آخر الأخبار

الذكاء الاصطناعي: ما الذي تسعى الإمارات إلى تحقيقه في هذا المجال؟

شارك
مصدر الصورة

تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى أن تصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، إذ خصصت مليارات الدولارات لتمويل أبحاثه وإنشاء بنية تحتية متطورة تمكن الدولة الخليجية من استخدام هذه التكنولوجيا في شتى المجالات. ومن أحدث الخطوات التي اتخذتها الإمارات في هذا الشأن الإعلان قبل أيام عن استثمار ما بين 30 إلى 50 مليار يورو لإنشاء أضخم مركز بيانات ذكاء اصطناعي في أوروبا، والذي سيكون مقره في فرنسا.

بدأ اهتمام الإمارات بتلك التقنيات قبل تفجر ما يوصف بـ"ثورة" الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام القليلة الماضية، إذ أطلقت استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي في عام 2017، معلنة أن هدفها هو أن تصبح في مصاف دول العالم الرائدة في هذه التكنولوجيا بحلول عام 2031، واجتذبت منذ ذلك التاريخ العديد من الاستثمارات والمواهب الأجنبية وأبرمت شراكات واتفاقات مع كبرى شركات التكنولوجيا مثل مايكروسوفت.

فما الذي تسعى الإمارات إلى تحقيقه في هذا المجال؟ وهل الدافع من وراء خططها للذكاء الاصطناعي اقتصادي صرف، أم أن طموح البلاد يتخطى العائد المادي إلى أبعد من ذلك؟ وما التحديات التي قد تواجهها؟


* دولة الإمارات: من صيد اللؤلؤ إلى قوة إقليمية

"أهداف اقتصادية طموحة"

لطالما سعت الإمارات إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط والغاز من خلال تطوير صناعات أخرى، وقد أصبح الذكاء الصناعي أحد الأدوات المهمة في تلك العملية. وتهدف استثمارات البلاد في هذه التكنولوجيا إلى تعزيز الكفاءة والإنتاجية في قطاعات تشكل أولوية وفق استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي 2031 في المرحلة الحالية، ألا وهي الموارد والطاقة، والخدمات اللوجستية والنقل، والسياحة والضيافة، والأمن الإلكتروني، والرعاية الصحية.

وفي عام 2018، أسست الإمارات شركة "جي 42" التي يترأسها الشيخ طحنون بن زايد، نائب حاكم إمارة دبي ومستشار الأمن الوطني للبلاد. تختص الشركة في تطوير بنية تحتية للذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة والحوسبة السحابية، وتقدم خدمات في تلك المجالات للقطاعين العام والخاص. وتمتلك شركة "مبادلة" للاستثمار السيادي حصة في G42.

وأسست إمارة أبو ظبي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عام 2019، ثم معهد الابتكار التكنولوجي عام 2020، الذي أطلق نموذج المعالجة الطبيعية للغة العربية "نور" في عام 2022، والنموذج اللغوي الكبير "فالكون" عام 2023. يشار إلى أن "النموذج اللغوي الكبير" هو نوع متقدم من تقنية الذكاء الاصطناعي مصمم لفهم وتوليد نصوص تشبه النصوص البشرية، كمثل الذي يستخدمه روبوت الدردشة الشهير "تشات جي بي تي".


* من سينتصر في الخلاف بين السعودية والإمارات؟

وفي عام 2022، أعلنت الإمارات إطلاق استراتيجيتها الوطنية للاقتصاد الرقمي التي تهدف إلى مضاعفة إسهام الاقتصاد الرقمي في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ليصل إلى 20 في المئة بحلول عام 2031. وأنشأت البلاد مجلسا للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية يترأسه عمر بن سلطان العلماء الذي يشغل أيضا منصب وزير الدولة للذكاء الاصطناعي منذ عام 2017.

وقبل نحو عام، أعلن "مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة" الإماراتي عن تأسيس شركة "إم جي إكس" للاستثمار التكنولوجي، مضيفا أن "مبادلة" و"جي 42" شريكان مؤسسان لها، وأن الاستراتيجية الاستثمارية لـ "إم جي إكس" ستركز على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات والتقنيات الأساسية للذكاء الاصطناعي، بما فيها نماذج الذكاء الاصطناعي والبرمجيات والبيانات وعلوم الحياة والروبوتات.

وأعلنت شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مايكروسوفت في أبريل/نيسان 2024 عن "استثمار استراتيجي" قدره 1.5 مليار دولار في شركة "جي 42"، وهي خطوة يتوقع أن تعزز موقع الإمارات كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي. كما أبرمت "جي 42" شراكات مع شركات تكنولوجية كبرى أخرى مثل "أوبن أيه آي" و"ديل" و"آي بي إم" وأوراكل، وشركة أسترازينيكا لتصنيع الدواء، وشركة "إيلومينا" الرائدة في أبحاث الجينات .

يقول سام وينتر-ليفي زميل برنامج التكنولوجيا والشؤون الدولية بمعهد كارنيغي للسلام الدولي إن "التزام الإمارات بالذكاء الاصطناعي يمثل أولوية وطنية حقيقية تحظى بتأييد واسع من قبل القيادة ولها أهداف اقتصادية طموحة".

مصدر الصورة

تطلعات تتجاوز الاقتصاد

لا تخفي البلاد رغبتها في أن تصبح قوة إقليمية ذات ثقل سياسي وعسكري واقتصادي، رغم صغر عدد سكانها الذي يبلغ حوالي 9.5 مليون نسمة، غالبيتهم من الأجانب. وكان للطفرة التنموية والعمرانية وتركيزها على تنويع اقتصادها واستخدام التقنيات المتقدمة دور كبير في تعزيز مكانتها الإقليمية.

يقول وينتر-ليفي إن الأهداف التي ترغب البلاد في تحقيقيها من خلال خطتها لأن تصبح لاعبا رئيسيا في مجال الذكاء الاصطناعي بالتأكيد تشمل البعد الاقتصادي، إذ إن الذكاء الاصطناعي أحد وسائل تنويع اقتصادها وإبعاده عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. "لكن الطموح يتخطى الاقتصاد. فالعديد من قادة الإمارات يؤمنون بقوة الذكاء العام الاصطناعي، وهو سيناريو يفترض أن الذكاء الاصطناعي سيعادل أو يفوق مستوى الذكاء البشري في كافة المجالات أو غالبيتها، ويرغبون في أن يكونوا لاعبا أساسيا في هذه الثورة...وهذا جزئيا لأسباب اقتصادية، لكنه أيضا مسألة هيبة وطنية. فهم يرغبون في أن ينظر إليهم على أنهم دولة متقدمة تلعب دورا رائدا في تطوير تكنولوجيا حديثة سيكون لها تبعات عالمية مهمة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي والأمن القومي".

وتستخدم الإمارات كذلك التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، افتتح مجلس توازن الإماراتي وشركة "إل 3 هاريس" الأمريكية لأنظمة الدفاع مركز "باز"( BAZ) المتخصص في بناء قدرات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي لصالح القوات المسلحة الإماراتية، في عام 2023. وذكر موقع "توازن" إن المركز، الذي يعرف أيضا باسم "مركز البيانات الذكية"، سيعمل على تعزيز "القدرات الدفاعية في المجالات الإلكترونية بالمنطقة"، مضيفا أن المركز يبحث "إنشاء قدرات مستقبلية في مجال الروبوتات".


* عندما تتحول الروبوتات إلى أسلحة فتاكة
* تحقيق خاص - المسيّرات الأجنبية تغيّر مسار الحرب في السودان

يقول مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية "دراسات" في البحرين، أشرف كشك، إن اهتمام الإمارات بتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يرتبط "بتغير طبيعة التهديدات التي تواجهها، فهي كغيرها من دول الخليج العربية الأخرى تقع ضمن محيط إقليمي مضطرب"، وإن "الثورة الهائلة في مجال التصنيع العسكري بسبب الذكاء الاصطناعي كان لها تأثير على الرؤية الاستراتيجية، خاصة تهديدات الطائرات بدون طيار أو المسيّرات، ولا سيما بعدما استهدفت مسيّرة تابعة للحوثيين مطار أبو ظبي في عام 2022. ورغم أنها لم تؤثر على حركة الملاحة في المطار، فإنها كانت مؤشرا مهما على تأثير التكنولوجيا على مفهوم أمن الخليج".

ويضيف الدكتور كشك: "بما أن التحدي يخلق الاستجابة، فقد أعلنت شركة إيدج (وهي الشركة الوطنية التي تضم تحت مظلتها مجموعات شركات التصنيع العسكري في الإمارات) في عام 2023 عن 14 منتجا دفاعيا جديدا من بينها 11 منتجا يعتمد على التكنولوجيا الذاتية مثل الطائرات المسيرة والأسلحة الذكية".

وفي يناير/كانون الثاني عام 2024، أعلنت مجموعة إيدج أن شركة ميلريم روبوتكس الأوروبية الرائدة في مجال الروبوتات والأنظمة المستقلة، والمنضوية تحت مظلة إيدج، أبرمت عقدا ستزود بموجبه وزارة الدفاع الإماراتية بـ 20 مركبة قتالية مجنزرة و 40 مركبة برية غير مأهولة، وقالت إن الاتفاقية تشكل أكبر برنامج روبوتات قتالية من نوعه في العالم.

مصدر الصورة

التحديات

تعمد الإمارات إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية والتجارية والعسكرية، والذكاء الاصطناعي ليس استثناء. فالبلاد أبرمت اتفاقات وصفقات مع دول أوروبية، مثل فرنسا، ومع إسرائيل، وأيضا مع الولايات المتحدة والصين.

ولكن في ظل التنافس المحموم بين بكين وواشنطن من أجل تحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على الإمارات لقطع علاقتها بالصين في هذا المجال.

يقول وينتر-ليفي إن الإمارات بذلت على ما يبدو "مجهودات جادة لتهدئة مخاوف الولايات المتحدة بشأن إدارتها لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: فقد تعهدت بتأمين مراكز بياناتها وإزالة الأجهزة الصينية التي قد تحتوي على ثغرات أمنية خلفية، وفحص العملاء والموظفين ومراقبة كيفية استخدام المشترين للرقائق".

ويضيف أن جي 42 "تخلت عن الشركات الصينية وتخلصت من التقنيات التي كانت شركة هواوي الصينية قد زودتها بها، في إطار صفقتها مع مايكروسوفت التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار".

كانت الإمارات قد أعلنت العام الماضي أنها تسعى إلى "الارتباط" (الكلمة الإنجليزية المستخدمة هي marriage، ومعناها الحرفي هو "الزواج") بالولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن وينتر-ليفي يشك في "أن العلاقة ستكون أحادية، فلدى الإمارات محفزات قوية للتعامل مع الصين والولايات المتحدة في الوقت ذاته، وهو تفكير عقلاني، نظرا لعدم الاستقرار السياسي في أمريكا ورغبة واشنطن المستمرة، وإن كانت محبطة دائما، في تحويل بوصلتها صوب آسيا"، مشيرا إلى أن الصين هي أكبر شريك تجاري للإمارات في المجالات غير النفطية، و"لا تنتقد انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان أو أنشطتها الإقليمية"، على حد تعبيره.

ولكن لكي تتمكن الإمارات من الحصول على تقنيات متقدمة مثل رقائق الذكاء الاصطناعي، يرى مراقبون أنه سيتعين عليها البقاء في المعسكر الأمريكي. فهذه التقنية تسيطر عليها الشركات الأمريكية، ولا سيما شركة نفيدا، والشركات الصينية متأخرة عنها بكثير، وتعتمد على البرمجيات الأمريكية التي تستخدم لتصميم تلك الرقائق – وإن كان إطلاق روبوت الدردشة الصيني "ديب سيك" مؤخرا قد أثار شكوكا حول دقة هذا الكلام. المعروف أن الإطار الأمريكي لنشر وتوزيع الذكاء الاصطناعي لا يستثني سوى 18 دولة حليفة للولايات المتحدة (منها ألمانيا وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة) من القيود المفروضة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، والإمارات ليست واحدة من تلك الدول.

يقول وينتر-ليفي " بشكل عام، أظن أن الإمارات سوف تحاول أن تبعث بإشارة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها في المعسكر الأمريكي لكي تتمكن من الحصول على قدرات الحوسبة الأمريكية المتقدمة، ووحدات معالجة الغرافيكس، إلخ. كما أنها ستتخذ بعض الخطوات صوب منظومة التكنولوجيا الأمريكية وتنأى بنفسها إلى حد ما عن هواوي. لكن لا أظن أنها ستحرق جسورها مع الصين، بل ستبقي على علاقات سياسية واقتصادية طيبة معها، كما ستواصل موازنة رهاناتها إلى حد ما، بينما تراقب كيف ستتطور هذه المنافسة التكنولوجية بين القوى العظمى خلال السنوات القليلة القادمة".

مصدر الصورة

من التحديات الأخرى التي تواجه الإمارات، كما يقول الدكتور كشك "الكوادر البشرية النوعية، ليس لتشغيل التكنولوجيا فقط، بل أيضا لصيانتها". يوافقه وينتر-ليفي الرأي، الذي يرى أنه نظراً لصغر عدد سكان الإمارات، ورغم الجهود التي تبذلها البلاد لتدريب المواهب المحلية واجتذاب العمالة الأجنبية، فإن ذلك لا يزال يشكل تحديا كبيرا لها.

بالتأكيد لا أحد يستطيع أن يتنبأ على وجه الدقة بما إذا كانت الإمارات ستتمكن من تنفيذ خطتها الطموحة في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن كثيرا من خبراء الاقتصاد والتكنولوجيا يرون أن لديها العديد من المؤهلات التي تمكنها من السير في الاتجاه الصحيح.

فالبلاد، كما يقول وينتر-ليفي، تمتلك "القدرة على إنشاء مصادر طاقة على نطاق واسع و بسرعة (وهو متطلب حيوي لمراكز معلومات الذكاء الاصطناعي)، وبفضل قاعدة الهندسة والعمليات القوية لصناعتها النفطية، لدى الإمارات قوة عاملة نشطة تتميز بخبرة تقنية عالية. سواء حققوا أهدافهم بالضبط أم لا، فإنهم لا يخدعون أنفسهم إذ يرون أن أمامهم الفرصة للعب دور كبير نسبيا في ثورة الذكاء الاصطناعي المقبلة".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا