في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الخرطوم – بعد نحو 19 شهرا من الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بدأت علاقات السودان المضطربة مع بعض الدول المجاورة له بالتعافي بفتح قنوات تواصل مباشر معها، بعد قيامها بمراجعات لمواقفها بناء على عوامل داخلية وخارجية.
وتكشف مصادر دبلوماسية وأمنية تحدثت للجزيرة نت بشأن علاقات السودان مع الدول المجاورة له، أن بعض قادة هذه الدول لديها مصالح مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" وجهات تقف خلفه، وأخرى أساءت التقدير حول مسار الحرب وتبنت مواقف ضد الحكومة السودانية، أو وقفت في المنطقة "الرمادية".
في المقابل تؤكد المصادر ذاتها أن كلا من مصر وأريتريا المجاورتين اتخذتا موقفا واضحا منذ أول يوم في الحرب، بدعم "الشرعية والمؤسسات الدستورية" في السودان، وقادت جهودا لإعادة الاستقرار وتعزيز مساعي الحل السلمي.
وبحسب المصادر المتطابقة، فإن المدير العام لجهاز المخابرات السوداني أحمد إبرهيم مفضل قام خلال الفترة السابقة بجولات في أفريقيا الوسطى وأثيوبيا وليبيا وفي بلدان أخرى، أفلحت بفتح قنوات تواصل معها ومناقشة ملفات حساسة، وهذا ساهم في تحول مواقف بعض هذه الدول.
كما قال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي ببورتسودان في 19 نوفمبر/كانون الثاني الماضي أن "تعامل بلاده وتحالفاتها ستستند على مخرجات الحرب الجارية"، مؤكدا أن أي جهة وقفت مع السودان ودعمته ستعامل معاملة الصديق، وأن أي "متردد ومتخاذل وقف في المنطقة الرمادية" سيتم معاملته بالمثل، وقال إن الحرب كشفت الأصدقاء والأعداء الحقيقيين.
ظلت مواقف الرئيس الإريتري أسياس أفورقي تدعو إلى دعم السودان، وفتح بلاده أمام السودانيين ليدخلوها بلا بطاقات هوية، ومنحهم حق الإقامة والعلاج بلا مقابل، ورفض أن يقيموا في مخيمات واستضافهم في مراكز إيواء حكومية.
واعتبر الرئيس الإريتري أن ما قام به ليس تفضلا، وإنما "رد جميل" للشعب السوداني الذي آوى عشرات الآلاف من الإريتريين اللاجئين ودعم نضالهم حتى استقلت دولتهم، كما أمضى أفورقي لمدة سنوات مقيما في الخرطوم خلال فترة قيادته للنضال المسلح ضد النظام الإثيوبي حتى مغادرته إلى أسمرا رئيسا عام 1991.
وقال أفورقي، في مقابلة بثتها الفضائية الإريترية، السبت الماضي، إن هنالك "تدخلات في السودان عبر ليبيا وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا"، وإنهم يملكون معلومات مفصلة عن ذلك حسب قوله.
كما قال الرئيس الإريتري خلال لقائه مجموعة من الصحفيين السودانيين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن بلاده لن تقف على الحياد، بل ستتدخل في حال وصول الحرب إلى ولايات شرق السودان الثلاث، كسلا والقضارف والبحر الأحمر، بالإضافة لإقليم النيل الأزرق.
كشفت تقارير دولية أن الحكومة المركزية في أفريقيا الوسطى تسيطر على نحو نصف مساحة البلاد، بينما تتمدد المجموعات المسلحة في نصفها الآخر، حيث ظلت أراضيها معبرا للأسلحة والمقاتلين لقوات الدعم السريع، التي قامت بترسيخ علاقتها مع الرئيس فوستين أرشانج تواديرا.
وكانت مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية حلقة الوصل بين الجانبين، حيث مدت المجموعة "حميدتي" بالأسلحة ودربت مقاتلي الدعم السريع على استخدامها، بمقابل الحصول على الذهب المنتج في مناجم بإقليم دارفور، كما استغلت الدعم السريع حالة السيولة الأمنية في المناطق الحدودية التي انتشرت فيها قبل الحرب، بذريعة منع تسلل المسلحين المعارضين لحكومة بانقي.
وبعد زيارات أمنية ولقاء بين البرهان وتواديرا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، تحول موقف الأخير، وكشف موقع "أفريقيا انتليجنس" الاستخباري أن الجانبين اتفقا على التقارب والتعاون الأمني.
ومن جهته كلف تواديرا أقرب مستشاريه بضبط العلاقة مع جهاز المخابرات السوداني، وطلب من البرهان تعقب اثنين من قادة المتمردين ضده يعملان من السودان، حيث أقاما قواعد خلفية لهما، ومن ثم اعتقالهما وتسليمهما لبلاده.
ويستهدف تواديرا توقيف علي داراس الرئيس السابق لتحالف الوطنيين من أجل التغيير، ونور الدين آدم رجل الشرطة والوزير السابق وأحد القادة السابقين لـ"مليشيا سيليكا"، والذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويعمل المعارضان في المناطق الحدودية بين البلدين بما في ذلك أراضي خاضعة جزئيا لسيطرة الجيش السوداني وفقا للموقع الاستخباري.
وحسب التسريبات الاستخبارية فإن البرهان وافق أخيرا على مطالب تواديرا، مقابل دعمه ومساعدته في تضييق الخناق على شبكات "حميدتي" الاقتصادية والتسليحية في أفريقيا الوسطى، كما يريد البرهان تكثيف جهوده لتأمين حدود السودان، التي تخضع جزئيا لسيطرة قوات الدعم السريع.
زادت علاقات مصر مع السودان توسعا بعد الحرب، بسبب ارتباط الأمن القومي للدولتين، وتأثره بما يحدث في أي منهما، وقادت القاهرة جهودا لمساندة الشرعية والمؤسسة العسكرية في السودان، باعتبارها ركيزة للأمن والاستقرار ومنع الدولة من الانهيار، كما جمعت الفرقاء السودانيين في يوليو/حزيران الماضي لتحقيق توافق وطني في البلاد.
وتصاعد التعاون التجاري بعدما دمرت الحرب المصانع في السودان، وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال زيارته بورتسودان، الثلاثاء، أن بلاده تسعى لإنهاء تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي في أقرب وقت.
كما تفيد مصادر رسمية في بورتسودان نفسها أن القاهرة وظفت دبلوماسيتها خلال الفترة السابقة لدعم السودان في المنظمات الدولية والإقليمية، بمساعدة الدول المؤثرة في المشهد السوداني.
وبحسب مصادر متطابقة، واجهت الحكومة السودانية صعوبات في التعامل مع ليبيا، حيث كان موقف رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس مستقرا في التعامل مع الأزمة، وأبدا استعدادا للتعاون ورغبة في لعب دور لحلها.
لكن في المقابل، توسعت علاقات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا مع حميدتي، وتحدثت تقارير الأمم المتحدة أن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها اعتمدت على خطوط إمداد عسكرية جديدة تمر عبر عدة دول، وكان من بينها ليبيا.
وخلال جلسة سابقة لمجلس الأمن، اتهم مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، كتيبة "سبل السلام" التابعة لقوات شرق ليبيا، المتمركزة في مدينة الكفرة المتاخمة للحدود السودانية، بإيصال شحنات ذخائر ومدافع هاون لقوات الدعم السريع، غير أن حفتر نفى ورفض اتهامه بذلك.
ووضعت السلطات السودانية حفتر في موقف حرج بعدما بعثت له معلومات وأدلة موثقة تؤكد تقديم قواته دعما لوجستيا للدعم السريع، عبر شحنات أسلحة ومعدات عسكرية ومركبات قتالية ومرتزقة، كما تم أسر مقاتلين ليبيين قناصين مع قوات "حميدتي".
بعد شهرين من اندلاع الحرب في السودان، طالب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتطبيق حظر للطيران في السودان، وقال إن البلاد تعاني من فراغ في القيادة، لكنه استقبل "حميدتي" بطريقة رسمية، وهذا أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين.
وبعد تواصل أمني، تم فتح نافذة للحوار، ودفع تمدد الحرب في السودان واقترابها من الحدود الإثيوبية آبي أحمد لإعادة تقييم علاقته مع مجلس السيادة السوداني، ووصل في يوليو/تموز إلى بورتسودان كأول مسؤول كبير يزور عبد الفتاح البرهان في عاصمته الإدارية المؤقتة منذ بدء الأزمة السودانية، وهذا شكل تحولا في علاقات الدولتين التي تمضي للاستقرار والتعاون.
في أول أسابيع الحرب، تبنى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي موقفا يدعو لدعم الجيش السوداني، وزار مخيمات اللاجئين السودانيين الذين احتموا ببلاده، ودعا شعبه لـ"مقاسمتهم اللقمة"، لكنه بعد أسابيع أخرى انقلب موقفه بصورة كاملة.
وتحولت تشاد إلى قاعدة لاستقبال الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع، واتهمها وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم قبل 3 أيام بأنها صارت جزءا من العدوان على بلاده، كما تبادل البلدان في وقت سابق طرد دبلوماسيين.
وتعتقد مصادر أمنية ودبلوماسية متطابقة أن التحول في الموقف التشادي يأتي على خلفية إغراءات مالية واستثمارية، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد، رغم رفض قيادات عسكرية وسياسية تشادية لموقف الرئيس ديبي، الذي بادر بعزل بعضهم مؤخرا.
وكشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، الاثنين الماضي، أن قرار تشاد بإلغاء التعاون العسكري مع فرنسا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ينبع من تصاعد التوترات بشأن الصراع الدائر في السودان.
وذكرت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من ديبي خلال قمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية في باريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي "الحفاظ على الحياد" في الصراع السوداني.
وتصاعدت التوترات أكثر عندما كرر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل باروت دعوة ماكرون لتشاد بالحياد، خلال زيارته إلى نجمينا في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واعتبر ديبي هذا الأمر بمثابة إلقاء محاضرات، فرد بإنهاء اتفاقيات التعاون العس ....