قال مسؤول بارز في إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن الولايات المتحدة غيّرت نهجها تجاه حرب غزة في أغسطس/آب الماضي، وأعطت أولوية لدعم إسرائيل بغية "إضعاف" حزب الله، وسط توقف مفاوضات التوصل إلى اتفاق للإفراج عن الرهائن، على اعتقاد بأن إضعاف حزب الله من شأنه أن يزيد من عزلة حماس ويدفعها إلى إظهار مزيد من المرونة خلال محادثات وقف إطلاق النار.
وسعى المسؤول الأمريكي البارز إلى رسم ملامح الدور الذي لعبته إدارة بايدن باعتباره ضروريا لإبرام الاتفاق، بيد أن مسؤولين أمريكيين آخرين كانوا قد تحدثوا إلى صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" خلال الأشهر الماضية واعترفوا بأن واشنطن لم تدعم على الفور قرار إسرائيل في سبتمبر/أيلول بشأن تصعيد عملياتها العسكرية ضد حزب الله على نطاق واسع.
وعلى الرغم من ذلك بدأت الولايات المتحدة في دعم حملة إسرائيل ضد حزب الله، إذ أرجأت مبادرة لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً في لبنان في أواخر سبتمبر/أيلول، وبعد أن أنهت إسرائيل توجيه ضربات هائلة لجماعة حزب الله بعد شهرين، توسطت الولايات المتحدة في وقف إطلاق نار دائم بين إسرائيل وحزب الله.
وذكّر المسؤول البارز، خلال مؤتمر صحفي، باتفاق الافراج عن الرهائن الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، الذي انهار بعد أسبوع عندما تراجعت حماس عن التزاماتها بالإفراج عن عدد من الرهائن، مما أدى إلى استئناف القتال.
وسعت الولايات المتحدة دون جدوى إلى تأمين إطلاق سراح الرهائن على المدى القصير واتفاقات لوقف إطلاق النار في الأشهر التي تلت ذلك قبل الاستقرار على الإطار المرحلي في ربيع عام 2024.
وقال المسؤول الأمريكي البارز إن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، الذي أُبرم يوم الأربعاء، يستند إلى مقترح إسرائيلي طُرح في 27 مايو/أيار، كشف عنه بايدن في خطاب ألقاه في البيت الأبيض بعد أربعة أيام.
بيد أن المفاوضات تعقّدت من حين لآخر، ووافقت حماس على المقترح في بداية يوليو/تموز، مع إجراء تعديلات.
وزعم المسؤول الأمريكي أن رد حماس كان رداً لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن توافق عليه لأنه كان في الواقع صفقة "الكل مقابل الكل" تطلب من إسرائيل الانسحاب الكامل من غزة، مع ترك حماس في السلطة.
ويتعارض ذلك مع ما قاله مسؤولون إسرائيليون وعرب مطّلعون على المحادثات بشأن عرض حماس، إذ زعموا أنه لم يكن خروجاً جذرياً عن المقترح الإسرائيلي السابق.
رغم أن العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين يقولون إنهم يشعرون بالتفاؤل بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن، إلا أن وزير المالية الإسرائيلي اليميني بتسلئيل سموتريتش أبدى في وقت سابق رد فعله، واصفاً الاتفاق بأنه "سيئ وخطير".
وفي منشور على موقع التواصل الاجتماعي إكس، قال سموتريتش إن "الشرط الواضح لبقائنا في الحكومة هو اليقين المطلق بالعودة إلى الحرب بقوة كبيرة".
ستناقش الحكومة الإسرائيلية اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس اليوم الخميس، قبل أن يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد.
رغم أن سموتريتش وزميله الوزير اليميني المتطرف إيتامار بن جفير قالا إنهما يعارضانه، إلا أنهما لا يملكان العدد الكافي لمنعه، إلا أنه يمكنهما الاستقالة من الحكومة ومحاولة إسقاطها.
يقول سموتريتش إنه كان يجري "محادثات مشحونة" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام القليلة الماضية.
قالت الفلسطينية ديما شراب، 19 عاماً، في رسالة عبر تطبيق واتساب من خان يونس لبي بي سي: "أشعر بسعادة، لم أكن سعيدة إلى هذا الحد من قبل، لا أصدق ما يحدث حولي الآن. هل أنا أحلم؟"
وأضافت: "نشعر بسعادة في غزة، لكننا خائفون. سيتلاشى الخوف عندما يدخل الاتفاق حيز التنفيذ".
كانت ديما قد أنهت مكالمة هاتفية قبل شهرين فقط بكلمات قالت فيها "أدعو لنا بالبقاء على قيد الحياة".
كانت أسرة الفتاة الفلسطينية تعيش في منزل مدمر جزئياً بعد إخلائه عدة مرات، كانوا يعيشون على الخبز والبازلاء والفاصوليا وبعض الخضراوات باهظة الثمن. كانت ديما تسير لمسافة تصل إلى كيلومترين للحصول على الماء ، وكانت تشعل الحطب بسبب عدم توافر غاز للطهي.
وقالت: "لم أستطع النوم بسبب الخوف والجوع والانفجارات. أصبحت حياتي سوداء".
حصلت ديما على منحة دراسية لدراسة الطب في الجزائر، بيد أن الحرب اندلعت بعد يومين من تقديم جواز سفرها للحصول على تأشيرة، ولم يكن باستطاعتها أن تدفع لوسيط نحو 5000 دولار للمغادرة عبر رفح، خيارها الوحيد حتى مايو/أيار، حتى أُغلق المعبر.
وأضافت: "شعرت أن مستقبلي وأحلامي أصبحت مسدودة"، لكن الآن، يقرب اتفاق وقف إطلاق النار حلمها بأن تصبح طبيبة.
رحّب تيدروس غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بخبر التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وقال إن منظمته مستعدة "لزيادة دعمها".
وقال غيبريسوس: "إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن أمر مرحب به ومشجع. لقد فقدت الكثير من الأرواح وعانت الكثير من الأسر. ونأمل أن تحترم جميع الأطراف الاتفاق وتعمل من أجل تحقيق السلام الدائم. السلام هو أفضل دواء!"
قاوم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تحت ضغط من ائتلافه اليميني، وقف إطلاق النار واتفاقية إطلاق الرهائن لأشهر، مع العلم أن الاتفاق قد يؤدي إلى سقوط حكومته.
لكن يبدو الآن أن موافقته على الاتفاق مخاطرة كان مستعداً لتحملها من أجل إرضاء الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، الذي أصر على أن الحرب يجب أن تنتهي.
والليلة، كان كلا الجانبين، حماس وإسرائيل، يريدان الترويج بأن الآخر هو الذي كان يعرقل الاتفاق حتى الآن، وأن الجانب الآخر هو الذي تراجع. لذا فإن البيان الذي أصدره مكتب نتنياهو في وقت سابق يجب وضعه في هذا السياق.
وقبيل الإعلان عن الاتفاق، قال نتنياهو إن حماس "تراجعت" بسبب "موقفه الحازم".
وقال آخرون، بما في ذلك بعض وزراء نتنياهو، إن إسرائيل هي التي كانت تعرقل الاتفاق حتى الآن.
وكان هناك بعض القلق من أن "البنود غير المتفق عليها" التي تحدث عنها نتنياهو قد تؤدي إلى انهيار هذا الاتفاق.
لكن من الممكن أيضاً أنه كان يريد أن يبين لبعض زملائه الأكثر تشككاً في الحكومة، الذين يتعين عليهم الموافقة على الصفقة في الأيام المقبلة، بأنه يواصل الضغط على حماس.
قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن إعلاناً رسمياً نيابة عن بنيامين نتنياهو سيصدر بعد الانتهاء من التفاصيل النهائية للاتفاق، الذي يقول إنه قيد العمل حالياً.
وفي وقت سابق، خلال مكالمات هاتفية منفصلة، شكر نتنياهو الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب والرئيس المنتهية ولايته جو بايدن على المساعدة في تأمين الاتفاق.
بعد خمسة أيام من الآن سيصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة لمدة 4 سنوات.
وقد دفع هذا الواقع الوشيك بوضوح عقول المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين المشاركين على التركيز في البحث عن اتفاق لوقف إطلاق النار.
ولكن في حين لم يبد أي من الجانبين استعدادا لإثارة غضب الرئيس الجديد بالوقوف في طريق الاتفاق، فإنه لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستكون على استعداد لمواصلة ضرب الرؤوس معا في السعي إلى تسوية أكثر استدامة.
ربما تأمل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الحصول على جرعة ثانية من التساهل الذي ميز إدارة ترامب الأولى، والتي نقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان.
لكن هل يكون ترامب على استعداد لتوسيع هذا الاعتراف ليشمل أجزاء من الضفة الغربية المحتلة بعد عودته إلى منصبه؟
يقول اختياره لحاكم أركنساس السابق والمسيحي الإنجيلي، مايك هاكابي، كسفير لإسرائيل، إنه لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية أو الاحتلال.
مع حث الحكومات الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة، على الجميع تحويل انتباههم إلى إنشاء حل الدولتين، فهل يمكن أن يكون هذا جزءاً من خطة دونالد ترامب للشرق الأوسط؟
لقد ثبت أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار واستعادة الرهائن أمر صعب للغاية. لكن الكثير والكثير من العمل الأصعب في الانتظار.
عندما سُئل عما إذا كان لدونالد ترامب أي تأثير على التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، قال جون كيربي مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض لبي بي سي نيوز: "بلا شك".
وقال مستشار البيت الأبيض للاتصالات الأمنية: "لقد أوضحت بعض تعليقاته العلنية أنه يريد هذا الاتفاق، وأعتقد أن هذا بالتأكيد أرسل إشارة قوية للجميع في المنطقة".
ومع ذلك، أضاف: "كانت هذه صفقة وضعها الرئيس بايدن على الطاولة في الأصل في مايو أيار".
يعد اتفاق وقف إطلاق النار إنجازاً كبيراً، وإن تأخر كثيراً.
كانت مسوّدة الاتفاق مطروحة على الطاولة منذ مايو/أيار العام الماضي. وتبادلت حماس وإسرائيل اللوم في تأخير اتخاذ الخطوة.
كانت حماس قد شنت هجمات في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل، وهي هجمات أودت بحياة نحو 1,200 شخص، بحسب بيانات الحكومة الإسرائيلية، كما أسفر الرد الإسرائيلي على تلك الهجمات عن تدمير قطاع غزة، فضلاً عن نزوح معظم سكان القطاع الذين يزيد عددهم على مليوني شخص.
وتقول وزارة الصحة في غزة إن العمليات العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن مقتل نحو 50 ألف فلسطيني، وقالت دراسة حديثة نشرتها مجلة "لانسيت" الطبية إن هذا التقدير قد يكون أقل بكثير من الواقع.
ويتمثل التحدي الأكبر حالياً في ضمان استمرار وقف إطلاق النار، إذ يخشى كبار الدبلوماسيين الغربيين من استئناف الحرب بعد المرحلة الأولى التي تستمر 42 يوماً.
كما خلفت حرب غزة عواقب وخيمة في شتى أرجاء الشرق الأوسط، وإن كانت لم تتطور، كما كان يخشى كثيرون، إلى حرب عامة في المنطقة، وادعت إدارة بايدن الفضل لها في ذلك، بيد أن الصراع أدى إلى اضطرابات جيواستراتيجية.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق بارتكاب جرائم حرب.
وبعد تدخل حزب الله في لبنان في الحرب، جرى القضاء عليه في نهاية المطاف بهجوم إسرائيل، وكان هذا عاملاً أدى إلى انهيار نظام بشار الأسد في سوريا.
وتبادلت إيران وإسرائيل الهجمات المباشرة، ما أدى إلى إضعاف إيران، وأُصيبت شبكة حلفائها ووكلائها التي أطلقت عليها طهران اسم "محور المقاومة" بالشلل.
وعلى صعيد الوضع في اليمن تسببت هجمات الحوثيين في اضطراب الكثير من حركة الشحن بين أوروبا وآسيا التي تمر عبر البحر الأحمر، ويبقى أن نرى الآن إذا كان الحوثيون سيحافظون على تعهدهم بوقف الهجمات الآن بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
أما بالنسبة للصراع الطويل بين إسرائيل والفلسطينيين، قد يوقف اتفاق وقف إطلاق النار عمليات القتال ويعيد الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين والسجناء الفلسطينيين إلى عائلاتهم، لكنه لا ينهي صراعاً عمره ما يزيد على قرن.
قالت حركة الجهاد الإسلامي في بيان، عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار: "اليوم يفرض شعبنا ومقاومته اتفاقاً مشرفاً لوقف العدوان والانسحاب وإجراء عملية تبادل أسرى مشرفة، وذلك بفعل صموده الأسطوري ومقاتليه الشجعان البواسل".
وأكدت أن الحركة "لن تدخر جهداً في خدمة أهلنا في قطاع غزة ومواكبة تحديات المرحلة القادمة، والمقاومة ستبقى في حالة يقظة لضمان تنفيذ هذا الاتفاق كاملاً".
رغم الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، مقتل 18 شخصاً قبل قليل في قصف جوي إسرائيلي طال بناية سكنية بالقرب من نقابة المهندسين غربي مدينة غزة، وفقاً لقناة الأقصى المحلية.
ويتعرض القطاع منذ ساعة لعدة غارات في مناطق متفرقة ويتوقع أيضاً مزيد من القتلى والجرحى.