آخر الأخبار

كيف تؤثر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الموجودة في أجسامنا على صحتنا؟

شارك
مصدر الصورة

لقد عُثر على جسيمات بلاستيكية دقيقة حتى داخل عظامنا، ولكن ما تأثيرها على صحتنا؟ إليك كل ما نعرفه عن تأثيرها على أجسامنا.

يحتضن حقل في ركن هادئ من مقاطعة هيرتفوردشاير، على بُعد ساعة بالسيارة شمال العاصمة البريطانية لندن، أطول التجارب الزراعية في العالم.

بدأ هذا المشروع الأرستقراطي ومالك الأراضي "جون بينيت لويس"، الذي أصبح لاحقاً رائداً ناجحاً في مجال الأسمدة الحديثة، وكان الهدف اختبار أفكار مختلفة لزيادة إنتاج القمح. ولكن بدون مساعدة التكنولوجيا الحديثة، كانت الوسيلة الوحيدة لتخزين البيانات هي جمع عينات دقيقة من حبوب القمح المجففة والقش والتربة من الحقل، وتعبئتها في زجاجات.

عندما بدأ هذا المشروع في العصر الفيكتوري عام 1843، لم يكن لويس يتوقع أن يستمر هذا التقليد لمدة 182 عاماً أخرى، ما أدى إلى إنشاء أرشيف مميز للعينات. تُحفظ هذه المجموعة الآن في مركز "روثامستيد" للأبحاث في بلدة "هاربندن"، وهي تعكس العديد من التغييرات التي أحدثها النشاط البشري على كوكب الأرض خلال القرنين الماضيين.

يقول آندي ماكدونالد، الأمين الحالي على الأرشيف في مركز روثامستيد للأبحاث، والمعروف بين زملائه باسم "حارس الزجاجات"، إن العينات التي جُمعت خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تحتوي على آثار إشعاعية، تعكس آثار تجارب الأسلحة النووية في تلك الحقبة. ولكن هناك سجل آخر غير مرغوب فيه يمكن العثور عليه في هذه القوارير من التربة القديمة، وهو أول ظهور للجسيمات البلاستيكية الدقيقة.

وفقاً لتقدير شهير، قد نستهلك ما يصل إلى 52 ألف قطعة بلاستيكية دقيقة سنوياً، ورغم التشكيك في هذا الرقم الدقيق لاحقاً، فمن الواضح أنها تدخل جسم الإنسان بكميات كبيرة. سواءً جرى تناولها من خلال طعامنا أو السوائل التي نشربها أو امتصاصها من الهواء الذي نتنفسه، فقد أصبحت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة منتشرة في كل مكان. لقد عُثر عليها في سوائل الجسم، من اللعاب والدم إلى البلغم وحليب الأم، بالإضافة إلى مجموعة من الأعضاء، بما في ذلك الكبد والكلى والطحال والدماغ وحتى داخل عظامنا. وقد أشار هذا التوافق المستمر للأدلة إلى سؤال واحد: ما تأثير كل هذا البلاستيك على صحتنا تحديداً؟

في العينات المحفوظة في مركز روثامستيد للأبحاث، يقول ماكدونالد إن هناك خطاً فاصلاً واضحاً بين ما قبل وبعد بداية عصر البلاستيك. ويضيف: "بدأ استخدام البلاستيك في المجتمع على نطاق واسع في عشرينيات القرن الماضي تقريباً، ونشهد زيادة كبيرة منذ الستينيات فصاعداً".

"لا بد أن بعضها انتهى به المطاف في التربة من خلال الترسُّب الجوي، ويمكنك أيضاً تخيّل جزيئات بلاستيكية دقيقة تتساقط من إطارات الجرارات".

مصدر الصورة

يُعتقد اليوم أن البشر حول العالم يبتلعون ويستنشقون جسيمات بلاستيكية دقيقة، أكثر من أي وقت مضى في التاريخ المسجل.

في دراسة نُشرت عام 2024، وجد العلماء أن استهلاك هذه الجسيمات قد ازداد ستة أضعاف منذ عام 1990، لا سيما في مختلف البؤر العالمية الساخنة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، وأجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الاسكندنافية.

لكن معرفة كيفية تأثيرها على صحتنا أثبتت أنها مسألة معقدة. إحدى طرق اكتشاف ذلك هي ما يُعرف في الأوساط الطبية باسم "تجربة التحدي البشري". عادةً ما تُجرى هذه التجربة في مجال الأمراض المُعدية، وتتضمن موافقة المشاركين على الإصابة عمداً بمُسبب مرض، لمساعدة العلماء على فهم آثاره على جسم الإنسان بشكل أفضل.

وهكذا، في أوائل عام 2025، دخل ثمانية متطوعين شجعان مختبراً في وسط لندن، وابتلعوا طوعاً محلولاً من البلاستيك الدقيق مقابل رسوم رمزية. مثّلت هذه الدراسة على وجه الخصوص، التي موّلتها مؤسسة مينديرو، أول تجربة تحدٍّ كهذه تُجرى باستخدام البلاستيك- على الرغم من أن النتائج لم تُنشر بعد.

كان لدى من شُخّصوا بالخرف قبل وفاتهم ما يصل إلى عشرة أضعاف كمية البلاستيك في أدمغتهم مقارنةً بمن لا يعانون من هذه الحالة.

ووفقاً لستيفاني رايت، الباحثة في إمبريال كوليدج لندن التي قادت التجربة، فإن المفهوم هو أن الكثير منا يُجري هذه التجربة نفسها على أجسامنا يومياً دون قصد.

استنسخ الفريق بعض الطرق الشائعة التي يبتلع بها الكثير منا البلاستيك الدقيق، على سبيل المثال غمس أكياس الشاي البلاستيكية المغلقة في الماء الساخن، أو تسخين السوائل في الميكروويف في وعاء بلاستيكي، قبل مطالبة المتطوعين بشرب السوائل ثم محاولة متابعة ما يحدث بعد ذلك.

تقول رايت: "نعلم أن التسخين والماء الساخن هما أسوأ سيناريوهات ابتلاع البلاستيك، وهذا يُسهّل إطلاق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من المواد البلاستيكية شائعة الاستخدام". وتضيف: "لذلك، ندرس بعض هذه السيناريوهات ونحاول معرفة عدد هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تُمتص فعلياً عبر أمعائنا وتعود إلى الدم".

ولتقييم ذلك، قامت رايت بقياس دم المتطوعين في نقاط زمنية متكررة على مدار 10 ساعات. ستوفر هذه البيانات، عند نشرها في وقت لاحق من هذا العام، أول معلومات ملموسة عن التركيزات النموذجية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تنتشر في أجسامنا بعد تناول كوب من الشاي أو وجبة جاهزة في الميكروويف، وعن حجمها.

ترى رايت أن هذه المعلومات ستمثل خطوة أخرى على طريق فهم أفضل، للمخاطر الصحية المحتملة للشخص العادي. وتتوقع أن تكون أنواع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تصل إلى مجرى الدم هي الجسيمات الأصغر، ولكن على الرغم من مجموعة من الدراسات على الحيوانات وأنابيب الاختبار، لا تتوفر لدينا تقريباً أي بيانات حول كيفية تأثير جرعة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على شخص سليم.

مصدر الصورة

تقول رايت: "نحتاج إلى معرفة الكمية التي تعود إلى أجسامنا، مقارنةً بما تم تناوله في الأصل. ثم يكمن القلق الأكبر في أين ينتهي بها المطاف، وهل تتراكم في مكان ما؟ من غير المرجح أن يكون جسمنا قادراً على تفكيكها تماماً. وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى التهاب مزمن وندوب في الأنسجة يُضعف وظائف الأعضاء؟".

يمكن القول إن هذه الأسئلة بالغة الأهمية، ففي العام الماضي، صدرت دراسات مختلفة أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الطبية.

في أواخر عام 2024، اكتشف باحثون صينيون جسيمات بلاستيكية دقيقة داخل عينات من العظام والعضلات الهيكلية لدى مجموعة من المرضى، الذين خضعوا لجراحة استبدال المفاصل، إما في المِرفق أو الورك أو الكتف.

في الدراسة، أعرب العلماء عن قلقهم إزاء هذه النتيجة، مُتكهّنين بأن وجود جسيمات بلاستيكية دقيقة داخل العظام أو العضلات قد يؤثر على قدرة الفرد على ممارسة الرياضة، مع دراسات أخرى تُظهر أن أنواعاً معينة من هذه الجسيمات قد تُعيق نمو خلايا العظام أو العضلات.

جاء ذلك في أعقاب دراسة أخرى نُشرت في أوائل عام 2024، حيث عثرت مجموعة من الباحثين الإيطاليين على جسيمات بلاستيكية دقيقة في لويحات الشرايين السباتية- وهي زوج من الأوعية الدموية الرئيسية التي تُوصل الدم إلى الدماغ- لدى أشخاص مصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية في مراحلها المبكرة. وقد ربط هذا وجودها بتفاقم تطور المرض. خلال السنوات الثلاث التالية، كان الأفراد الذين يحملون هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الترسّبات الدهنية أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية، أو النوبة القلبية أو الموت المفاجئ بمقدار 4.5 أضعاف.

ثم في فبراير/ شباط 2025، عثرت مجموعة أخرى من العلماء على جسيمات بلاستيكية دقيقة في أدمغة جثث بشرية. والأمر اللافت للنظر هو أن أولئك، الذين شُخّصوا بالخرف قبل وفاتهم، كانت لديهم كمية من البلاستيك في أدمغتهم تصل إلى 10 أضعاف مُقارنةً بمن لا يُعانون من هذه الحالة. ويقول ماثيو كامبن، أستاذ علم السموم بجامعة نيو مكسيكو والذي قاد هذه الدراسة: "لقد صُدمنا".

مصدر الصورة

فيما يتعلق بالدماغ، يعتقد كامبن حالياً أن جزيئات بلاستيكية دقيقة تدور في مجرى الدم قد تتحكم في عملية الأيض العالية للدماغ، وتتسلل إلى جهازنا العصبي المركزي، مستغلةً الدهون المعروفة باسم "الليبيدات" التي يحتاجها الدماغ للحصول على الطاقة.

ويقول كامبن: "نعتقد أيضاً أن ارتفاع نسبة الليبيدات في الدماغ، وخاصةً في المادة البيضاء، يُهيئ بيئة مثالية لهذه المواد البلاستيكية". ويضيف: "يتميز الدماغ أيضاً بآلية تطهير بطيئة للغاية، وفي حالات الخرف، يضعف حاجز الدم الدماغي (المصمم لمنع دخول الأجسام الغريبة إلى الدماغ)، مما يُساعد على امتصاص المواد البلاستيكية".

لكن كلاً من كامبن والباحثين الإيطاليين، الذين وجدوا جسيمات بلاستيكية دقيقة في الشرايين السباتية، لم يصلوا إلى حدّ ادعاء وجود صلة سببية مباشرة بين الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والخرف أو أمراض القلب. بدلاً من أن تكون هذه الجزيئات البلاستيكية عاملاً مُسبباً وحيداً لهذه الأمراض، يعتقدون أن الأرجح أن هذه الجزيئات تتعاون مع عوامل أخرى تُسبب اعتلال الصحة، مُسببةً عبئاً إضافياً على أجهزة الجسم على مدار سنوات عديدة.

تقول فاي كوسيرو، أستاذة التلوث البيئي بجامعة بورتسموث في بريطانيا، عن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في أجسامنا: "إنها ليست الأسبستوس (مجموعة ألياف معدنية). لن تُسبب ضرراً مُحدداً بشكل فوري، ولكن من المُرجح أنها ستُلحق الضرر بخلاياك وتُشكل عبئاً على صحتك العامة، مما يزيد من احتمالية إصابتك بالأمراض".

أحد التحديات الفريدة التي تُواجه محاولة ربط الجزيئات البلاستيكية الدقيقة بالأمراض المزمنة، مُقارنةً بعوامل الخطر المعروفة الأخرى، مثل الإفراط في تناول اللحوم الحمراء أو الدهون المُشبعة، هو أن هذا المصطلح المُفرد يشمل عالماً من التعقيد اللامتناهي تقريباً.

لقد وجدت الدراسات التي أُجريت على المياه المُعبأة، على سبيل المثال، أن لتراً واحداً من المياه يُمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 240 ألف جزيء مُختلف من البلاستيك بأبعاد ومواد متفاوتة. من بين هذه الأنواع، حدّد الباحثون ما لا يقل عن سبع فئات مختلفة من البلاستيك، تتراوح من نوع من النايلون يُسمى "البوليامايد" إلى البوليسترين.

تقول فيرينا بيتشلر، الأستاذة المساعدة في الكيمياء الصيدلانية بجامعة فيينا، بالنمسا: "هناك أنواع عديدة من البلاستيك، لكل منها تركيبات مختلفة تتحلل إلى أشكال وأشكال متنوعة". وتضيف: "لا يعكس مصطلح (الجسيمات البلاستيكية الدقيقة) مدى تنوع ما نتعامل معه".

ويتمثل التحدي الآخر، الذي يواجه باحثين مثل بيتشلر، في أن أنواع المواد البلاستيكية الدقيقة المختلفة قد تؤدي لنتائج مختلفة تماماً، لدى كل شخص. وتشير إلى أن الأبحاث أشارت إلى أن بعض جزيئات البلاستيك يمكنها امتصاص السموم البيئية، وحمل المعادن الثقيلة، بينما قد تتفاعل مواد كيميائية مختلفة تُضاف إلى البلاستيك مع شبكة الهرمونات في الجسم.

قد تكون الجسيمات البلاستيكية النانوية (جسيمات بلاستيكية يقل حجمها عن ميكرومتر واحد)، وهي أصغر بكثير من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي يبلغ طولها خمسة ملليمترات أو أقل، أكثر ضرراً لأنها صغيرة بما يكفي لتتمكن من عبور الأغشية الخلوية والتجمع داخل الخلايا.

وُجد أن بعض هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تُشكل مركزاً، لما يُسمى بجينات مقاومة مضادات الميكروبات، والتي يُمكنها التفاعل مع البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات لتُكسبها مقاومة ضد الأدوية.

تقود كوسيرو حالياً مشروعاً في أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)، يجمع عينات من كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي المُصرّفة في المحيط من قِبل سفن الرحلات البحرية، بهدف فهم أفضل لأنواع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تميل إلى إيواء هذه الجينات.

تقول كوسيرو: "يبدو الأمر غريباً، لكن أنتاركتيكا لديها أقل كمية من جينات مقاومة مضادات الميكروبات، لذا فهي منطقة جيدة للبحث فيها، نظراً لقلة الضوضاء الناجمة عن عوامل أخرى".

يقول رافاييل مارفيلا، أستاذ الطب الباطني وباحث الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في جامعة كامبانيا لويجي فانفيتيلي في نابولي، إنه يشتبه في أن كلاً من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية قد يُسببان تسارع الشيخوخة.

يعتقد مارفيلا أنهم قادرون على تحقيق ذلك بطرق عدة، بما في ذلك إحداث خلل في الأوعية الدموية، ما يُسبب عبئاً متزايداً من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، بالإضافة إلى تغيير سلوك الخلايا في الأعضاء الداخلية من خلال توليد جزيئات مُضرة بالحمض النووي، تُسمى "أنواع الأكسجين التفاعلية". وقد تم بالفعل تحديد هذه الاستجابة الالتهابية لدى الطيور البحرية، ما يؤدي إلى حالة أُطلق عليها اسم "البلاستيكوس"، ويعتقد مارفيلا أنه من المعقول أن يحدث هذا أيضاً لدى البشر.

هذا رأيٌ تُشاركه بيشلر، التي انجذبت لأول مرة إلى هذا المجال بعد قراءتها عن التركيزات العالية من البلاستيك الدقيق المُكتشفة في عينات البراز البشري، وتكهنت بأنها قد تكون مرتبطة بارتفاع معدل انتشار سرطان القولون والمستقيم. وقد أثار بحثها اللاحق شكوكها في أن تراكم البلاستيك الدقيق قد يكون له دور في زيادة خطر الإصابة بالسرطان بطريقة ما.

وتقول: "تشير الدراسات إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة قد يكون لها دور في تضخيم الالتهاب، وهو أمر مُقلق. إذا استمرت الاستجابة الالتهابية أو تشجّعَت بنشاط من خلال التعرض المستمر للبلاستيك، فقد يكون لذلك آثار على تكوّن الأورام وتطور المرض".

"على الرغم من أن الدور المُباشر للمواد البلاستيكية الدقيقة في تطوّر السرطان لا يزال قيد البحث، إلا أن قواعد البيانات والدراسات العلمية الحالية تُشير إلى وجود صلة مُحتملة".

ونظراً لاستهلاك البشر لأنواعٍ مُختلفةٍ من البلاستيك، تقول رايت إنه من غير المُحتمل وغير العملي، في غياب مصادر تمويلٍ ضخمة، أن يتمكن الباحثون من تحديد صلةٍ مُباشرة بين تناول المواد البلاستيكية الدقيقة ومرضٍ مُحدد. هذا يختلف عن مُلوِّث بيئي كدخان التبغ، الذي ثَبُتَ أنه يُسبِّب سرطان الرئة.

تقول رايت: "إنَّ تنوُّع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في البيئة يعني أنه لا يُمكن اختبار جميع الاحتمالات، لأنَّ ذلك سيتطلب إجراء مئات التجارب".

يرى مارفيلا أنَّ السبيل الأكثر عمليةً للمضي قدماً هو محاولة تحديد حدودٍ، لما يُمكن لأجسامنا تحمُّله بأمان قبل أن يُصبح خطر السُّمِّية والضرر مرتفعاً للغاية.

ويقول إن فريقه يعمل حالياً على تحقيق هذا الهدف، مضيفاً: "ليس لدينا حتى الآن حدٌّ نهائيٌّ للسُّمِّية، لكننا بدأنا نرى أنماطاً. على سبيل المثال، تشير البيانات الأولية من النماذج الحيوانية إلى أن التعرض المزمن لجرعات، تتراوح بين 10 و100 ميكروغرام (جزء من مليون من الغرام)، من البلاستيك الدقيق لكل كيلوغرام من وزن الجسم يومياً، يمكن أن يُسبب تغيرات التهابية وأيضية قابلة للقياس".

ومع ذلك، أُجريت هذه الدراسة حتى الآن على الفئران، ويوضح مارفيلا أن تطبيق النتائج على البشر أمر معقد.

وتقول كوسيرو إن الخطر قد يختلف أيضاً تبعاً للحالة الصحية الأساسية للشخص، حيث يكون كبار السن أو من يعانون من مشكلات صحية أساسية أكثر عرضة، بشكل ملحوظ، لتأثيرات المواد البلاستيكية الدقيقة.

مصدر الصورة

أشارت دراسات بحثية بالفعل إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة أو النانوية، التي يبتلعها مرضى السرطان، قد تؤثر على نجاح العلاج، إذ تستطيع هذه الجسيمات الدقيقة تغيير سلوك أدوية السرطان في الجسم.

وتحاول كوسيرو الآن، بالتعاون مع فريقها في جامعة بورتسموث، فهم ما إذا كانت جرعات معينة من المواد البلاستيكية الدقيقة تُشكّل خطراً أكبر، على الأشخاص المصابين بالربو المزمن أو غيره من أمراض الجهاز التنفسي طويلة الأمد.

تقول كوسيرو: "مع الربو، نعلم أن جودة الهواء أمر بالغ الأهمية، وهي إحدى المشاكل الرئيسية التي تُسبب نوبات الربو. وإذا كانت جزيئات البلاستيك أسوأ بقليل من الجزيئات الأخرى في الهواء، فعلينا محاولة تقليل تعرضهم لها".

لتحقيق ذلك، تخطط كوسيرو لفحص عينات من البلغم، وهو المخاط السميك الذي يُخرج من الرئتين والمجاري الهوائية عند السعال، لمعرفة ما إذا كانت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة بكميات كبيرة بشكل خاص عند تفاقم الأعراض لدى المرضى. كما تزور منازل المرضى المُعرّضين للخطر لقياس جودة الهواء، وتكوين فكرة عن أنواع الجسيمات البلاستيكية التي يتنفسونها، ثم اختبار تأثير تلك الجسيمات على عينات من خلاياهم.

في النهاية، ومثل العديد من الباحثين في مجال الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، تأمل كوسيرو في جمع بيانات كافية لتتمكن من التواصل مع مصنعي البلاستيك، وتقديم توصيات حول كيفية جعل منتجاتهم أكثر أماناً.

تقول كوسيرو: "نعلم أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة في كل مكان، حتى في الأماكن المغلقة. إذا كانت في الهواء، فأنت لا تزال تستنشق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بمستويات منخفضة أثناء النوم".

"لذلك نود، إن أمكن، التحدث مع الشركات المصنعة حول كيفية تجنبها، وما إذا كان بإمكانهم التوقف عن تصنيع بعض أنواع البلاستيك بالأساس".

"على سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص الذين يذهبون إلى المستشفى لتلقي العلاج من أمراض الجهاز التنفسي، تكون الأقنعة والأنابيب بلاستيكية. فهل يمكننا إيجاد بدائل أفضل تمنع دخولها إلى المنظومة من الأساس؟".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار