في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تُعد شركة إنتاج وتوزيع الأفلام الأميركية مترو غولدوين ماير، إحدى أكبر شركات الإنتاج السينمائي في هوليود وأكثرها سطوة، منذ بداية الثلاثينات من القرن الماضي إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. اشتهرت الشركة في مقدمة إنتاجها من الأفلام بصورة الأسد تميمة الشركة.
ابتكر فكرة أسد حي داخل شعار الشركة، مسؤول العلاقات العامة بالشركة، هوارد دايتز، تكريمًا لجامعته الأم جامعة كولومبيا، التي يُطلق على فرقها الرياضية لقب "الأسود" وأضاف أن أغنية القتال الخاصة بجامعة كولومبيا، "زئير، أسد، زئير"، ألهمته جعل الأسد يزأر.
ولد الأسد جاكي عام 1915، وتدرب على يد ميل كونتز، وكان ثاني أسد يُستخدم في شعار شركة مترو غولدوين ماير. "جاكي" أسد بري من منطقة النوبة في السودان، وكان أول أسد لشركة مترو غولدوين ماير يُسجل زئيره، بعد تصويره، حيث استخدمت الشركة على الأقل ثلاثة تسجيلات مختلفة للزئير والزمجرة.
ذكرت مجلة فوربس أن الحصول على تسجيل زئير جاكي "استغرق بضع لقطات، وكلف بعض الميكروفونات المكسورة".
ظهر الزئير لأول مرة عبر سجل غراموفون في أول إنتاج صوتي لشركة مترو غولدوين ماير بعنوان "ظلال بيضاء في البحار الجنوبية" عام 1928. كان جاكي يزأر ثلاث مرات قبل أن يلتفت إلى يمين الشاشة. وفي السنوات الأولى لاستخدام هذا الشعار (1928-1933)، كان هناك إصدار موسع قليلاً، حيث يعود الأسد للنظر إلى الأمام بعد ثوانٍ من الالتفات.
وظهر جاكي في جميع أفلام مترو غولدوين ماير بالأبيض والأسود من 1928 حتى 1956، مستبدلاً الأسد السابق "سلاتس"، وظهر في العناوين الافتتاحية الملونة قليلاً لفيلم ساحر أوز 1939. كما ظهر قبل الرسوم المتحركة بالأبيض والأسود لشركة مترو غولدوين ماير مثل سلسلة فليب الضفدع وويلي ووبّر التي أنتجها استوديو "يو بي لويركز" وكذلك رسوم الكابتن والأطفال في عام 1938-1939.
ويمكن رؤية نسخة ملونة من الشعار في النسخة الملونة لفيلم أطفال في أرض الألعاب 1934، والمعروف أيضا باسم مسيرة الجنود الخشبيين، وظهر إصدار متحرك من الشعار في تقنية الروتوسكوب في رسوم الكابتن والأطفال 1939 بعنوان حديقة البتونيا الطبيعية.
استُقدِم "جاكي" إلى الولايات المتحدة وعمره عام واحد، ليصبح لاحقا أوّل أسد يزأر على الشاشة في زمن الأفلام الناطقة. وُضع جاكي في حديقة "سيلج"، أول حديقة حيوان مرتبطة بالسينما في لوس أنجلوس. وهناك تعرف على ميلين كونس، مدربه الذي أصبح صديقه المقرّب، حتى صار كأنه كلب أليف، يلعب ويتمايل معه كرفيق لا يفارقه.
"جاكي" لم يكن مجرد أسد مدرَّب، بل شريكًا حقيقيًا لمدربه ميلفن كونتز، الذي تبنّاه منذ كان شبلًا. العلاقة بينهما اتسمت بالمرح أكثر من كونها تدريبًا صارمًا، ما جعل عروضهما تبدو طبيعية وعفوية. كونتز نفسه أكد في كتابه "ممثلو الحيوانات البرية" أن المصارعة والقفزات التي اشتهر بها جاكي لم تكن أوامر تعليمية، بل امتدادًا لروح اللعب التي نشأ عليها الأسد، ليتحوّل في النهاية إلى أيقونة تجمع بين القوة والمرح في آن واحد.
ذكرت د. ريم أحمد العمراني، الباحثة بمركز الحياة البرية التابع لهيئة بحوث الثروة الحيوانية في السودان، فروقات واضحة في معدلات أعمار الأسود بين حياتها في البرية وظروف الأسر داخل حدائق الحيوان.
وقالت العمراني في حديثها للجزيرة نت "عادة ما تكون حياة الحيوان في البرية أقصر مقارنة بالحياة داخل الأقفاص، بسبب تعرضه للافتراس والأمراض وغيرها من المخاطر. ففي البرية، يبلغ متوسط عمر الأسد نحو 15 عاماً، بينما قد تصل فترة حياته في الأسر إلى 25 عاماً".
وأوضحت الباحثة أن الأسد ينتمي إلى فصيلة القطط، وهو حيوان ليلي المعيشة ومُهدَّد بالانقراض، مشيرة إلى أن أطول فترة مسجلة لحياة أسد في الأسر بلغت 29 عاماً. كما لفتت إلى روايات غير مؤكدة عن أسد سوداني يُعرف باسم "جاكي" في هوليود، قيل إنه عاش 41 عاماً، وهو ما يُعد أطول عمر مُسجَّل لأسد حتى الآن، رغم أن دقة هذه المعلومات تبقى محل شك.
وأضافت: "اللبوة غالباً ما تعيش فترة أطول من الأسد، علماً بأن الأسود حيوانات اجتماعية تعيش في مجموعات تُعرف باسم "برايد". واللبوة هي التي تتولى مهمة الصيد، وغالباً ما تكون أكثر خطورة في مواجهة البشر، بينما يحافظ الأسد على نطاقه الجغرافي أو ما يُعرف "بالتيرتوري" ويطرد أي حيوان آخر يتعدى على منطقته.
واختتمت العمراني بذكر دراسة أجراها الباحث البنغلاديشي م. أشرف القبيري، تناولت تأثير نوعية الغذاء وفترات النوم على متوسط أعمار الحيوانات، حيث ربطت الدراسة بين قلة فترات النوم وتراجع متوسط الأعمار لدى الأسود وغيرها من الكائنات.
لكن حياة جاكي لم تخلُ من الدراما. فقد نجا من سلسلة كوارث لا تُصدق، ففي خلال جولة وداعية في الولايات المتحدة، تعرض جاكي لعدة حوادث مروعة، بما فيها حادثتا قطاريْن، وانفجار في الاستوديو، وزلزال لونغ بيتش عام 1933 وتحطم طائرة. في الحادث الأخير، تُرك جاكي في قفصه دون ماء كافٍ أو طعام بعد أن خرج الطيار مارتن جنسون بحثًا عن المساعدة. أربعة أيام كاملة مرت قبل وصول رجال الإنقاذ، ليجدوا الأسد على قيد الحياة رغم قسوة الصحراء، في حادثة صُنفت لاحقًا كأحد أكثر المواقف درامية في تاريخ هوليود ومن هنا اكتسب لقب "ليو المحظوظ". كل ذلك جعله أسطورة حقيقية، ليس فقط في السينما، بل حتى في الحياة الواقعية.
توفي "جاكي" في 26 فبراير 1935 بسبب مشاكل في القلب، لكنه عاد إلى الظهور في بداية فيلم "قلوب الغرب" عام 1975، وأيضا في الرسوم المتحركة لفيلم الملاهي ضمن شعار "إم جي إم يو إي" لإصدارات الفيديو المنزلي عام 1993، حيث زأر مرة واحدة فقط مستخدما زئير "تانر".
في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، أعادت شركة مترو غولدوين ماير إصدار بعض أفلامها الصامتة السابقة لعام 1928 مع موسيقى وأصوات مسجلة مسبقاً، مثل "الجشع" 1924 وبن هور 1925 والجسد والشيطان 1926. وفي هذه الإصدارات، اُسْتُبْدِل شعار "سلاتس" الأصلي بشعار جاكي، مما جعل بعض خبراء السينما يظنون أن شعار جاكي كان مستخدماً قبل 1928.
إلى جانب ظهوره في شعار شركة مترو غولدوين ماير شارك جاكي في أكثر من مئة فيلم، بما في ذلك أفلام طرزان التي قام ببطولتها جوني فايس مولر. كما ظهر مع النجمة غريتا غاربو في صورة دعائية شهيرة عام 1926.
في عام 1931، تقاعد جاكي إلى حديقة حيوان فيلادلفيا، حيث وُجد ميتًا في 25 فبراير 1935 بسبب مشاكل في القلب. تُوفي جاكي عن عمر يناهز 20 عامًا.
يُعتبر جاكي رمزًا للسينما الكلاسيكية، حيث جمع بين القوة والرحمة، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية MGM يُلقب بـ"الأسد المحظوظ" نظرًا لنجاته من الحوادث المروعة التي تعرض لها، يظل جاكي، الأسد السوداني، رمزًا للسينما الكلاسيكية، حيث جمع بين القوة والرحمة، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية استوديوهات إم جي إم حيث بقي زئيره وصورته حاضرَين في افتتاحيات الأفلام سنوات.
كتب موقع حديقة فلادلفيا على الإنترنت تحت عنوان "ليو، أسد إم جي إم، يتقاعد في حديقة الحيوان: " بعد مسيرة سينمائية امتدت خمسة عشر عامًا، تقاعد ليو وقضى سنواته المتبقية في حديقة الحيوان حتى وفاته عام 1935. عُثر على ليو في صحراء النوبة وعمره عام واحد، ولُقّب بـ"ليو المحظوظ" بعد نجاته من حادثي قطار، وفيضان، وحريق، وزلزال، وانفجار استوديو، وتحطم طائرة".
ربما لم يحصل جاكي على نجمة في ممشى هوليود، لكنه دون شكّ ترك بصمته في قلوب عشّاق السينما، وبقي زئيره علامة فارقة في تاريخ الفن السابع.