قامت فتاة مصرية تدعى منة قدري برفع الأذان داخل مسجد داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي وهو من المساجد الأثرية في مصر، وجذبت نحوها المتواجدين بصوتها العذب. وأثار مقطع الفيديو الذي انتشر لها على مواقع التواصل الاجتماعي الاهتمام والتساؤل لدى العديد من المصريين عن مدى أحقية المرأة في رفع الأذان في المساجد ، ولكنها في الوقت نفسه تعرضت لهجوم واسع كونه مشهد غير مألوف في المجتمع المصري.
وعلًقت دار الإفتاء المصرية عبر الدكتور هشام ربيع أمين الفتوى على تلك الواقعة أن الأذان من الأشياء التي تختص بالرجال دون النساء، وأنه يحق لها الأذان عند جماعة النساء بشرط ألَّا ترفع صوتها.
الأمر الذي يتفق معه الداعية عبد الله رشدي في حديثه لـ DW عربية، معتبراً أن الأذان مرتبط بالرجال وأن الجهر بصوت المرأة أمر مخالف للسنة النبوية. وأضاف "آذان المرأة يعد خروجا عن أحكام الدين الإسلامي، ولكنه ليس كفراً أو خروجا عن الدين. متابعاً "حتى إذا طالبت وأصًرت المرأة على ذلك فهو خطأ ولن يُسمح به".
في السابق وتحديداً بين عامي 2008 و 2009 طالب أكاديمي أزهري بتخصيص مساجد للنساء يتولين فيها الأذان والصلاة والإقامة والخطبة، كما أباحت الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة الإسلامية وقتها بجواز إقامة المرأة للأذان الأمر الذي أثار حفيظة رجال الدين وقتها، ورغم الزخم الذي حدث حول حقوق المرأة في المجال الديني إلا أن مناقشة تلك الحقوق بدأت تتراجع في ظل مقاومة المؤسسات الدينية لتلك الحقوق.
رجل أثناء أداء الصلاةصورة من: R. Elsayedبهاء محمود، باحث في الحركات الإسلامية يرى في حديه لـ DW عربية، أنه في مصر لا يسمح بإثارة النقاش حول الأمور الفقهية غير القطعية "والتي ليست من ثوابت الإسلام بسبب وجود تراث فكري رجعي"، حتى عندما يُسمح بنقاش جاد يتم اختزاله بين آراء متطرفة في الفكر دون نقاش حقيقي وعميق. وأضاف "هذا الأمر ينطبق على رفع الأذان للمرأة إذ أنه ليس من المحظورات الدينية، ولكن عليه انقسام فكري ولا يسمح بمناقشته". وتابع "في مصر هناك تناقضات في التعامل مع حقوق المرأة بينما تدًعي الحكومة ورجال الدين أن الإسلام كرًم المرأة إلا أن الواقع عكس ذلك حيث تحرم المرأة من كافة حقوقها مثل التوريث كما لا يسمح لها بتولي المناصب السيادية"، حسب رأي محمود.
وحمًل محمود أطرافا عدة مسؤولية "هذا التراجع الفكري"، مشيرا لتيار السلفيين والإخوان داخل الأزهر والذين ـ كما يقول ـ لهم وزن كبير في المجتمع والنخبة المثقفة وهي دائما تخاف مواجهة الأغلبية وأخيراً الحكومات وهي سلطة تقليدية تريد دين محافظ.
ويعتبر رفع الأذان من التابوهات المجتمعية التي عندما يثار النقاش حولها يحدث جدلا كبيرا مثل حالة منة قدري والتي لا يُعرف حتى الآن أسبابها إن كان تعبيراً عن رغبة صادقة في التعبير عن حقها في أن يُسمع صوتها داخل المساجد أم أنه مجرد تريند وسينتهي وقته، ولكنها نجحت في جذب الانتباه إلى مناقشة هذا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع المصري.
ماجدة يوسف (40 عاما) لا ترى في حوارها مع DW أي مانع من أن يكون هناك صوت لأذان المرأة "شريطة أن يكون صوتها قوي وعذب مثل صوت منة بحيث لا يستفز الرجال، ومسألة صوت المرأة عورة أمر لم يعد مقبولاً بعد أن أصبحت المرأة شريك أساسي في المجتمع".
هذا الأمر الذي اعترضت عليه رشا علي(30 عاماً) في حوارها مع DW التي رأت أنه "غير مقبول للمرأة أن تؤذن وأنه محرًم دينياً". واستهزأت من مطالبة النساء بهذا الحق قائلة بعد أن كانت المرأة أقصى طموحاتها الخروج للمنزل والعمل أرتفع سقف مطالبها لأمور غير شرعية، معربة عن قلقها من إثارة تلك الفتن والأمور الدخيلة علينا والتي هي صناعة غربية.
اعتبرت انتصار السعيد، محامية حقوقية في حوارها مع DW عربية، أن أذان المرأة في المسجد هو ممارسة طبيعية لحقها الديني والإنساني في المشاركة الكاملة في الشعائر والفضاء العام للدين وأنه لا يوجد في القرآن الكريم نص صريح يمنع المرأة من الأذان، وما تم تبنيه فقهيًا في عصور سابقة اعتمد غالبًا على اعتبارات اجتماعية وثقافية لا دينية.
عبد الله رشدي، إمام وداعيصورة من: Abdullah Roshdyوتابعت " منع النساء من الأذان يعكس نزعة لإقصائهن من المجال الديني العلني، ويحصر الدين في تجربة ذكورية".
وطالبت بإعادة النظر في هذه الموروثات، والسماح للمرأة بأن تكون صوتًا مسموعًا في الدين كما هي في المجتمع. وأشارت إلى أن السماح للمرأة بالأذان يعيد لها حقها في التواجد المسموع في المجال الديني، الذي لطالما سيطر عليه الذكور لأسباب غير دينية، حسب قول السعيد.
ورأت المحامية السعيد أن المطلوب وجود وعي ديني نقدي يتمثل في أن غياب المنع لا يعني وجود تحريم، وخطاب فقهي تجديدي يعي قراءة النصوص في ضوء قيم العدل والمساواة، وأخيراً مساحات آمنة للتجربة عبر إيجاد مساجد أو دوائر دينية تُفسح المجال للمرأة للأذان كخطوة رمزية، مع حوارات مجتمعية. وفي الختام ترى أن حادثة رفع الأذان فردية مثل هذه قد تثير النقاش في هذا الموضوع من وقت للآخر.
تحرير: عبده جميل المخلافي