آخر الأخبار

حملة إخلاء "شرسة" في شمال لبنان.. اللاجئون السوريون يواجهون مصيرا مجهولا

شارك الخبر

كان محمود في العاشرة من عمره عندما اضطر إلى الهرب مع والدته من القصف الذي دمر مدينته إدلب، تاركاً وراءه طفولته وذكرياته، ليجدا نفسيهما لاجئين في لبنان، حيث استقر بهما الحال في دكان صغير بمنطقة جبل البداوي شمالي البلاد، وذلك بسبب معاناة والدته من آلام مزمنة في الظهر مما يحول دون إمكانية سكنهما في شقة تتطلب صعود الأدراج.

يكافح محمود لتأمين الإيجار وتوفير الأدوية والطعام لوالدته، حيث عمل ولا يزال في محل لبيع ألعاب الأطفال براتب شهري لا يتجاوز 300 دولار، بينما يدفع كما يقول لموقع "الحرة" 100 دولار كإيجار للدكان الذي يسكنان فيه، إلى جانب 50 دولارا أخرى لتغطية فاتورة المياه والخدمات الأساسية.

في مايو الماضي، واجه ابن الـ 22 عاما صدمة كبيرة عندما أبلغته البلدية بضرورة إخلاء الدكان بناءً على قرار محافظ الشمال، رمزي نهرا، القاضي بترحيل كل لاجئ لا يمتلك أوراقا قانونية. وبعد عدة أيام من تلقيه الإنذار، لم يكن أمام محمود خيار سوى الانتقال مع والدته إلى منزل شقيقته مؤقتا.

ويشهد شمال لبنان حملة واسعة لإخلاء اللاجئين السوريين، وذلك بناءً على سلسلة قرارات يصدرها محافظ الشمال، نهرا، الذي دعا "المخالفين السوريين إلى مغادرة البلاد بالحسنى"، محذرا من "ترحيلهم بالقوة إذا اقتضى الأمر".

جاء تصريح نهرا خلال اجتماع ترأسه في سرايا طرابلس، في مايو الماضي، بحضور نواب الكورة ورؤساء البلديات، حيث أعلن عن إطلاق حملة "إزالة الوجود السوري غير الشرعي" من جميع أقضية الشمال، بمشاركة البلديات واتحاد البلديات وبمؤازرة الأجهزة الأمنية.

ومؤخرا أصدر نهرا سلسلة قرارات جديدة تضاف إلى حملة إخلاء اللاجئين السوريين من مناطق شمال لبنان. ففي 12 من الشهر الحالي، أمر بإخلاء بلدتي مرياطة والقادرية-كفرزينا خلال 15 يوما، وبلدة عرجس في قضاء زغرتا خلال أسبوع. كما أصدر، في 6 أغسطس، قرارا بإخلاء السوريين غير الشرعيين من بلدات برسا وكفرعقا وبصرما في قضاء الكورة.

كما شملت قرارات الإخلاء في أغسطس الحالي، بلدات فرصغاب وكفرحبو وكفرحلدا ودير بللا وكفور العربي ودوما وحردين وبشعلة ومحمرش ونيحا وراشانا وراشكيدا وكفرحاتا.

وقد حددت هذه القرارات مهلة زمنية للسوريين العاملين والساكنين لمغادرة المناطق المستهدفة، مع التهديد بتنفيذ عمليات إخلاء قسرية في حال عدم امتثالهم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين، بما في ذلك إقفال المساكن المخالفة بالشمع الأحمر.

"أين المفر؟"

حاول محمود الهرب من الواقع المرير عبر البحر إلى أوروبا، عن طريق المراكب غير الشرعية، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، ويشرح "غرقت في البحر، اعتقلت، ورحلت إلى الحدود السورية، ومع ذلك، لم أستسلم، وحاولت مرة أخرى، لكن الحظ لم يحالفني حيث أوقف الأمن اللبناني المركب قبل انطلاقه".

ويشير محمود إلى أن "السلطات اللبنانية لا ترغب في وجودنا هنا، ولذلك تعرقل عملية تجديد إقاماتنا. لكن ما يثير الحيرة هو أنها في الوقت ذاته تحاصرنا من البحر، مانعة إيانا من مغادرة هذا البلد".

اليوم، يعيش محمود في حالة من اليأس العميق، حيث يشعر بأنه محاصر في دوامة من المشاكل، فهو غير قادر على العودة إلى سوريا بسبب الأوضاع الأمنية وكونه مطلوبا للخدمة العسكرية، وفي الوقت ذاته يجد صعوبة في البقاء في لبنان نظرا للظروف الصعبة والمضايقات التي يتعرض لها اللاجئون.

ويعبر عن حزنه قائلا: "أشعر أنني أعيش في جحيم، حيث الإنسانية مفقودة. لا أملك حتى سقفا يؤويني أنا ووالدتي. كل ما أتمناه هو أن أجد مكانا آمناً نعيش فيه".

وكما محمود، يعيش هادي كابوس الإخلاء والترحيل. هو الذي فرّ من جحيم الحرب في سوريا، عام 2013، تاركاً خلفه كل ما يحب، آملًا في بناء حياة جديدة.

استقر في أحد أزقة طرابلس شمال لبنان، حيث عمل في كل الفرص التي أتيحت له، متحملا مشاق الحياة لتأمين لقمة العيش لأولاده الثلاثة.

رغم الصعوبات، رأى هادي في لبنان ملاذا آمناً ومكاناً يمكن لأطفاله أن يكبروا فيه بعيداً عن القذائف والصواريخ، لكن هذا الأمل بدأ يتلاشى ويتحوّل إلى كابوس، مع صدور قرارات نهرا، "التي تنبع من خلفية سياسية وحزبية وعنصرية تجاه اللاجئين"، كما يقول.

"أين المفر؟" يسأل هادي نفسه يوميا، بينما الخوف يرتسم على وجوه أولاده واليأس يسيطر على قلوبهم. ويقول لموقع "الحرة": "لا أستطيع العودة إلى سوريا كوني من المطلوبين لنظام بشار الأسد، أشعر بأني مكبّل، يوما بعد يوم، يتفاقم شعوري بالعجز، فإلى متى سيستمر هذا العذاب".

مصير محمود وهادي وعائلته، كحال آلاف اللاجئين السوريين في شمال لبنان، أصبح معلقا على قرارات المحافظ نهرا، فهم يعيشون في حالة من المجهول، وأملهم الوحيد اكمال ما تبقى لهم من عمر في أمان واستقرار.

وكان نهرا قد طلب من بلدية طرابلس، في 29 مايو، البدء بعملية مسح شاملة للسوريين المقيمين في نطاق البلدية، مشددا على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الوزراء وتعاميم وزير الداخلية والبلديات المتعلقة بالوجود السوري غير الشرعي.

واتهم نهرا بلدية طرابلس بالتراخي في تنفيذ الإجراءات المطلوبة، مما أدى إلى تفاقم التحديات الأمنية والاقتصادية في المدينة.

من جهته، رد رئيس بلدية طرابلس، رياض يمق، على هذه الانتقادات بالتأكيد أن المجلس البلدي يبذل جهودا كبيرة للتعامل مع أزمة اللجوء السوري، مطالبا بدعم إضافي للبلدية في مواجهة هذه الأزمة، ومعبرا عن استعداد المجلس للتعاون الكامل مع جميع الجهات المعنية رغم الصعوبات القائمة.

الآلاف في دائرة الخطر

سبق أن أكد نهرا أنه لن يهدأ حتى "عودة كل السوريين إلى وطنهم"، مشددا على "تطبيق القوانين، باستثناء الأشخاص المضطهدين من قبل النظام السوري، والذين يقدر عددهم بنحو 20 في المئة من المتواجدين على الأراضي اللبنانية".

وأضاف نهرا خلال لقاء موسع في بلدة بشمزين بالكورة أن "الاعتقاد بأن النظام السوري أو المنظمات الدولية سيساهمون في عودة اللاجئين هو اعتقاد خاطئ"، مؤكدا أن هذه الحملة ستستمر حتى تحقيق الهدف المنشود.

تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى "زيادة في خطر الطرد الجماعي للاجئين السوريين في لبنان"، وذلك بالتزامن مع تصاعد الإجراءات الإدارية التي تستهدف سوريين في مختلف أنحاء البلاد.

وفي حديث مع موقع "الحرة"، أوضحت المفوضية أن "الربع الأول من عام 2024، شهد تبني العديد من البلديات اللبنانية سياسات تقييدية صارمة ضد اللاجئين السوريين. وتم تسجيل أكثر من 100 إجراء إداري جديد على سوريين تضمنت فرض قيود على الحركة، وتنفيذ مداهمات، وفرض ضرائب جديدة، وإقامة نقاط تفتيش، إضافة إلى قيود مشددة على الإيجار وإصدار هويات بلدية".

كما رصدت المفوضية "138 حادثة طرد جماعي بين شهري يناير ويوليو 2024، حيث يتم تعريف 'الطرد الجماعي' على أنه تلك الحالات التي تؤثر فيها عمليات الطرد أو التهديد بالطرد على خمس أسر أو أكثر، كما صدر 91 إشعارا بالإخلاء خلال هذه الفترة، مما أثر على حوالي 22917 شخصا، غالبيتهم في مناطق الشمال والبقاع، كذلك تم تنفيذ 53 عملية إخلاء فعليا، ما أدى إلى تهجير 4,473 شخصا، مع ملاحظة زيادة في عدد هذه العمليات خلال الفترة ما بين أبريل ويونيو".

وتتابع المفوضية عن كثب أوضاع اللاجئين المهددين بالطرد أو المتضررين منه، لتقييم احتياجاتهم العاجلة وتقديم الدعم اللازم بالتعاون مع شركائها، وتشدد على "جهودها المستمرة للتخفيف من تأثير هذه الإجراءات على اللاجئين، وتأمين الدعم لهم بحسب احتياجاتهم".

وفي الوقت ذاته، تعي المفوضية التحديات التي يواجهها لبنان نتيجة استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، "خاصة في ظل الأزمة المتعددة الأبعاد التي يعاني منها البلد"، مشيرة إلى أنها تبذل كل ما في وسعها للمساهمة في إيجاد حلول مستدامة لهم خارج لبنان.

وفي الفترة من 1 يناير حتى 14 يوليو عام 2024، وثّق مرصد السكن 148 بلاغا، 61 في المئة منها تتعلق بسوريين، خاصة بعد مقتل باسكال سليمان، منسّق حزب "القوات اللبنانية" في جبيل، في 7 أبريل.

بعد هذا الحادث، "أصدرت سلطات محلية تعاميم تمييزية ضد السوريين"، كما يشير مرصد السكن الذي شهد بحسب تقريره الصادر في 31 يوليو الماضي، ارتفاعا ملحوظاً في عدد بلاغات الإخلاء والتهديد بالإخلاء التي تلقاها من اللاجئين السوريين خلال الأشهر الثلاثة التي تلت 7 أبريل، حيث قفز العدد من 13 بلاغا في الأشهر الثلاثة السابقة إلى 74 بلاغا بعدها.

ويلفت التقرير إلى أن 67 في المئة من إنذارات الإخلاء ترافقت مع ممارسات تعسفية قاسية ضد السوريين، إلى جانب الانتهاكات التي اعتاد المرصد رصدها قبل صدور تعاميم السلطات المحلية، "تضمنت بعض الحالات مصادرة أوراق ثبوتية، كما رفض بعض المالكين تجديد عقود الإيجار لمنع السكان من تسوية أوضاعهم القانونية".

ومن بين هذه الممارسات، برزت حالات "تعسف" من قبل البلديات لاسيما بلديات الشمال "حيث أقدمت بلدية زغرتا على إغلاق البيوت والمباني بالشمع الأحمر، وفي بلدية البترون، تم إغلاق أحد المباني على السكان باستخدام الخشب والجنازير، تلاها عملية إخلاء قسري تخللها تكسير للأثاث والأبواب"، وفق التقرير.

أما في بلدة بطرّام، فقد أوقفت البلدية عددا من السوريين، وأجبرتهم على الوقوف إلى جانب الجدار تحت تهديد السلاح، مما أرعبهم ودفعهم إلى إخلاء المكان بسرعة".

عنصرية وانتهاكات قانونية

الإجراءات التي يتخذها نهرا بحق اللاجئين السوريين "غير قانونية وتجسد عنصرية واضحة"، كما يصف المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، محذرا من خطورة هذه الإجراءات وتداعياتها الإنسانية والقانونية.

صبلوح يعرب في حديث لموقع "الحرة" عن قلقه من عمليات طرد اللاجئين من مخيماتهم في مناطق البترون والكورة، وجمعهم في منطقة واحدة، مشيرا إلى وجود "مخطط خبيث" يستهدفهم.

ويلفت صبلوح إلى أن العديد من اللاجئين يستأجرون المنازل والمحلات بشكل قانوني، ويدفعون الإيجارات مقدما، إلا أنهم يتعرضون للطرد التعسفي وتشميع ممتلكاتهم دون أي إجراءات قانونية.

ويشرح أنه "في الحالات القانونية العادية، يستغرق إصدار حكم قضائي بإخلاء المسكن نحو أر ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الحرة المصدر: الحرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا