في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
منذ السابع من أكتوبر، يشهد الشرق الأوسط تحولات غير مسبوقة، تتجاوز مجرد صراع عسكري إلى إعادة رسم جغرافية المنطقة سياسيًا واستراتيجيًا.
فمع الدمار الكبير الذي لحق بقطاع غزة، وتراجع نفوذ حزب الله في لبنان، والتغيرات المتسارعة في سوريا، يبرز مشهد جديد تقوده واشنطن، وسط تحركات إسرائيلية حذرة وتوترات إقليمية متزايدة. فإلى أين تتجه المنطقة؟ وما هي ملامح الشرق الأوسط الجديد؟
خطة ترامب.. تهجير أم إعادة إعمار؟
يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يسعى لإعادة فرض رؤيته للشرق الأوسط عبر خطة طموحة للسيطرة على قطاع غزة، تشمل إعادة بنائه وتطويره مع إنهاء وجود حركة حماس.
لكن هذه الخطة تثير تساؤلات جوهرية حول مدى واقعيتها وإمكانية تنفيذها في ظل رفض عربي ودولي متزايد.
يؤكد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور مهند العزاوي، خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية أن ترامب معروف باتخاذ قرارات جريئة ويطرح أفكارًا خارج الصندوق، لكنه يشير إلى أن "طرح الأفكار بهذا الشكل يأتي ضمن سياق الإخضاع، مما يعكس أسلوبه في فرض السيطرة على الخصوم".
ويضيف العزاوي أن "الفكرة المطروحة تواجه تحديات كبيرة، حيث لا يمكن تجاهل الرفض العربي القاطع لها".
كما يشير العزاوي إلى أن "ترامب يوجه رسائل متعددة إلى إسرائيل وحماس، في محاولة لإعادة تشكيل الوضع دون أن يدخل في مواجهة مباشرة"، لكنه يحذر من أن "الوضع في غزة ما زال متوترًا، وأي محاولة لفرض حلول دون توافق إقليمي قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب".
إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط.. مخطط قديم يعود للحياة
وفقًا للعديد من الخبراء، فإن ما يجري اليوم ليس سوى إعادة إحياء لمخططات أميركية قديمة تهدف إلى إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط وفق اعتبارات جيوسياسية جديدة.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية، الدكتور سعيد الزغبي، أن "الحديث عن الشرق الأوسط الجديد ليس جديدا، فقد ظهرت هذه الفكرة لأول مرة عام 2006 على لسان كونداليزا رايس"، مشيرا إلى أن "إعادة تشكيل الجغرافيا في المنطقة كانت دائمًا جزءًا من الاستراتيجيات الأميركية طويلة الأمد".
ويضيف الزغبي أن "التاريخ يعيد نفسه، فكما غيرت أحداث 11 سبتمبر 2001 النظام العالمي، وأدى سقوط نظام صدام حسين عام 2003 إلى إعادة توزيع النفوذ، فإن ما يحدث اليوم في غزة وسوريا ولبنان قد يكون مقدمة لتغيير أوسع في خريطة المنطقة".
ويتابع: "هناك 60 دولة في المجتمع الدولي تترقب ما يحدث في الشرق الأوسط، فالجميع يدرك أن المنطقة تمر بمرحلة مفصلية قد تعيد تشكيل توازنات القوى عالميًا وليس فقط إقليميًا".
نتنياهو وترقب عودة ترامب.. تحالف المصالح المستمر
يرى المحللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان يترقب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، معتبرًا إياه أكثر توافقًا مع الأجندة الإسرائيلية مقارنة بالإدارة الأميركية السابقة.
ويقول الكاتب والباحث السياسي شلومو غانور، إن "نتنياهو كان ينتظر بفارغ الصبر انتهاء ولاية بايدن، حيث اعتبر أن الضغوط الأميركية خلال هذه الفترة قيدت خياراته"، مشيرا إلى أن "عودة ترامب أعادت لإسرائيل حرية الحركة التي افتقدتها خلال السنوات الأخيرة".
ويضيف غانور: "نتنياهو يدرك أن ترامب يسعى لتحقيق إنجازات سريعة خلال أول 100 يوم من ولايته، وقد تكون غزة إحدى ساحات التنفيذ، لكن السؤال الكبير هو: هل تستطيع إسرائيل فعليًا تنفيذ مثل هذه الخطة دون الدخول في صدامات مع الأطراف الإقليمية؟".
كما يكشف غانور أن "وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، كان على علم مسبق بمقترح ترامب حول التهجير، لكن إسرائيل لم تتخذ قرارًا رسميًا بعد، خاصة في ظل المعارضة الدولية".
الشرق الأوسط الجديد.. حقيقة أم وهم؟
يرى المحللون أن الحديث عن "شرق أوسط جديد" قد يكون واقعيًا في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة، لكنه يظل مرتبطًا بعوامل عديدة، أبرزها موقف الدول العربية وتأثير القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا.
ويؤكد الدكتور الزغبي أن "الرأي العام العربي لعب دورًا كبيرًا في مواجهة مخططات التهجير، كما ظهر في خروج الشعب المصري في مظاهرات ضخمة رفضًا لنقل سكان غزة إلى سيناء"، مضيفًا أن "الموقف المصري أحرج الإدارة الأميركية، وأكد أن أي حلول مستقبلية لا يمكن أن تمر دون توافق إقليمي".
أما العزاوي، فيرى أن "الوضع في غزة هو اختبار حقيقي لقدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على فرض مخططات جديدة"، مشيرًا إلى أن "العالم العربي يرفض بشكل واضح إعادة إنتاج سيناريو التهجير القسري".
إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟
في ظل هذه التحولات السريعة، يبدو الشرق الأوسط مقبلًا على مرحلة جديدة من الصراعات والتغيرات السياسية، حيث تتداخل الأجندات الإقليمية والدولية في صراع معقد قد يستمر لسنوات.
وبينما تحاول الولايات المتحدة إعادة ترتيب الأوراق، وتبحث إسرائيل عن حلول لمعضلتها الأمنية، تبقى الحقيقة الثابتة أن شعوب المنطقة، وعلى رأسها الفلسطينيون، هم من سيدفعون ثمن أي سيناريو جديد يُفرض على أرض الواقع.
فهل يكون السابع من أكتوبر بداية عهد جديد في الشرق الأوسط، أم مجرد محطة أخرى في سلسلة صراعات لا تنتهي؟