائر مصادر الطاقة، لضمان الانتقال السلس دون القضاء على الصناعة المهمة بالنسبة للكولومبيين".

ولا تزال فيلاسكيز عازمة على مواصلة التعبير عن رأيها رغم التهديدات.

وقالت: "إذا لم نخرج للصيد، فلن نأكل. وإذا تكلمنا وقدمنا شكاوى، نُقتل... وإذا لم نُبلغ، نقتل أنفسنا، لأن كل هذا التلوث الشديد يدمر البيئة حولنا".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا