آخر الأخبار

غضب الداليت.. هل يتوحد الهندوس المنبوذون مع المسلمين لمواجهة مودي؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

بالنسبة إلى المراقب من الخارج، يبدو المشهد السياسي في الهند، على مأساويته في بعض النواحي، واضحا وبسيطا للغاية: أغلبية هندوسية تصطف وراء رئيس وزراء قومي يميني يقمع هو وحزبه عددا من الأقليات المضطهدة في مقدمتها المسلمون، ويجيّش الجماهير "المتعصبة" ضدهم ضمن طقس ديني سياسي متطرف.

لكن الحقيقة التي أظهرتها الوقائع الأخيرة، ومنها نتائج الانتخابات التي أُجريت في وقت سابق من هذا العام، تشير إلى غير ذلك، حيث تثبت ببساطة أن الهندوس ليسوا كتلة سياسية متجانسة على الطريقة التي يصورها رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه، وأنهم يضمون فئات متعددة، يعارض بعضها حكم مودي، بل إن بعضهم يتعاطف مع المسلمين المضطهدين لأنهم ببساطة يكتوون مثلهم بنيران التطرف الهندوسي ذاتها.

في مقدمة هؤلاء طبقة من يُعرفون بـ"الداليت"، وهم أقلية كبيرة يقدر عددها بالملايين، لكن نظام الطبقات الذي رسخته الهندوسية على مدى أكثر من 3 آلاف عام، دفعهم بقسوة إلى قاع السلم الاجتماعي باعتبارهم فئة منبوذة بحكم إلهي. لكن ذلك لم يمنع النظام الحاكم في الهند وطبقة المتنفذين في البلاد على مدى سنوات من محاولة استمالتهم وتجييشهم لخدمة "النضال المقدس" ضد الإسلام والمسلمين عبر السماح بضمهم للمنظمات الهندوسية المتطرفة، وشحنهم بالمشاعر والأفكار المعادية المسلمين.

خدمت هذه السياسة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند بطرق عديدة، فمن ناحية وفرت له رافدا مهما للحشد المناهض للمسلمين الذي يعد اليوم ركيزة أساسية لحكم مودي، ومن ناحية أخرى وفر الشحن الهوياتي والصراع مع المسلمين ملهاة لطبقة منبوذة تنسيها أوضاعها المزرية في خضم حرب ثقافية ومواجهة طائفية.

ولكن الكثير من المؤشرات تدل على أن هذه الإستراتيجية لم تتكلل بالنجاح إلى حد بعيد، إذ باتت قطاعات واسعة من الداليت ترى في صعود الحزب القومي الهندوسي الحاكم تكريسا لمعاناتها الطبقية المؤسسة على أسس دينية، بل إنها باتت ترى في المسلمين حلفاء "محتملين" في مواجهة الهندوس المتطرفين.

المنكسرون

لفهم معاناة طبقة الداليت وأسرار نبذها علينا أن نعرج سريعا على جذور التقسيم الطبقي في الديانة الهندوسية، التي تنطوي على تقسيم هرمي صارم وفق أسس "روحية"، فالطبقة العليا من العلماء والكهنة خلقت من رأس الإله براهما، وطبقة الحكام والمحاربين خلقت من ذراعه، أما التجار والحرفيون فقد خلقوا من فخذه، ويليهم الفلاحون والعمال الذين خلقوا من قدمه، ثم ما دون ذلك هم طبقة الداليت الذين يعاملون معاملة دون البشر، إذ إنهم جاؤوا للحياة ليعاقبوا على ما فعلوه في حيواتهم السابقة وفق الاعتقاد الهندوسي، وعليهم أن يقوموا بالمهام التي لا تريد الطبقات العليا "تلويث" نفسها بالقيام بها.

تظهر هذه الفكرة حتى في الأصول اللغوية لكلمة "داليت" التي تعني المضطهدين أو المنكسرين أو المسحوقين، وهو الاسم الذي اختارته هذه الطبقة لنفسها تمردا على الاصطلاحات الهندوسية التي كانت تفضل وصفهم بـ"المنبوذين". ويُعتقد أن أعداد الداليت تتراوح بين 200 و250 مليون شخص، مما يجعلهم أقلية في الهند التي يقارب عدد سكانها اليوم 1.5 مليار نسمة، لكن إذا تخيلنا أن دولة واحدة جمعت أبناء هذه الطبقة فإنها ستكون ضمن أكبر 6 دول على وجه الأرض من حيث عدد السكان.

لكن التعداد الكبير للداليت في الهند لا يشفع لهم لنيل معاملة عادلة أو لائقة، يكفي لمعرفة حجم مأساة تلك الطبقة أن نعرف أن أحد مجتمعاتها يسمى "موساهارز" في ولاية بيهار وهي كلمة تعني "شعب الفئران"، وذلك لأنهم فقراء ومعدمون لدرجة أن نظامهم الغذائي يعتمد في الأساس على اصطياد الفئران وأكلها، فهم يظلون بلا عمل لمدة تصل لثمانية أشهر في العام، ثم يعملون لوقت قليل في أكثر الأعمال سخرة في الأراضي الزراعية للملاك الأغنياء حين يحتاجون إلى خدماتهم.

أحد المجتمعات الأخرى للداليت يعرف باسم "بهانغيس"، وتعني أولئك الذين يجمعون القمامة يدويًا، وتحكي إحدى المنتميات إليهن لصحيفة "إن بي آر" الأميركية أن الحل الوحيد لها للنجاة في الحياة في الهند هو محاولة إخفاء طبقتها، إذ إن لقب طبقتها وعائلتها في حد ذاته يعد أسوء إهانة يمكن توجيهها لشخص في الهند.

على مدى التاريخ القريب، خاض الداليت نضالات عديدة لمحاولة تحسين أوضاعهم ضمن الهيراركية الهندوسية، وفي المجتمع الهندي بشكل عام، لكن ما حققوه فعليا كان ضئيلا في أفضل الأحوال. أبرز هذه المحاولات وقعت في أعقاب استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947 حين اختير باباساهب أمبيدكار وزيرًا للقانون والعدل، وقد كان من أبناء طائفة الداليت وواحدا من الآباء المؤسسين لجمهورية الهند الحديثة والواضعين لقواعدها الدستورية.

وقد تضمن الدستور الذي خط قواعده أمبيدكار، حظر التمييز الطبقي في البلاد، بل إقرار سياسة التمييز الإيجابي لصالح أبناء طائفة الداليت والمتمثلة في توفير التعليم وفرص العمل كتعويض عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له، لكن سرعان ما اكتشف باباساهب أمبيدكار أن سطوة التقاليد الدينية الهندوسية أقوى بكثير من أية قوانين يمكن سنها، ومن ثم استقال الوزير، واتخذ خطوة راديكالية إذ اعتنق البوذية ودعا أبناء طائفة الداليت إلى أن يخرجوا من الديانة الهندوسية التي تقمعهم، وبالفعل تحوّل إلى البوذية مع 200 ألف من أبناء طائفته وسط مراسم كبيرة.

لم تفلح إذن فورة الإصلاحات التي صاحبت الاستقلال في تغيير أوضاع الداليت بشكل جذري، وإن كانت حسّنت أوضاعهم القانونية قليلا مقارنة بالسابق، فقبل ذلك الوقت لم يكن يسمح مثلا للطلاب الداليت المحظوظين الذين تمكنوا من الالتحاق بالمدارس، بأن يلمسوا الكتب أو السبورة لأن لمسها يعني تدنيسا لها، إذ كان ينبغي عليهم أن يجلسوا خارج الفصل ويكتبوا الدرس في الوحل إذا ما أرادوا متابعة ما يقوله المعلم.

ورغم أن الداليت يُسمح لهم حاليا بالانخراط في السلك التعليمي، فإن الجذور الثقافية للتمييز لا تزال تطاردهم، ففي عام 2016 أقدم الطالب والباحث المشهود له بالتفوق روهيث فيمولا المنتمي لتلك الطبقة على الانتحار وعمره لم يكن قد تجاوز 26 عامًا نتيجة التنمر والطبقية العنيفة التي يواجهها بسبب أصوله، وقد وصف فيمولا في رسالة انتحاره ما تعرض له طوال حياته قائلًا "لقد كان ميلادي حادثًا مميتًا".

وفي عام 2020 فوجئ رئيس جمهورية الهند آنذاك (وهو منصب شرفي إلى حد كبير) رام ناث كوفيند برسالة جاءته من شاب من الداليت، يستأذنه فيها بأن ينضم إلى الفصائل المسلحة التابعة للجماعة الشيوعية الماوية في الهند (الناكساليت) التي كانت تقود حرب عصابات ضد قوات الأمن الهندية، لأن القانون والدستور قد خذلاه وهو يريد الحفاظ على كرامته، حسب قوله.

وقتها، تعرض الشاب براساد من ولاية أندرا براديش الجنوبية إلى التعذيب والإهانة الجسيمة في مركز الشرطة بسبب طبقته المنبوذة، وهي الحادثة التي اعترفت بها الشرطة بالفعل بعد ذلك، مؤكدة أنها قبضت على الضابط المتورط في الانتهاك.

وبحسب صحيفة "التايمز" البريطانية، فقد انتشرت في عام 2022 حوادث لهجمات القرويين من أبناء الطبقات العليا على الذكور من الداليت الذين يجرؤون على ركوب أحصنة بيضاء في ليلة زفافهم، لدرجة أن الشرطة في إحدى الولايات قد قررت أن تمارس الحماية المباشرة للعرسان من الداليت في ليلة زواجهم، خاصة بعد أن وصلت تلك الحوادث إلى حد الرجم.

تظهر هذه الممارسات مجتمعة، وغيرها، أن البنية التحتية المؤسسية لاضطهاد الداليت لم تتغير بشكل جدي، وأن النظام الطبقي النابع من الجذور والتقاليد الدينية لا يزال يفرض نفسه حتى لو حاولت بعض القوانين المحلية إصلاح الأوضاع ظاهريا. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، سُجلت جريمة كل 10 دقائق ضد الداليت في عام 2020 وحده، كما تفشت حوادث الاغتصاب الوحشي لنسائهم، والأنكى أن الجناة عادة ما يفلتون من العقاب.

وعلى مستوى أعمق، لا تزال القطاعات الأوسع من أبناء الداليت يفتقرون إلى الموارد الأساسية ويتلقون دعمًا شحيحًا يوازي حفنة ضئيلة من السلع الغذائية، ولا تزال أغلبيتهم تعمل في مهن متواضعة في أراضي الأغنياء أصحاب الأراضي الزراعية الكبيرة، في حين لا يتذكر الحكام والسياسيون مظالمهم إلا في مواسم الانتخابات وحسب، وسرعان ما تتبخر أي وعود يحصلون عليها بعد انقضاء المصالح الانتخابية.

 

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا