آخر الأخبار

قانون العمل الجديد في مصر: جدل حول القانون، هل هو لصالح العمال أم أصحاب الأعمال؟

شارك
مصدر الصورة

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، وافق مجلس النواب المصري مؤخرا على قانون العمل الجديد الذي قدمته الحكومة. ورغم أن القانون مر بمراحل عديدة من النقاش والتعديل، إلا أنه قوبل بانتقادات لاذعة من عدد من منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية، التي رأت أن القانون لا يحقق التوازن المنشود بين حقوق العمال وأصحاب العمل.

بينما ترى الحكومة المصرية أنه "سيحقق المصلحة للجميع"، كما سيساهم في جذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد، وفق ما قاله وزير العمل محمد جبران في اتصال هاتفي مع أحد البرامج التلفزيونية.

وكانت الحكومة المصرية تقدمت بمشروع قانون العمل الجديد للمرة الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعدما سحبته منذ عامين من مجلس النواب، بعد مواجهة اعتراضات مجتمع الأعمال.

ومن المفترض أن يصدق رئيس الجمهورية على القانون الجديد وينشر في الجريدة الرسمية قبل تطبيقه على نحو 30 مليون عامل في القطاع الخاص يشكلون نسبة 82.3% من إجمالي العاملين في مصر، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء، بينما لا يسري على العاملين بقطاع الأعمال الحكومي إلا في بعض أحكامه، كما لا يسري على عمال الخدمة المنزلية الذين سيصدر بشأنهم قانون مستقل.

العلاوة السنوية والتضخم

تنص المادة 12 من قانون العمل الجديد على استحقاق العاملين بعد سنة من تعيينهم على علاوة سنوية دورية لا تقل عن 3% من الأجر التأميني، بدلا من نسبة الـ 7% من الأجر الأساسي في القانون الحالي في ضوء القواعد التي يصدرها المجلس القومي للأجور.

وذكرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في ورقة بحثية بعنوان: "ما العمل في قانون العمل؟" أن القانون الجديد يمثل امتدادًا لسياسات تميل لأصحاب الأعمال والمستثمرين على حساب العمال، في وضع تتراجع فيه مستويات المعيشة عند العاملين بأجر، وتزيد معدلات الفقر بينهم، ويتراجع نصيبهم من الناتج المحلي الإجمالي.

يرى مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة، وائل جمال، أن إقرار العلاوة السنوية بنسبة زيادة 3% من الأجر التأميني القليل مقارنة بالأجر الأساسي في بلد مثل مصر تتزايد فيه معدلات التضخم، يعني استمرار تآكل قيمة الأجور الحقيقية وهو ما يحدث منذ 25 عاما، ما أثر سلبا على حياة المواطنين ومستواهم الاجتماعي والمعيشي.

ويتابع جمال أن مشروع القانون يتجاهل ربط الأجور بمعدل التضخم ومستوى الأسعار، بما يخل بـ "تحقيق التوازن والعدالة بين طرفي علاقة العمل" الذي يضعه القانون بين أهدافه، ويرى أنه كان من الأفضل أن يتم ربط العلاوة السنوية بمعدل التضخم السنوي، لضمان الحفاظ على القوة الشرائية للعمال، بحسبه.

ويقول جمال: صحيح أن القانون يشير لضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، لكنه لا يملك أي آلية تنفيذ لذلك.

من جهته، يدافع رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري عادل عبد الفضيل عن تلك المادة ويقول إن النسبة المستحدثة أعلى من حيث القيمة، فهي 3% من الأجر التأميني الذي يزيد بشكل دوري سنويا، عكس الأجر الأساسي الذي لا يزيد إلا بقرار من صاحب العمل أو الحكومة.

ويضيف عبد الفضيل أن العلاوة المنصوص عليها هي الحد الأدنى لحقوق العمال، مما يعني أنه من المتاح لأصحاب الأعمال زيادتها، كما أن للمجلس الأعلى للأجور زيادتها بشكل دوري بما يضمن تحقيق التوازن بين العامل وصاحب العمل، وربط الأجر بالإنتاج.

مصدر الصورة

عدد ساعات العمل لصالح من؟

نص القانون على عدم جواز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات يوميا أو 48 ساعة أسبوعيا، ولا يدخل في حسابها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة، وهو لا يختلف كثيرا عن القانون القديم وهو ما يعتبره وائل جمال "رقم لا إنساني، كما أن الظروف الاستثنائية التي يقل أو يزيد عنها هذا الرقم وفقا لهذا القانون غير واضحة".

ويضيف جمال: في لحظات التضخم المرتفع يعتبر تخفيض عدد ساعات العمل أو أيام العمل من أفضل وسائل زيادة الأجر الحقيقي للعاملين، لكن في المقابل نجد مصر تقر قانون عمل جديد تحتفظ فيه بواحد من أطول ساعات العمل الرسمية في العالم مقابل انخفاضها في العالم المتقدم بـ 40 ساعة أسبوعيا وأقل.

في المقابل، يرى رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري أن القانون يعطي مرونة في زيادة أو نقصان عدد الساعات حسب حاجة العمل.

ويضيف عبد الفضيل أن القانون يوازن بين صاحب العمل والعامل، فمثلما أعطى القانون للعامل حق التمتع بإجازة سنوية، أعطى لصاحب العمل الحق في تحديد مواعيد هذه الإجازة.

مصدر الصورة

هل ينزع القانون سلاح الإضراب؟

نص قانون العمل المصري الجديد على ضرورة إعلان العمال عن مواعيد الإضراب، وإخطار كل من صاحب العمل، والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب ومواعيده، كما يعفي القانون صاحب العمل من الالتزام بسداد أجور العمال خلال فترة إضرابهم.

يرى جمال أن القانون الجديد ينزع السلاح الوحيد من يد العمال وهو الإضراب، "لأنه يضع شرط استنفاد طرق التسوية الودية للمنازعات أولاً، وهي شروط تجعل الإضراب تقريبا مستحيل".

وينص القانون الجديد على حظر الإضراب في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية أو في الظروف الاستثنائية، وهو يثير تساؤلات لدى كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية عن كيفية تحديد طبيعة هذه المنشآت، مطالبًا بوضع إطار قانوني بدلاً من إصدار قرار من رئيس الوزراء لتحديدها، مشيرًا إلى أن نهاية الإضراب يجب أن تحدد من خلال التفاوض وليس وفقًا لمواعيد مسبقة، ومع شرط الموعد المسبق قد يفقد الإضراب شرعيته.

في المقابل يرى عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، أن حق الإضراب منصوص عليه في الدستور المصري، ومصر موقعة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تكفله، وأن القانون الجديد لم يحظره، ولكنه وضع قواعد تنظيمية لكل من الإضراب الجزئي والكلي ونظم مواعيده، حتى لا يُترك على إطلاقه ويعطل عملية الإنتاج.

هل من مزايا جديدة في القانون؟

يقول عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري إن القانون جاء بعد حوار مجتمعي راعى التطورات في سوق العمل في مصر من أجل معالجة الخلل في العلاقة بين العامل وصاحب العمل.

ويعدد عبد الفضيل، مزايا القانون الجديد، مثل وضع مسؤولية رعاية الأطفال على الرجال والنساء على السواء باعتبارهم شركاء في المهام الأسرية من خلال منح العاملة إجازة وضع 4 أشهر بدلا من 3 أشهر في القانون القديم، كما استحدث إجازة 3 أيام للزوج في حالة وضع زوجته.

كما عالج القانون الجديد أنماط العمل الجديدة بما في ذلك العمل عن بعد، والعمل عبر المنصات الرقمية، والعمل لبعض الوقت، والعمل المرن في أوقات غير متصلة، وتقاسم العمل مع أشخاص آخرين مقابل أجر يتفق عليه.

ويتابع عبد الفضيل: كما استحدث القانون نظاما قضائيا متخصصا للفصل في الدعاوى العمالية، بالإضافة إلى إلزام أصحاب الأعمال بضرورة توفير بيئة عمل خالية من التحرش والتنمر.

في المقابل يرى كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، أن القانون نص على بنود كثيرة جيدة لكنه لم يوضح آلية التنفيذ، ويقول إنه لابد من وجود إلزام لرجال الأعمال بالاتفاقات التي يوقعونها مع العمال، ضاربا مثالا باتفاق مع إحدى شركات الأجهزة الكهربائية الكبرى تم توقيعه مرتين بين العمال المطالبين بتحسين الأجور وبيئة العمل، وأصحاب الشركة في مقر وزارة العمل وبحضور وزير العمل الأسبق شخصيا، ولم تلتزم الشركة بتنفيذ الاتفاقين، لذلك يطالب عباس مفتشي وزارة العمل بالقيام بدورهم في مراقبة تنفيذ القانون على الشركات وتوقيع غرامات مالية على المخالفين، بحسبه.

مصدر الصورة

ماذا ينتظر العمال بعد تطبيق هذا القانون؟

ويضع كمال عباس، عدة توصيات يطالب بها الحكومة في القرارات الوزارية القادمة لتنفيذ وتطبيق هذا القانون.

يقول عباس إن القانون ينص على إنشاء محكمة عمالية للفصل في المنازعات، لذلك نطالب الحكومة بالإسراع في إنشاء المحاكم العمالية وألا تكون حبرًا على ورق، لأن المستقبل يبشر بأن حالة الاحتقان في سوق العمل ستظل، بل وسوف تتصاعد لأن القانون الجديد لم يقدم حلولا للقصور في القوانين القديمة.

ويطالب عباس ضرورة بعدم عرقلة إنشاء نقابات مستقلة للعمال، فضلا عن تفعيل الحوار المجتمعي حول قضايا العمل، وتأسيس مجلس تشاوري ينعقد بشكل دوري يضم ما وصفهم ب"ممثلين حقيقيين للعمال"، فلابد من تمثيل النقابات المستقلة وممثلي عمال القطاع الخاص بحيث يكون مجلسًا معبرًا عن القوى العاملة الحقيقية، بحسبه.

ويتابع كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية قائلا عن ضرورة النظر في أزمة العمالة غير المنتظمة "إنه بالرغم من وجود مواد في القانون تهدف إلى دعم هذا النوع من العمالة، إلا أن الآليات المقترحة غير كافية، فمعضلة تسجيل العمالة غير المنتظمة ما زالت قائمة، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين مليوني عامل بينما يقدر عدد العاملين في هذا القطاع بـ 13 مليونًا، وفقًا لأقل الإحصاءات".

وأخيرا يطالب عباس بالإسراع في إصدار قانون خاص بعاملات المنازل، خاصة بعد أن خاطب القانون الجديد عاملات المنازل الأجنبيات فقط، ويقول: نجحنا منذ خمس سنوات في دار الخدمات النقابية العمالية من تقديم مشروع قانون العمالة المنزلية موقع من 60 نائبا برلمانيا ومازال حبيس الأدراج حتى الآن.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار