آخر الأخبار

جريدة القدس || "في الذكرى الـ23 لاستشهاده".. أبو علي مصطفى.. حديث لم يُنشر بعد

شارك الخبر

* القهر والفقر اللذان تعرض لهما الشعب الفلسطيني بلورا فكري السياسي

* أي حـزب ثــوري يـنـبغـي أن يطـمـح للسلـطـة لتـطـبــيــق برنــامـجــــــه

* واقع الهمّ الفلسطيني كان دافعاً لانخراطنا مبكراً في العمل السياسي

* الشباب هم مَن حافظوا على زخم الحركات السياسية واستمرارها


أجرى اللقاء: إبراهيم ملحم


ضيفنا في هذا الحوار ضيفٌ خارج النص. فهو يقف -منذ حملَ عبء النضال- في الجانب الآخر. في الجانب المختلف.. المختلف في مواقفه، وفي حياته أيضًا.


إنه الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأخ أبو علي مصطفى، ذلك الذي دخل السجن في عمر الورود، وكان من أوائل من أسسوا العمل الفدائي، ومن أوائل من أسسوا الجبهة الشعبية.


رجلٌ اختار منذ بداية حياته أن يعمل في الخفاء، وأن يدفع ثمن هذه الحياة، إنه أبو علي مصطفى الذي شغل منصب نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ تأسيسها، ثم أصبح أمينها العام، كما شغل عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضوية المجلس الوطني الفلسطيني.


هذا الرجل الذي اختار أن يعود إلى الوطن ليُمَحِّص الشعار بالواقع، ويطبِّق الفكر على التجربة، كل ذلك ضمن اختلاف في الأفكار والمنطلقات والأسلوب.


أخ أبو علي أهلاً وسهلاً بك.

أهلاً وسهلاً أخي إبراهيم.


ولكن هذا الدخول المبكر إلى التنظيم القومي، جعلك تدفع ثمنًا قدره خمس سنوات في سجن الجفر الصحراوي، ألا تعتقد أن ذلك كان ثمنًا باهظًا لشخص في مثل سنك آنذاك (17 عامًا) يدخل السجن ويُحرم من الدراسة الجامعية؟


سُجِنت وعمري 19 عامًا لأني انتسبت لحركة القوميين العرب في العام 1955، وسُجنت كذلك في العام 1957.

كان دخولي السجن نتيجة إيماني العميق بفكرةٍ ما، فكرةٍ عمادها أن الطريق إلى فلسطين هو طريق الوحدة العربية،  وكانت مهماتنا الرئيسة تنحصر في ثلاث مهمات: الأولى كانت مقاومة الأحلاف، حيث انتشر آنذاك ما يسمى بـ«سياسة الأحلاف»، وأذكر أن الأمريكان حاولوا الدخول على الخط، باستخدام شعار «سد الفراغ» في الشرق الأوسط، لأن بريطانيا وفرنسا بدأتا تفقدان نفوذهما وقوتهما العسكرية في المنطقة، ما جعل أمريكا تحاول أن تتقدم في مشروعها الذي كانت تطلق عليه "سد الفراغ" في الشرق الأوسط، وهذا الشعار كان يعني السيادة الأمريكية بديلًا للاستعمار البريطاني؛ فكانت مقاومة الأحلاف إحدى المهمات الرئيسة لكل الحركة الوطنية في الأردن. أما المهمة الثانية فكانت تعريب الجيش، فقد كانت قيادة الجيش إنجليزية وعلى رأسها قائد الجيش وهو «كلوب باشا»، وكان الفلسطينيون والأردنيون يشيرون إليه بإصبع الاتهام كونه واحدًا ممن تآمروا على فلسطين؛ لأن الجيش الأردني كان جزءًا من الجيش العربي الذي قاتل لتحرير فلسطين، واستطاع عبد الله التل –أحد أبرز قادة الجيش- أن يُحرر القدس، وبدأ يتقدم باتجاه خط تل أبيب، وكانت القوات الأخرى موزعة في الفالوجة، أما اللبنانيون والسوريون فقد كانوا في الشمال، وكان المصريون في الجنوب، وأما منطقة الوسط ففيها الجيش الأردني ذو القيادة الإنجليزية؛ ولهذا كانت معركتنا مع الإنجليز لتعريب الجيش وتحريره من هذه القيادة.


أما ثالثة المهمات فكانت إلغاء المعاهدة البريطانية... 

هذه المهمات الثلاث خيضَت في سبيلها معركة شعبية باسلة، سقط فيها قتلى وجرحى، ولا بد لي أن أذكر اسم أول فتاة فلسطينية قُتِلَتْ في القدس: «رجاء أبو عماشة». 


ربحت الحركة الوطنية المعركة، وهذا أفزع بريطانيا وأمريكا؛ بريطانيا كانت تتراجع سياسيًّا وعسكريًّا، وأمريكا تسعى لتأخذ مكانها، وأرسلت في وقتها ضابطًا أمريكيًّا اسمه «مالوري»، سموه الملحق العسكري، ولكنه كان صاحب القرار السياسي، وبدأ يخطط لانقلاب على الحركة الوطنية التي وصلت للبرلمان في انتخابات في العام 1956 التي شاركنا فيها، وتشكلت حكومة سليمان النابلسي، وأخذ البلد يتجه نحو علاقات إيجابية مع جمال عبد الناصر، ولذا أخذوا يقولون إن البلد تحولت للناصرية.


عند المقارنة بين جماهير الخمسينيات وجماهير العام 2000، هل تجد فارقًا بين جماهير ذلك الوقت وجماهير اليوم؟

أعتقد أن الفارق موضوعي، ليس في الجانب الذاتي فقط، وإن كان له تأثير بالمعنى النسبي. إن موضوعية الصراع آنذاك وطبيعة القوى وأحجامها كانت تتيح نهوضًا وطنيًّا قادرًا على تحقيق الانتصارات أكثر من اليوم.


أولًا: إسرائيل لم تكن هي نفسها التي نعرفها اليوم، كانت في بدايات التكوين والنشأة، ولم تكن الدولة النووية أو القوة الاستراتيجية في المنطقة، وبالتالي كانت إسرائيل مرعوبة، ليس من ظاهرة الفدائيين فقط، وإنما كان رعبها أيضًا من ظاهرة المتسللين. في تلك الفترة، كان العامل الذي يحرك الجماهير أنها تريد أن تتخلص من أشكال الاستعمار القديم، وكان الصراع على أشده، حين اشتعلت ثورة الجزائر.


أما العنصر الرئيس الذي ألقى بظلاله على طابع المهام والشعارات والصراعات في المنطقة، فهو وجود جمال عبد الناصر، حيث كان يشكل مركز استقطاب في الحالة العربية. كان جمال مركز قيادة للجماهير العربية. والناس بعد عشرات السنين، عندما تقيّم نظام عبد الناصر، يقولون إن مشكلته كانت في الجانب الديمقراطي وفي المؤسسات والأجهزة، لكننا في تلك الفترة لم نكن نرى كل تلك العيوب، لأن المظهر الذي كان طاغيًا هو أن عبد الناصر ضد الاستعمار؛ فقد كسر احتكار السلاح عندما اشترى صفقة سلاح تشيكية. كان عبد الناصر عنوانًا، وهذا العنوان الذي انتظم الحركة العربية، والشارع العربي كان رهينًا لطبيعة واقع القوى على الأرض، ما عزَّز الالتفاف حول الشعارات التي كان يطلقها، وجعل تحريضه يسري كالنار في الهشيم.


وأريد أن أسوق مثلًا على ذلك عشناه في تلك الفترة، أتذكر قرارًا اتخذه الأمريكان للرد على عبد الناصر عند تأميمه لقناة السويس، فقد قرروا عدم تفريغ سفينة شحن مصرية كان اسمها كليوبترا، وكان الرد قرارًا واحدًا من أربعة سطور أصدره اتحاد العمال العرب بمقاطعة كافة وسائل النقل الأمريكية الجوية والبحرية في المنطقة العربية، وبعد أربعٍ وعشرين ساعة رضخ الأمريكان وفرغوا السفينة المصرية.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا