بعد أحداث عنيفة شهدتها مدن الساحل السوري على مدار أيام، أدت لمقتل وفرار الآلاف، روى لي بعض سكان الساحل السوري قصصهم التي من خلالها تبدو الصورة هكذا: المشهدُ ضبابي والمستقبلُ ملفوف بعدم اليقين.
** تنويه: حرصاً على سلامة من شاركونا بشهاداتهم، استخدمتُ في هذا التقرير أسماءً مستعارة.
ياسر، من أحد أحياء مدينة بانياس الساحلية: "ليل الخميس، كان كل شيء مرعباً. أصوات انفجارات كافية بأن تبيد مدينة بأكملها. لم ننم.. استيقظنا في اليوم التالي على أخبار حملات تفتيش لضبط الوضع وملاحقة ما يسمى بالفلول. بدأت حملات التفتيش على أنها تفتيش، لكنّها تحولت إلى حملات قتل عشوائي وسرقة".
"شهدنا انتشار فِرَق على هيئة عناصر الأمن العام، وكان القتل أول يوم عشوائياً. وتعرضت كافة المناطق للسرقة على مدار اليوم الأول. واشتعلت النار بكل أماكن المدينة: مطاعم ومحلات الألبسة والصيدليات والمقاهي والدكاكين. كله حدث ورأيته بأم عيني".
يكمل: "لم ننم كل الليل.. وقلنا أن اليوم التالي سيكون أرحم. ثاني يوم بدأ الذبح الكلي، إبادات على أساس الهُوية: إبادات عرقية. استمر الضرب لما يقارب ثماني ساعات بشكل كثيف في كل المناطق. حتى وصل الأمن العام للمنطقة، وهربوا".
"تأسست منطقة آمنة وحاولوا إيواء الناس التي بقيت حتى ذلك الوقت. هربت الفصائل باتجاه القرى، واستمرت المذابح على مدار يومين. قصف بأسلحة وعتاد ثقيل، إشعال النيران، كانت الناس تهرب على الوديان وتتم ملاحقتها".
أما في القرى، يقول إنه لم تكن هناك تغطية كافية لأخبار الناس، فيقال إن المنطقة كانت آمنة. "بس ما عم نقدر ننام ثانية لأننا بحالة رعب مستمر".
لم يستطع ياسر إكمال القصة، فقال إنه غير قادر على رواية الجانب المتعلّق به وبعائلته. واكتفى برسالة كتابية: "طرف قصتي ما قادر شاركه من ثقل قلبي حالياً".
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجمعة، إن أحياء فقيرة ذات غالبية من الطائفة العلوية في دمشق شهدت تصاعداً في حملات التحريض والكراهية ضدها عبر الإنترنت.
وذكر المرصد أن أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل في غربي سوريا بدءاً من السادس من مارس/ آذار، خلفت 1383 قتيلاً مدنياً على الأقل، غالبيتهم العظمى من العلويين.
الرئاسة السورية الجديدة أدانت أحداث العنف في الساحل، وأعلنت تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق، تضم سبعة أعضاء، للتحقق من ملابسات الأحداث وتحديد المسؤولين عنها. أكد رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، على "أهمية الشفافية وتعاون الجهات الرسمية مع اللجنة"، التي ستقدم تقريرها النهائي خلال 30 يوماً.
قال علي إنه يقيم في قرية مجاورة لقرية بارمايا، لديه أقارب ومعارف في بانياس وبارمايا والقرى المجاورة. هذا ما رواه علي لبي بي سي عن الأحداث، فيقول: "نشبت مقاومة، في قريتي، وتمكنت من التصدي لـ"قوات الأمن"، التي كانت تأخذ الشباب قسراً من قراهم، ما أدى إلى تحرك القرى المجاورة لنجدة أهل بلدة الدالية".
يضيف علي "أقدم بعض السكان، الذين كانوا قد أخفوا أسلحتهم، على حملها والانضمام لـ"المقاومة"، حيث شنت مجموعات مسلحة من بارمايا هجوماً على بانياس، بينما هاجمت مجموعات أخرى من قرى جبلة مناطقها، بهدف السيطرة على مواقع إطلاق المدفعية، وهو ما تحقق في نهاية المطاف بمساعدة المقاومة العلوية، التي أعلنت عدم تبعيتها للنظام أو لأي من رموزه".
"لكن سرعان ما تحول المشهد إلى كارثة، مع إعلان الفصائل المسلحة التابعة للحكومة التعبئة العامة والتوجه إلى الساحل بدعوى تطهيره"، يسرد متحدثاً.
ويروي علي، أن مساء الخميس، 6 مارس/آذار، بدأت هذه الفصائل بالتقدم، وسط وعود ما سمّاها "للمقاومة العلوية" من قاعدة حميميم الروسية بالدعم في حال تعرضهم للهجوم، وصدّق الأهالي هذه الوعود بعد تدخل الطيران الروسي لإيقاف القصف السوري. "مع تصاعد المواجهات، حاولت "المقاومة العلوية" أسر مقاتلي الجولاني دون إيذاء من لم يقاوم"، كما يقول علي.
وبحلول صباح الجمعة، 7 مارس/آذار، باتت مناطق واسعة من جبلة وبانياس وأجزاء من اللاذقية تحت سيطرة "المقاومة العلوية"، وفق قوله.
من جهتها، تقول المصادر الرسمية في الحكومة الجديدة إن الأحداث في الساحل السوري بدأت في 6 مارس/آذار، "عقب هجوم شنّته "فلول" نظام الأسد و"ميليشيات مرتبطة به" ضد قوات الأمن السورية، ما أسفر عن مقتل نحو 250 عنصراً".
في محاولة لوقف إطلاق النار، بدأ التواصل بين "المقاومة العلوية" والمجموعات الأُخرى في بانياس، لكن سرعان ما اتضح أن المفاوضات كانت مجرد حيلة لكسب الوقت حتى تصل التعزيزات المسلحة، يكمل قائلاً: "مع اقتراب الأرتال الضخمة، انسحبت "المقاومة العلوية" من بانياس إلى بارمايا".
"في اليوم ذاته، بدأت تصل أخبار المجازر، حيث قُتل المئات من المدنيين العزل في أحياء القصور والمروج في بانياس، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، في مجازر تم توثيقها عبر مقاطع مصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي"، كما حدثني.
يضيف علي بالقول: "في 8 مارس/آذار، شهدت بارمايا قصفاً عنيفاً، ما دفع معظم سكانها إلى الفرار نحو الوديان المحيطة، فيما قُتل العشرات ودُفن ما بين 200 إلى 300 ضحية في مقبرة جماعية، بعد أن صودرت هواتف من شاركوا في عملية الدفن لمنع التوثيق". ويشير إلى أنه و"على مدار يومين، استمرت عمليات الحرق والتفجير في القرية، بينما ظل الناجون في ترقب مستمر لدورهم".
"في 9 مارس/آذار، أطلقت الفصائل المسلحة التابعة للأمن العام صواريخ من بارمايا، استهدفت قريتي الحطانية وتعنيتا، ما دفع الأخيرة للاستسلام وتسليم أسلحتهم مقابل وقف القصف"، بحسب وصف علي لما حدث خلال هذه الأيام.
وكانت وزارة الدفاع السورية أعلنت يومها عن بدء "المرحلة الثانية" من العمليات العسكرية في الساحل السوري، بهدف ملاحقة "فلول وضباط النظام البائد" في الأرياف والجبال بمدن الساحل السوري.
وفي ذات اليوم، أُعلن عن اكتشاف مقبرة جماعية قرب مدينة القرداحة في محافظة اللاذقية، تضم عدداً من عناصر قوات الأمن العام والشرطة الذين قُتلوا على يد "فلول" النظام السابق، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
يقول لي عصام: "خسرت أحد اصدقائي من الطائفة السُّنيّة أثناء محاولته أن يكون معي ليساعدني خلال الأحداث. ولو كانت حرب كاملة عالعلوية، فراح ضحيتها كتير. لكنها حرب ع شعب كامل. نظرتي عن البلاد لن تتغير، سواء تحت أي حكم كانت، فهي دائماً للأسوأ. شعب يرى الدم، ندور في حلقة عنف لا تُكسر وحلقة انتقام لا تنتهي".
يكمل قائلاً: "راح ضحية هذه الأحداث من الجميع، العلوية والسُّنة والمسيحيين والأكراد. كل من يشارك في خراب البلد هو من كل الطوائف والأديان، والضحية أيضاً: كل السوريين من مختلف الطوائف والأديان. إنما البلد قنبلة موقوتة دون عداد واضح".
سليم، من ريف القرداحة، يقول إن الاستهداف كان على مناطق وجود أمن الدولة "حتى تصير الفتنة".
يروي قائلاً: "اتهمونا إنه نحنا فلول نظام رغم أنني طالب جامعي وتخرجي كان من المفترض أن يكون هذا الفصل".
ويكمل: "تم إرسال أرتال عسكرية إلى القرداحة وأول القرى اللي صار فيها مجازر هي قريتنا هناك. كنا نعتقد أن أرتال الدولة أتت لكي تحفظ الأمن، لكن عندما دخلت إلى القرية وبدأنا نسمع عن القتل، هربنا من البيت باتجاه مطار حميميم مكان تواجد القوات الروسية".
"بعد انتظار حوالي خمس ساعات، سمحوا للنساء وكبار السن بالدخول أما نحنا الشباب هربنا بالبساتين وبالجبال". يتابع: "بعد غياب الشمس ونحن نيام في البساتين لوحقنا بالمسيّرات وأطلقت علينا النار" يقول سليم.
"الحمدلله قدرنا نهرب ونمشي 25 كيلومتراً في الجبال، وحالياً نعيش في الغابات بلا أكل وبلا مقومات الحياة. لحد الآن بعد مرور أسبوع بلا أكل، إن لم نعد لبيوتنا، سوف نموت في الغابات. لولا النبع لكنا متنا من العطش.. الدولة ما عاد نوثق فيها".
تالا، من إحدى قرى (ضيع) اللاذقية، بدأت رسالتها لي بالكلمات أعلاه.
"نحن كأغلبية الطائفة العلوية و كعموم الشعب فرحنا بسقوط النظام لأسباب كثيرة، بعد السقوط عدنا إلى عملنا ولحياتنا الطبيعية مستبشرين خيراً، متناسين ماضي الجولاني، متقبلين حلته الجديدة كأحمد الشرع. رحبنا بهذا التحرير ومضينا قدماً في أعمالنا ولم نخف منهم ولم يسيئوا لأحد".
تُضيف: "زحفت الفصائل كما يسمون أنفسهم الحمزات والعمشات من المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام السابق، وبالتأكيد لا يمتون للإنسانية بصلة. تم هجومهم البربري على قرى الساحل وخاصة العلوية منها".
تقول تالا إن "الفصائل قامت بقتل شباب "في عملية تطهير عرقي"، ومنهم لم يكتف بذلك بل قتل النساء والأطفال وحرقوا المنازل ومنهم من وثق جريمته بعدسته ونشرها".
سمعت تالا وعائلتها الخطابات الطائفية على منابر بعض الجوامع "للتحريض على قتل النصيرية" وقاموا بنشرها.
وفي القرية التي تنحدر منها تالا، وصلت الفصائل يوم الأحد 9 مارس/ آذار، الساعة السادسة مساءً، قبل موعد الإفطار بنصف ساعة، بحسب روايتها.
"بدون سابق إنذار وبدون سماع أصوات رصاص منذ الصباح شاهد الجيران سياراتهم على مفرق القرية من على الشرفات فهبوا لإبلاغ من قدروا على تحذيره..هنا هربنا مع أطفالنا و كبارنا إلى الأراضي القريبة، مؤمنين بقضاء الله سائلينه الرحمة، وناشدنا أصدقاءنا عبر صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي بالنجدة".
"سألوا جارنا عن طائفته فأجابهم بأنه علوي فقاموا بإطلاق الرصاص عليه".
"قاموا أهل القرية بالاتصال بالأمن العام والحمدلله وصل الأمن العام قبل إبادة القرية، وهربت تلك الفصائل".
فرح تقول لي، بعد يومين من الضرب والقصف والصواريخ، يوم الجمعة 7 مارس/ آذار، "بدأت المجازر في بانياس، حي القصور. طلعت فصائل ما خلوا لا بشر ولا حجر. كل حدا من الطائفة العلوية فوراً يقوّصوه ويذبحوه".
تتنهد فرح وتسرد: "نحن أيَّدنا ووقفنا جنب الحكومة الجديدة وعلى أساس رح نعمر البلد ونكون إيد وحدة، بس للأسف المجازر يلي صارت بحقنا وبحق الطوائف الأخرى كفيلة نعرف لوين رايحين ومع مين عايشين".
وتظهر خوفها من "مجازر تطهير عرقي واضحة وصريحة" إن لم توقف حلقة القتل، وتنهي رسالتها بما يلي:
يروي كريم أنه قبل بضعة أيام من الأحداث الأخيرة، لاحظ سكان على الجدران في حي القصور والمروج في محافظة اللاذقية تهديدات مكتوبة بالبخاخ، "كانت بمعنى أنه الانتقام قادم يا علويين".
"كنا خايفين كتير لأنه كنا مفكرين أنه الأمور صارت سليمة والأسوأ مرق وراح وما كنا مؤيدين للشي اللي عملوا المجلس العام لتحرير سوريا كان بدنا السلام فقط".
"ظل الاشتباك طول الليل وعم نشوف عالسوشيال ميديا إنو جايين "مؤيدين للأمن العام" يعملوا مؤازرة من إدلب وحماة وغيرها ضد حركة الساحل. ومنزلين فيديوهات وصور للرتل تبعن".
"دخل أحدهم بيت جارنا (جارنا علوي وزوجته سنية)، سأله المسلح مين لسا عندك بالبيت؟ قال له زوجتي بالغرفة بس، قال له خليها تطلع، فصار يترجاه أنه يتركها، لكن هدده بالسلاح. فوراً طلعت زوجته وقالت له: "الله يخليك، أنا من حلب"، فرد المسلح "أنتِ سنية؟" وقال لزوجها: "كرمالها رح أتركك و إجى بعدها على بيتنا، بدون ما يفتش بيت جارنا ولا فتح خزانة ولا اتطّلع ورا الباب حتى".
"سألنا المسلح عن كنيتي، فقلتها له، فرد: "أيوا، علوية؟" قلت له: "نعم"، ورفع السلاح في وجه أهلي، وقال لهم أن يعطوه ما لديهم من ذهب ومال، أهلي قالوا له الله يخليك ما معنا. قال رح عد للـ3 ورح قوّص وبلّش يعد. أعطتهم والدتي خاتمها الذهب".
يقول مُتعباً: "بعد شي ربع ساعة بيرجع يندق الباب، فتحنا طلع الأمن العام - رجال ملثمين منهم - وقلت لهم ما حدث مستغرباً "معقول هيك؟"، فأجابوني: "كيف بدنا نلحق عليهن شو نحنا 5000 واحد؟ "، وكانت نظرات الخيبة في عيونهم، وقالوا لنا: "ما تواخذونا.. آسفين. وراحوا".
قال لي كريم إنه وبالرغم من أن الموضوع ربما "استُهلك"، إلا أنه يشعر بمسؤولية الحديث عنه مجدداً في ظل الأحداث الأخيرة: "نحنا بالساحل عانينا الأمرّين، بسبب طائفتنا، وكونها محسوبة على النظام السابق، ومن جهة أخرى، من إهمال النظام السابق للوضع بسوريا وأنانيته بالنسبة لرفض المصالحات الدولية اللي كانت ممكن تسبب تحسن في حياتنا، وأعوان النظام السابق، الذين بقوا في البلد وكانوا جزء من سبب البلاء الذي حدث خلال الأيام القليلة الماضية".
في التاسع من مارس آذار، أصدر رئيس الفترة الانتقالية أحمد الشرع قراراً بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي.
وكلّف أعضاء اللجنة بالتواصل مع الأهالي في الساحل السوري للاستماع إليهم، وتقديم الدعم اللازم لهم بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم و العمل على تعزيز الوحدة الوطنية. كما ورد في البيان الرسمي.
تروي لنا ليلى قصة أم زوجها التي قتل زوجها وأولادها أمامها في جبلة في اللاذقية.
"فتح عمي (أبو زوجي) الباب وقلهن أهلاً بالشباب.. نحنا معكن وبدنا يرجع الاستقرار لجبلة".
سألوه: "شو اسمك؟"
***
"شو بتشتغلوا؟"
***
"أنتو من جبلة هون؟"
"أي"
"يعني أنتو سُنّة"
"لا، علوية"
"كانت بنتي بحضني عم تبكي بقرب مسلح تاني عليها وبقلها لا تبكي عمو"
"قالوا الشباب والعم يلا لبرا وأنتو ظلو جوا"
"تعلقت بنتي بأبوها وصارت تبكي، وتقله: بابا لا تروح"
تكمل بأن المسلحين قتلوه بالرصاص في الصدر أمام منزله مع أبيه وأخيه – أمام أمه وزوجته وابنته.
"مسكت إيده وهو عم يقول آخ، قلتله حبيبي لا تغمض، رح أطلع دور على سيارة تسعفك.. لا تغمض عيونك يا حبيبي برجع على (المسلح) يلي قتلو وبقلي اخرسي وفوتي لجوا أحسن ما اطخك وأهجم على البيت مرة ثانية".
"قتلوا الثلاثة. ثلاث أبرياء ما أذوا نملة ".
يرى أسعد، من بانياس أنه "حتى لو تم طرد جميع الفصائل المسلحة من الساحل، فإن بقاء قوات الأمن العام الملثمة تهديد كبير وواضح".
"لا أحد من العلويين يشعر بالأمان بوجود أجهزة الأمن بهذا الشكل، ربما يوجد بعض الناس الذين اقتنعوا بتمثيلياتهم أنهم يقومون بحمايتهم، ولكن أغلب العلويين لا يشعرون بالأمان تجاههم. كلنا نطالب بالحماية الدولية".
وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، عبر حسابه على منصة إكس قال إن بلاده واجهت منذ اليوم الأول لتغيير النظام الحاكم فيها "حرباً خفية ومعلنة تهدف إلى كسر إرادة الشعب السوري، سواء عبر محاولات بث الفوضى داخلياً أو عرقلة المسار السياسي دولياً"، على حد وصفه.
وأضاف الشيباني، أن "الدولة السورية استطاعت مراراً كسر هذه المحاولات، واستعادة مكانتها في المنطقة والعالم، بفضل وعي الشعب السوري وتكاتفه لحماية مصالحه الوطنية، وخاصة في المناطق التي كانت موضع رهان خارجي"، على حد تعبيره.
"ربما كانت أعمال الشغب التي تلت هجوم عناصر من الأمن على البلدات والقرى، احتجاجاً على إقصاء طائفي واضح لأقلية ليست تابعة لنظام، طائفة أقصى مناها أن تعيش، بكل بساطة"، وفق ما يقوله شادي وهو شاب من جبلة في اللاذقية.
"نحنا بعد ما هربنا، انسرق بيتي وبيت أخي وتم التهجم على الجيران اللي ما قدروا يهربوا. ما حصل أي جريمة قتل، لكن كلها شتائم وضرب وسرقة، تحت توصيف طائفي بحت".
"بكل تفاصيل الفقر التي عاشت فيه أغلب مناطق الساحل، كانت الناس راضية من القلة. على مدى 14 سنة حرب، كان الساحل على مسمى معقل النظام، رغم ذلك ما صار فيه أي حالات تحت مسمى طائفي. هلا بعد ما تغير السلطة الحاكمة..فجأة صارت تطلع حالات، تحت مسمى فردية، وهدفها واضح وصريح".
يقول العسكري السابق: "رُميت جثة على مسافة 150 متراً من بيتي، أخوتي البنات يخفن حتى الآن الخروج من المنزل".
يستذكر شادي قائلاً: "وقت سقط النظام، هربت من الشام على جبلة على بيتي. 17 حاجزاً على الطريق سألوني إذا علوي أو لا. بصراحة كل الطريق كنت أكذب. أقول أني من ريف حماة، خوفاً من القتل. كنت وقتها ماشي على الطريق لمدة أكثر من 11 ساعة متواصلة وجثث يمين ويسار الطريق. أكثر من 21 جثة بتذكرها تماماَ بكل تفاصيل.. حتى أحد الأشخاص الي كان مع الهيئة أجبرني شيل جثة ميتة من مقعد سيارة، قال لي: "تعال شيل جثة العسكري الكلب.. وأنا شلتها وزتيتها على الأرض ومشيت هربت منه".
"الثورة فشلت عند أول شخص انقتل. وأول سلاح انرفع من الثوار. الثورة بعد أيامها الشرعية، صارت بيئة حاضنة لتنظيمات إرهابية عم تنفذ مخططاتها وأعمالها، تحت مسمى محاربة نظام الأسد".
وقال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إن عمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس المخلوع بشار الأسد تشكل تهديداً لجهوده للم شمل البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا "أقرب الناس" إليه، وفق حديثه لوكالة رويترز.
وقال الشرع "نحن أكدنا أن سوريا دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع".
وأعلنت وزارة الدفاع السورية، في العاشر من مارس آذار، انتهاء العملية العسكرية في الساحل السوري، مؤكدة على لسان العقيد حسن عبد الغني، المتحدث باسم الوزارة، أن الموسسات العامة باتت قادرة على بدء استئناف عملها وتقديم الخدمات الأساسية، تمهيداً لعودة الحياة إلى طبيعتها.
وفي محافظة دير الزور، أعلنت إدارة الأمن العام إلقاء القبض على أربعة ممّن وصفتهم بـ "قادة المجموعات التابعين لفلول النظام البائد"، بحسب الوكالة السورية.
وسط هذا المشهد المليء بالفوضى والدماء، يبقى المستقبل السوري مُبهماً.
فيحمل المدنيون في قلوبهم أوجاع الماضي وهواجس الغد. وبينما يستمر النزاع، تظل الحقيقة الخاسر الأكبر، ضائعة بين ركام المدن وأصوات الانفجارات.
فهل ما زال هناك مكان للسلام في وطن مزقته الحرب وأثقلته الانقسامات؟