منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت حركة مقاطعة عالمية واسعة تستهدف العلامات التجارية الكبرى الداعمة لإسرائيل ، خاصة في الدول العربية والإسلامية.
وانعكس هذا الحراك على أداء كبريات الشركات العالمية، مخلّفا خسائر مالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.
يمثل العالم الإسلامي سوقا ضخما ومتناميا، إذ يقدَّر عدد سكانه بنحو ملياري نسمة يشكلون نسبة وازنة من المستهلكين عالميًا. وقد أظهر المستهلك المسلم وعيًا متزايدًا بأهمية قوته الشرائية، التي تحولت إلى أداة ضغط اقتصادي لإقناع الشركات متعددة الجنسيات بمراعاة مبادئه وقضاياه.
ولم يقتصر نطاق هذه المقاطعة على العرب والمسلمين فقط، بل امتد ليشمل متضامنين من خلفيات وجنسيات مختلفة حول العالم، يتقاطعون في دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني وسعيه نحو الحرية وتقرير المصير .
ويستمد هذا التضامن شرعيته من تجارب تاريخية مشابهة، أبرزها حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا . وهكذا، أصبحت حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل ذات أثر عالمي ملموس، يعكس قدرة الأفراد والمجتمعات على إحداث تحولات اقتصادية كبرى.
وفي هذا السياق، نستعرض أبرز 7 علامات تجارية كبرى تكبدت خسائر ملموسة نتيجة لهذه المقاطعة:
تعرضت سلسلة مقاهي ستاربكس لموجة مقاطعة واسعة في عدد من الدول العربية والإسلامية، وكان الأثر الأبرز في ماليزيا. فقد أعلنت شركة برجايا للأغذية (Berjaya Food)، المملوكة لرجل الأعمال الماليزي فينسنت تان والمشغلة لامتياز ستاربكس هناك، عن تسجيل خسائر صافية قياسية بفعل عزوف المستهلكين.
وبحسب بيانات الشركة، ارتفعت الخسائر الصافية إلى 292 مليون رينغيت (69 مليون دولار) للسنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران 2025، مقارنة بـ91 مليون رينغيت في العام السابق، في حين تراجعت الإيرادات بنسبة 64% لتبلغ 477 مليون رينغيت، وفقًا لمجلة فوربس.
وأكدت الشركة أن "المشاعر المستمرة المرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط أثرت على ديناميكيات السوق وأنماط إنفاق العملاء".
وفي المملكة المتحدة، أعلنت ستاربكس عن خسائر بلغت 35 مليون جنيه إسترليني، مع تراجع مبيعاتها بنسبة 4% إلى 525.6 مليون جنيه إسترليني في العام المالي المنتهي في سبتمبر/أيلول 2024، وفق ما نشرته الغارديان.
وعلى المستوى العالمي، خسرت الشركة نحو 11 مليار دولار من قيمتها السوقية بسبب تراجع المبيعات وحملات المقاطعة، مما أدى إلى محو نحو 9.4% من القيمة الإجمالية للشركة، بحسب مرصد الأعمال وحقوق الإنسان .
بدأت المقاطعة الواسعة لسلسلة مطاعم ماكدونالدز عقب إعلان الشركة في "الأراضي الفلسطينية المحتلة" عن تقديم آلاف الوجبات المجانية للجنود الإسرائيليين. وقد أثار ذلك موجة غضب واسعة خاصة في الدول العربية والإسلامية، أدت إلى عزوف المستهلكين بشكل ملحوظ.
وأعلنت الشركة تسجيل أول تراجع في مبيعاتها الفصلية عام 2023 منذ نحو 4 سنوات، نتيجة ضعف الأداء في قسم الأعمال الدولية، مع تأكيد وكالة رويترز أن الصراع في الشرق الأوسط كان عاملا رئيسيًا في هذا التراجع.
وفي مكالمة للمستثمرين، قال الرئيس التنفيذي كريس كيمبزينسكي إن الشركة تأثرت في أسواق عدة مثل ماليزيا وإندونيسيا وفرنسا ، بينما كانت أكبر الضربات في الشرق الأوسط.
وأضاف: "ما دامت هذه الحرب مستمرة… لا نتوقع أي تحسن جوهري في هذه الأسواق".
واستمرت التداعيات خلال الربع الأول 2025، حيث أعلنت ماكدونالدز عن انخفاض مبيعاتها في الولايات المتحدة بنسبة 3.6%، وفي الشرق الأوسط بنسبة 3.5%، وعلى المستوى العالمي بنسبة 1%.
كما تراجعت الإيرادات بنسبة 3% إلى 5.96 مليارات دولار، مقارنة بـ6.17 مليارات دولار في 2024، وانخفض صافي الدخل بنسبة مماثلة إلى 1.868 مليار دولار.
تأثرت شركة أمريكانا، أكبر مشغل لامتيازات الوجبات السريعة في الشرق الأوسط، بشكل مباشر بحملات المقاطعة التي استهدفت علامات مثل كنتاكي وكريسبي كريم.
وتراجعت أرباحها الصافية بنحو 40% خلال 2024 لتبلغ 159 مليون دولار فقط، نتيجة عزوف المستهلكين في المنطقة عن المطاعم المرتبطة بالولايات المتحدة.
وفي تصريح لصحيفة فايننشال تايمز، قال رئيس مجلس الإدارة محمد العبار: "لا ألوم الناس على عواطفهم"، مشيرًا إلى أن الشركة اضطرت لتقليص النفقات والبحث عن فرص استحواذ محلية جديدة لتخفيف أثر الخسائر.
أنفقت شركتا كوكاكولا وبيبسي عقودًا من الزمن لترسيخ وجودهما في أسواق العالم الإسلامي. غير أن العدوان على غزة فجّر موجة مقاطعة أعادت تشكيل ديناميكيات السوق.
في مصر ، شهدت مبيعات كوكاكولا تراجعًا ملحوظًا عام 2024، بينما تضاعفت صادرات العلامة المحلية "في7" 3 مرات نحو الشرق الأوسط. كما ارتفعت مبيعات "ماتريكس كولا" الأردنية بنسبة 200% منذ ديسمبر/كانون الأول 2023.
وبحسب بيانات شركة نيلسن آي كيو، سجلت العلامات الغربية للمشروبات الغازية انخفاضًا إجماليًا في المبيعات بنسبة 7% في النصف الأول من 2024 عبر الشرق الأوسط، في وقت بلغت فيه قيمة سوق المشروبات الغازية في الشرق الأوسط وأفريقيا 21.7 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعها إلى 26.3 مليار دولار بحلول 2032.
تعرضت سلسلة متاجر كارفور الفرنسية لضغوط المقاطعة الشعبية في عدة دول عربية، مما أجبرها على إعادة هيكلة وجودها.
ففي الأردن ، أعلنت شركة ماجد الفطيم، صاحبة الامتياز الإقليمي، عن إغلاق جميع فروع كارفور في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وإعادة افتتاحها تحت علامة جديدة هي "هايبر ماكس". وفي عُمان، تم إيقاف جميع العمليات اعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2025.
ووفق كرونيكل فلسطين ، تراجعت أرباح كارفور الصافية من 1.66 مليار يورو إلى 723 مليون يورو فقط، أي بخسارة قدرها 937 مليون يورو، ما يمثل انخفاضًا بأكثر من 50%.
في قطاع التقنية، واجهت شركة إنتل خسائر مباشرة وغير مباشرة نتيجة المقاطعة. فقدرت مينا نيوز خسائرها السنوية بنحو 200 مليون دولار في أسواق المنطقة.
وفي يونيو/حزيران 2024، أعلنت الشركة تعليق مشروع ضخم لبناء مصنع بقيمة 25 مليار دولار في "كريات جات"، واعتبرته حركة المقاطعة "أكبر انتصار لها حتى الآن".
ورغم عدم صدور أرقام رسمية، يُرجح أن تعليق المشروع يمثل خسارة استثمارية قد تصل إلى مليارات الدولارات.
واجهت سلسلة دومينوز بيتزا اتهامات بتقديم دعم مباشر للجنود الإسرائيليين، مما انعكس سلبًا على سمعتها في آسيا.
وسجلت الشركة انخفاضًا بنسبة 8.9% في مبيعات المتاجر نفسها خلال النصف الثاني من 2023 في ماليزيا، إلى جانب تراجع قيمة أسهمها المدرجة في البورصة الأسترالية بما يعادل خسارة سوقية تجاوزت 1.5 مليار دولار.
وبحسب ميدل إيست مونيتور، تكبدت الشركة أول خسارة سنوية منذ عقود، بلغت 3.7 ملايين دولار أسترالي (2.4 مليون دولار أميركي) في يونيو/حزيران 2025، نتيجة إغلاق متاجر عدة في آسيا تحت ضغط المقاطعة.