بعد أكثر من 24 ساعة على تنفيذ عملية حاجز تياسير، شرق مدينة طوباس، عجزت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن اكتشاف هوية المقاوم الفلسطيني الذي نجح في الوصول إلى معسكر لجيش الاحتلال واشتبك مع قوة عسكرية وقتل عددا منهم.
وكشفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن هوية المنفذ، وقالت في بيان لها " نزف إلى جماهير شعبنا الشهيد المجاهد محمد دراغمة منفذ عملية تياسير النوعية التي وقعت صباح أمس الثلاثاء وأدت إلى مقتل جنديين اثنين وإصابة 8 آخرين".
بيان النعي جاء بعد تأكيدات من عائلة المنفذ بأنه هو نجلها محمد (24 عاما) شقيق الشهيد أحمد دراغمة (25 عاما) مؤسس كتيبة طوباس، الذي استشهد برصاص قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال اقتحام المدينة قبل نحو عام.
وأكدت الأسرة الخبر، صباح اليوم الأربعاء، بعد نشر صورة لوجه الشهيد وتظهر فيها علامات إصابات شديدة تكاد تخفي ملامحه، فيما كتب شقيقه كمال على حسابه الشخصي على فيسبوك "يا أحمد استقبل محمدا".
وقال كمال للجزيرة نت إنه فور رؤيته الصورة تعرف على أخيه، "لكن لم يرد حتى الآن تأكيد من الارتباط الفلسطيني ووزارة الصحة حول استشهاد محمد".
وعلى الرغم من عدم وجود أي تبليغ من الارتباط الفلسطيني ولا إعلان رسمي من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإن عائلة دراغمة أعلنت فتح بيت عزاء للشهيد في ديوانها في مدينة طوباس شمال الضفة الغربية.
وتأثر محمد باستشهاد شقيقه أحمد الذي عُرف في طوباس بضراوة الاشتباكات التي كان يخوضها مع جيش الاحتلال، حيث لُقب بالشجاع قبل أن يقضي في اشتباك بعد إصابته بـ3 رصاصات في الصدر.
يوضح كمال "لما استشهد أحمد تأثر محمد كثيرا، كان فقده كبيرا على العائلة كلها وتحديدا على محمد، لكنه لم يتمكن من إظهار حزنه بشكل كامل فقد اعتقلته أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بعد استشهاد أحمد بشهرين، وهناك تعرض لتعذيب شديد لمدة طويلة".
ويضيف أنه لم يمض وقت طويل على خروج محمد من سجن السلطة، لكنه لم يظهر لهم خلال وجوده معهم خلال الفترة الماضية أنه سيقدم على تنفيذ عملية حاجز تياسير.
وصباح اليوم الأربعاء، أصدرت لجنة المعتقلين السياسيين في الضفة بيانا مقتضبا قالت فيه إن "الشهيد محمد دراغمة منفذ عملية اقتحام حاجز تياسير، كان معتقلا سياسيا سابقا لدى أجهزة السلطة، حيث قضى أكثر من 154 يوما في سجن أريحا المركزي، وتعرض خلالها للتعذيب قبل أن يتم الإفراج عنه في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024".
وُلد دراغمة عام 2001 وتربى في طوباس في عائلة بسيطة وكان يعمل في البناء، وحين برز نجم شقيقة أحمد كقائد لكتيبة طوباس، ظل محمد محافظا على رصانته وهدوئه.
ويقول عنه شقيقه كمال إن "شكله يوحي بأنه شخص هادئ جدا، كان يحظى باحترام الكل، شابا كشباب جيله". وفاجأ هدوء محمد الشارع الإسرائيلي وجيش الاحتلال الذي اعترف -عبر إذاعته الرسمية- بأن هذه العملية تشكل صدمة في صفوف الجيش.
كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، نقلا عن تحقيقات أولية أجراها جيش الاحتلال، أن الهجوم الذي استهدف حاجز تياسير كان منظما ومدروسا، وتم تنفيذه على مرحلتين، شملت الأولى إطلاق النار عند الحاجز، بينما امتدت الثانية إلى داخل التحصينات العسكرية.
ورغم التقييدات على حركة المواطنين الفلسطينيين على الحاجز الذي يربط بين مدينة طوباس والأغوار الشمالية ويقع شرق المدينة، فإن الشهيد دراغمة استطاع الوصول إليه وتمكن من السيطرة على برج المراقبة، والاشتباك مع جنود الاحتلال لعدة دقائق، وإصابة فرقة كاملة تتكون من 11 جنديا وقتل اثنين منهم وجرح البقية.
وطوال ساعات أعقبت تنفيذ العملية، توالت الأخبار والتفاصيل حول الطريقة التي نُفذت بها وكيف نجح مقاوم فلسطيني واحد يحمل رشاشا من نوع "إم 16″، ويرتدي سترة مضادة للرصاص، من التسلل إلى موقع عسكري إسرائيلي محاط بمعسكرات تدريب، واعتلاء البرج العسكري والاشتباك من مسافة لا تبعد أكثر من مترين اثنين.
ورغم مرور أكثر من 24 ساعة عليها، لم يتم نشر صورة الشهيد في وسائل إعلام إسرائيلية، سوى واحدة نشرها جيش الاحتلال تظهر جثمانه من الخلف.
ولاقت العملية ترحيبا واسعا في الشارع الفلسطيني الذي يتعرض منذ قرابة أسبوعين لعدوان إسرائيلي واسع بدأه الاحتلال باقتحام مدينة جنين ومخيمها منذ 16 يوما ضمن عملية "السور الحديدي"، والتي توسعت لتشمل مدينة طولكرم ومخيمها، وصولا إلى بلدة طمون ومخيم الفارعة جنوب مدينة طوباس.
وعبّر المواطنون عن شعورهم بالفخر بمنفذ العملية الذي "حيّر" جيش الاحتلال كل هذه الساعات في التعرف عليه وفي كيفية قيامه بالعملية، في حين توالت التوقعات في احتمالية أن يكون الشهيد من أفراد أجهزة الأمن الفلسطينية الذين خضعوا لتدريبات عسكرية تمكنهم من تنفيذ عملية مشابهة لعملية تياسير.
وتداول المواطنون مقاطع الفيديو المصورة لحظة اشتباك دراغمة مع جيش الاحتلال، وغرد عدد كبير منهم بعبارات مباركة للعملية التي وُصفت بالبطولية.
ونشرت صفحات محلية صورة البرج العسكري الذي تظهر عليه علامات الرصاص وعنونتها بـ"قام بطوفان وحده". في حين كتب آخرون "أبطال المقاومة في كل مكان.. لا مستحيل".
وفور إعلان عائلة دراغمة عن هوية نجلهم الشهيد محمد وتأكديهم أنه المنفذ، كتب مغردون فلسطينيون "اليوم يلتقي الأشقاء الشهداء".
ويرى المواطنون الفلسطينيون أن محاولات إسرائيل التضييق على حياة الناس في الطرقات وتعطيل حركتهم، وإقامة الحواجز التي وصلت قرابة 900 حاجز على طول الضفة الغربية، واجتياح مدن جنين وطولكرم وبلدة طمون والذي أدى حتى الآن إلى استشهاد 29 مواطنا، سيصعّد كل ذلك من عمليات المقاومة ضد الاحتلال.