آخر الأخبار

وداعا عاطف بشاى.. مبدع الدراما الاجتماعية بروح الكوميديا (ملف خاص)

شارك الخبر

ودعت الأوساط الفنية والثقافية الكاتب الكبير عاطف بشاى، الذى غيبه الموت الجمعة وشيع جثمانه أمس الأحد من كنيسة مار مرقس، وسط حزن كبير، بين زملائه وأصدقائه وأسرته وعدد من الفنانين الذين عملوا معه واقتربوا من عالمه فى كتاباته التى امتازت بالأعمال الكوميدية والاجتماعية، وظلت علامات لا تنسى فى الإبداع الفنى، حتى تلك الأعمال التى تولى «بشاى» تقديمها كمعالجات وسيناريوهات لأعمال أدبية وقصص وروايات، حافظ خلالها «بشاى» على روح النص الأصلى دون أن يخل به، فخرجت أكثر بريقا وتميزا.. وفى هذا الملف نقدم سطورا من مشوار الراحل عاطف بشاى، مبدع الكوميديا الساخرة والأعمال الاجتماعية، وأحد كتاب الرأى البارزين بـ«المصرى اليوم».

«أستاذ» معالجة السيناريوهات.. وصاحب تحدى الحفاظ على «النص الأصلى»

امتاز عاطف بشاى- على مدار مشواره- بالحرفة فى كتابة السيناريو التى جعلته مختلفا ومطلوبا فى السوق بشكل كبير، فقد استطاع تحويل قصص وروايات إلى معالجات وسيناريوهات متماسكة وجذابة وفيها من روحه وشخصيته كذلك.

حسين فهمى وعاطف بشاى

كتب عاطف بشاى ٥٥ عملا ما بين أفلام ومسلسلات، أشهرها كانت مأخوذة عن قصص وروايات، وهذا ليس استسهالا بقدر ما هو تحد كبير لكاتب السيناريو أن يحافظ على روح النص الأصلى ويقدم عملا مختلفا يفوق شهرة الرواية أو القصة، كما أن عاطف بشاى لم تكن لديه عُقدة بعض الكتاب الذين لا يحبون الاستعانة بأعمال غيرهم ويعتبرونها نوعا من النقص أو قلة الموهبة، على العكس تميز بتواضع شديد وبالحرفة أيضا التى جعلته مستمرا ومطلوبا حتى أواسط العقد الأول من الألفينات.

أشهر الأعمال التى كتب لها السيناريو والحوار هى قصص الكاتب الساخر أحمد رجب «فوزية البرجوازية والمجنون والوزير الجاى ومحاكمة على بابا»، ومسلسل «الحب وسنينه» ومسلسل «ناس وناس»، وحققت تلك الأعمال شهرة واسعة ولا نبالغ إن قلنا إن تلك الأعمال من أشهر الأعمال والأخف ظلا على مدار العقود الماضية.

مسلسل «يا رجال العالم اتحدوا» الذى يعد من أشهر أعمال عاطف بشاى، عالجه الراحل وكتب له السيناريو والحوار عن قصة للكاتبة سلوى الرافعى، كذلك مسلسل «اللقاء الثانى» الذى كتبت قصته الكاتبة نهى حقى، كما أنه تعامل مع أدب الراحل نجيب محفوظ وقدم مسلسل «حضرة المحترم» عن رواية لأديب نوبل بنفس الاسم، كما أنه قدم مسلسل «أهل القمة» المأخوذ كذلك عن قصة لأديب نوبل بنفس الاسم كتبها فى سبعينيات القرن الماضى.

قصة «لا» كتبها الكاتب الصحفى مصطفى أمين عن حياة مسجون يجد نفسه فى السجن دون إثبات التهمة عليه، واسمه مسجل ضمن الوفيات فتتحطم حياته تماما، عالجها عاطف بشاى تلفزيونيا وكتب لها السيناريو والحوار وقدمها فى مسلسل تلفزيونى شهير بعنوان «لا» عرض فى تسعينيات القرن الماضى.

وتعامل كذلك مع أعمال الكاتب الراحل يوسف إدريس، فقدم مسلسل «الطوفان» عام ١٩٩٤، وعن رواية «دموع صاحبة الجلالة» للكاتب الصحفى موسى صبرى قدم مسلسل «دموع صاحبة الجلالة» الذى حقق نجاحا كبيرا فى تسعينيات القرن الماضى.

رواية «عمارة يعقوبيان» التى حققت جدلا واسعا فى السنوات الأولى من العقد قبل الماضى، وقدمت كفيلم بطولة نخبة من كبار نجوم مصر عام ٢٠٠٦، خاض التحدى عاطف بشاى وعالجها تلفزيونيا وكتب لها السيناريو والحوار فى مسلسل من بطولة صلاح السعدنى وعزت أبوعوف، وكتب كذلك السيناريو والحوار لآخر أعمال محمود مرسى «فجر ليلة صيف» المأخوذ عن رواية «وهج الصيف» للكاتب أسامة أنور عكاشة.

شخصيات ساخرة ظهرت فى أعماله وعاشت مع الجمهور

قدم عاطف بشاى أعمالًا كوميدية كثيرة مأخوذة عن كتابات الراحل أحمد رجب، الساخرة فى تناقضاتها الكوميدية وكذلك فى شخصياتها الساخرة والكاركتيرية، وصحيح أن تلك الشخصيات من إبداع الكاتب أحمد رجب إلا أن الكاتب عاطف بشاى استطاع أن يعالج تلك الشخصيات ويطورها ويقدمها فى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، غلب عليها الطابع الكوميدى، ففى مسلسل «ناس وناس» الذى عالجه دراميًّا وكتب السيناريو والحوار رأينا شخصيات مثل: «الكحيت وعبده مشتاق وعزيز بيه الأليط، وهنداوى وكمبورة والكوماندا» كلها شخصيات من شرائح المجتمع المصرى عالجها عاطف بشاى بطريقة ساخرة وكوميدية وكاركتيرية فى حلقات تلفزيونية مدتها ربع ساعة، كل حلقة تحكى عن شخصية، وطريقة رسم كل شخصية برع فيها عاطف بشاى، وإضافة تفاصيل لكل شخصية، مثل تفاصيل شخصية الكحيت واستعلائه المستمر على واقعه واعتبار نفسه من أثرياء القوم، ووضعه فى مواجهات مستمرة مع زوجته وعزيز بيه الأليط.

كذلك شخصية كمبورة، والتفاصيل الخاصة فى بناء شخصيته والتى برع فى أدائها الفنان وحيد سيف وأعطاها طعمًا ورونقًا خاصًّا، نفس الأمر حدث مع شخصية عبده مشتاق، التى جسد من خلالها شريحة من المجتمع تحلم بالمنصب الحكومى سواء فى الوزرات أو الهيئات الحكومية، لذلك لخصها أحمد رجب وعاطف بشاى فى شخصية عبده مشتاق. وكل شخصيات مسلسل «ناس وناس» أعيد اكتشافها مؤخرًا وأصبحت تريند على مواقع التواصل الاجتماعى، وحاضرة فى إفيهاتنا اليومية وتشبيهاتنا للشخصيات حولنا، هذا الكحيت وذاك عبده مشتاق وهكذا.

شخصيات فيلم «فوزية البرجوازية» جديدة وكوميدية وطازجة، فالفيلم شرح اليسار المصرى والمنتمين إليه بمحاكاة ساخرة تمامًا، فشخصيتا عنايات وعبدالواحد اللتان قدمهما صلاح السعدنى وإسعاد يونس مثار تعليقات ومنشورات السوشيال ميديا إلى الآن، فهما الزوجان المنتميان لليسار ويتحدثان بشكل مثقف وجاد، ويشعران بوجود مؤامرة عليهما باستمرار من المخابرات الأمريكية، ولديهما إيمان بأن عملاء المخابرات الأمريكية يطاردونهما ويريدان القضاء عليهما داخل الحارة، ويعيشان فى جزيرة منعزلة عن أهل الحارة لدرجة أن مشادة بسيطة لعنايات مع جارتها فوزية اتهمتها فيها بأنها برجوازية، وتشتعل الحارة بعد هذه المقولة وتتحول إلى حزبين اليمين واليسار، محل ينتمى للبيت الأبيض ومحل ينتمى للكرملين.

فى مسلسل «يا رجال العالم اتحدوا» قدم عاطف بشاى شخصيات كوميدية متنوعة أبرزها شخصية «مهجة» الحقوقية التى تدافع عن حقوق المرأة وعقدتها فى الحياة الرجل، وتهاجمه فى كل مكان حتى داخل بيتها، وحين تقع فى قصة حب مع رجل، تنسى كل ذلك وتسلمه نفسها لتفقد شرفها، وتفقد عقلها وتنتحر فى النهاية، فى شخصية قدمتها باقتدار الفنانة ماجدة زكى.

من كبار كتاب الرأى.. و٢٩٦ مقالًا له بالجريدة

عاطف بشاى: عثرت على ضالتى المنشودة بالكتابة لـ«المصرى اليوم»

عاطف بشاى لم يكن كاتبًا للسيناريو فقط بل كان صاحب مسيرة ممتدة فى الصحافة أيضًا من خلال كتابته المقالات، فهو ناقد اجتماعى، يرصد ما حوله من ظواهر اجتماعية ويعبر عن رأيه فيها فى مقالات الرأى، سواء فى جريدة «المصرى اليوم»، أو جريدة «روز اليوسف»، ولديه تجربة ممتدة فى كتابة مقالات الرأى فى «المصرى اليوم» حيث كتب ٢٩٦ مقالًا ناقش فيها قضايا ثقافية وفنية واجتماعية.

ففى مقاله «بين نجيب محفوظ ويوسف إدريس»، قارن الراحل بين أسلوب كتابة نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وكيف كان يدرك الأديب الراحل نجيب محفوظ الفروق الجوهرية بين اللغة المرئية ولغة الأدب، وأن السيناريو هو فن قائم بذاته، ويعد عالمًا مستقلًّا بذاته مثل عالم الرواية، وهذا يعود لكتابة أديب نوبل ١٤ سيناريو بينما يوسف إدريس كان اتجاهًا مختلفًا فهو أقحم نفسه فى عالم كتابة السيناريو عندما رفض تحويل قصته «حادثة شرف» لسيناريو تأليف مصطفى محرم، ناهيك عن تدخله فى السيناريوهات التى عالجت رواياته وقصصه عكس نجيب محفوظ الذى كان يفصل نفسه تمامًا عن الأفلام المأخوذة عن رواياته ويعتبره وسيطًا مستقلًّا بذاته.

بالإضافة لكتابته مقالًا آخر وهو «على ورق سوليفان» الذى تحدث فيه عن قصة قصيرة بعنوان «على ورق سوليفان» للكاتب الراحل يوسف إدريس والفيلم الذى أخذ عن هذه القصة بطولة محمود ياسين وأحمد مظهر، إلى جانب حبه وتقديره للكاتب الراحل يوسف إدريس وكتابته عنه مقالين بعنوان «عالم يوسف إدريس».

فضلًا عن مناقشته مشاكل التعليم فى مصر فى ٣ مقالات بعنوان «آفة التعليم فى مصر»، وأن المسلمات العتيقة التى نتوارثها تظل عالقة فى أذهاننا، وأن أكبر آفات التعليم تتمثل فى التلقين القائم على الحفظ بجانب كتابته مقالًا عن جريدة «المصرى اليوم» فى ذكرى تأسيسها الـ٢٠ بعنوان «المصرى اليوم وإرادة التنوير» استعرض من خلاله رحلة تأسيس المصرى اليوم، وكيف حافظ مؤسسها المهندس صلاح دياب على صلابتها وأنها كانت بمثابة حجر فى المياه الراكدة فحققت تقدمًا مهنيًا وفكريًا، وكيف أنها أعلت من شأن التنوير باستمرار، وأنه ككاتب مقال عثر على ضالته المنشودة من خلال الكتابة لـ«المصرى اليوم» وبمقالاته وكتاباته المتنوعة فى موضوعات رياضية وفنية وثقافية وسياسية لم يتعرض لقصف أو منع أو لوم أو معارضة أو تعديل محتوى أو مراجعة أو ردود أفعال غاضبة ولا فرض السيطرة أو قائمة ممنوعات، وأن الجريدة تنعم منذ يومها الأول بمجموعة كبيرة من الكتاب المصريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية وقناعاتهم المنهجية وأساليبهم السردية المختلفة.

«فوزية البرجوازية» و«المجنون» و«الوزير جاى»

أفضل من عالج قصص الكاتب أحمد رجب

أحمد رجب من كبار الكتاب فى تاريخ مصر، فقد امتاز بخفة ظله ورشاقة قلمه وقدرته على تبسيط المشاكل والأزمات فى نصف كلمة بتوقيعه ورسومات رفيق دربه مصطفى حسين.

وأحمد رجب له مشوار فى كتابة القصص الساخرة أيضا مثل «فوزية البرجوازية» و«الوزير جاى» و«المجنون» و«صاحب العمارة» و«محاكمة على بابا»، وفكرة تحويل أفكار وشخصيات أحمد رجب إلى سيناريوهات والحفاظ على نفس الدرجة من خفة الظل وكوميديا النقد الاجتماعى لم ينجح فى هذا الاختبار الصعب سوى السيناريست الراحل عاطف بشاى.

عمل مثل «فوزية البرجوازية»، حيث نقد واضح وصريح لليسار المصرى، وللمنتمين والمتشدقين له، استطاع عاطف تقديمه بمنتهى خفة الظل والرشاقة، فرأينا حزب اليسار يخترق حارة مصرية، ويقسم أهل الحارة إلى حزبين، يمين ويسار، ومحل حلاقة ينتمى لليسار ومحل آخر ينتمى لليمين، واحد يسمى نفسه الكرملين وآخر يسمى نفسه البيت الأبيض، فضلا عن رصد حال أهل اليسار وتناقضتهم وانفصالهم عن الواقع وانحصارهم فى عالمهم الخاص ومصطلحاتهم وتعبيراتهم الخاصة والغريبة والكوميدية كذلك.

مشكلة البيروقراطية المصرية وما يحدث فى المصالح الحكومية من تعطيل لمصالح الناس والنفاق الذى يحدث بداخلها، من خلال معالجة ذكية لقصتين داخل فيلم واحد قصة انتظار استقبال الوزير، وقصة أخرى عن رحلة شاب يريد أن يقدم التماسا فسمى نفسه فى النهاية ملتمس من أجل ينهى التماسه.

قصة أخرى من قصص أحمد رجب وهى «المجنون»، استطاع عاطف بشاى أن يحولها لسيناريو ويحكى فيه حكاية شخص متفائل بدرجة مثيرة للعجب والدهشة وسط الواقع الصعب الذى يعيشه أقرانه ليصبح فى نظر من حوله مجنونا وينتهى به الحال فى سرايا المجانين. «محاكمة على بابا» فكرة أخرى من أفكار وقصص أحمد رجب تحكى عن محاكاة عصرية لـ«على بابا»، قدمها عاطف بشاى بمنتهى التماسك والظرف، وفى فيلم «صاحب العمارة»، ناقش عاطف بشاى- بناء ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
المصري اليوم المصدر: المصري اليوم
شارك الخبر

إقرأ أيضا