آخر الأخبار

الجنيه المصري.. تراجع يثير التساؤلات

شارك الخبر

بعد حوالي 4 أشهر من قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف، عاد الجنيه للانخفاض أمام النقد الأجنبي، إذ سجل الدولار 49.5 جنيه في تدولات مطلع هذا الأسبوع، بعد أن استقر خلال الشهور الماضية عند 47 جنيها.

وأوجد الانخفاض الجديد للجنيه المصري تساؤلات عن الأسباب، وما إذا كان التراجع سيستمر بوتيرة أكبر، قد يسجل معها الدولار أرقاما أعلى، على نحو شهدته السوق الموازية قبل تحرير سعر الصرف.

وكان البنك المركزي المصري، رفع في 6 مارس الماضي، أسعار الفائدة بنسبة 6 في المئة، في زيادة غير مسبوقة، معلنا أنه سيسمح بأن يتحدد سعر الصرف "وفقا لآليات السوق".

ومع سريان القرار الرسمي، انخفض الجنيه بشكل حاد مقابل الدولار، إذ استقر سعر الصرف عند 47 جنيها للدولار، بعد أن كان في مستوى 30.85 جنيها.

واعتبر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في تصريحات عقب القرار، أن الخطوة التي اتخذها البنك المركزي "ستساهم في كبح التضخم والقضاء على تراكم الطلب على الدولار".

ويرى الخبير الاقتصادي المصري، ممدوح الولي، أن الانخفاض الجديد في قيمة الجنيه "مرده إلى أن السلطات المصرية لم تعمل على حل المشكلات والأسباب الرئيسية التي تقود دائما إلى تدهور العملة".

وقال الولي لموقع الحرة، إن "السلطات المصرية لا تعمل على حل المشكلة جذريا، وتعتمد على وصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تركز على الحلول النقدية والمالية، وهي وصفة جربناها منذ الستينيات، ولم تحل مشكلة انخفاض الجنيه".

وأشار إلى أن الطريق الصحيح يبدأ باعتراف السلطات المصرية بالأسباب الرئيسية والحقيقية للمشكلة، "بدلا من الحديث عن أسباب فرعية وثانوية".

ولفت الخبير المصري إلى أن تصريحات المسؤولين، بدءًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرورا برئيس الوزراء ثم الوزراء، تتحدث كلها عن أسباب خارجية، مثل حرب أوكرانيا وجائحة كورونا، "مع أن تدهور العملة مستمر قبل كل تلك الأحداث".

وأضاف "على السلطات المصرية أن تعترف بأن المشكلة ناتجة عن عدم التصدي للأسباب الداخلية، لأن ذلك سيقود إلى تغيير سياسة الحكومة، وسيعود القطاع الخاص للتأثير والسيطرة، بدلا من المؤسسات الحكومية".

وشدد المتحدث ذاته على أن عدم معالجة الأسباب الجوهرية سيؤدي لمزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه أمام النقد الأجنبي، وربما يسجل مستويات أعلى مما كان حادثا في السابق.

وكان تحرير سعر الصرف على رأس إصلاحات يطالب بها صندوق النقد الدولي مصر منذ ديسمبر من العام 2022، حينما تم الاتفاق على برنامج التمويل الذي تعثر لأكثر من عام بسبب رفض السلطات الشروع في بعض الإصلاحات، حتى تم التوافق على استئنافه قبل أشهر، على خلفية البدء بتحرير سعر الصرف.

"مرونة" العملة.. مطلب متكرر يعيد الجنيه المصري للضوء
أعاد صندوق النقد الدولي التشديد على ضرورة محافظة مصر على "نظام سعر الصرف مرن ونظام صرف أجنبي مُحرر" لتجنب تراكم الاختلالات الخارجية، مما يضع الجنيه المصري في دائرة الضوء على اعتبار أن هذا الإصلاح كان يقف وراء تأجيل برنامج التمويل خلال العام الماضي.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، أن "الانخفاض الحالي في قيمة الجنيه سببه قرار حكومي، مقصود منه توجيه رسالة إلى صندوق النقد الدولي".

وقال عبد المطلب لموقع الحرة، إن "القرار يريد التأكيد على أن مصر التزمت بوصفة صندوق النقد الدولي، ونفذت ما عليها من تعهدات والتزامات، وأنها حررت سعر الصرف، وتركت تحديد السعر لآلية السوق".

وأضاف "ما يؤكد ذلك، أن السعر الجديد للدولار، جاء موحدا تقريبا في كل البنوك والمصارف، دون أي اختلاف، حتى بين البنوك الحكومية والاستثمارية، مما يدلل على أن الانخفاض جاء بقرار حكومي، ولم ينتج عن زيادة الطلب على الدولار".

وتابع قائلا "من وجهة نظري، لا يعود انخفاض قيمة الجنيه إلى أسباب اقتصادية متعلقة بالعرض والطلب، وإنما لرؤية حكومية".

ويتيح البنك المركزي، للبنوك (من بينها البنوك المملوكة للدولة) شراء وبيع الدولار عبر سوق ما يعرف باسم "الإنتربنك الدولاري"، التي بلغت إجمالي العمليات فيها خلال مارس الماضي نحو 9.3 مليار دولار، زيادة من مستوى 539 مليون دولار في فبراير السابق عليه.

وجذبت مصر منذ فبراير الماضي تدفقات نقد أجنبي وصفها البنك المركزي بـ"الهائلة"، إذ قال في بيان له الشهر الماضي إن تدفقات النقد الأجنبي للسوق المحلية ارتفعت نحو 200 بالمئة، متضمنة ارتفاعا بأكثر من 100 بالمئة في تحويلات المصريين بالخارج، مقارنة بمستوياتها قبل "توحيد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه".

ومع ذلك، لفت الخبير الاقتصادي إلى أن "هناك مؤشرات أخرى يتحدث عنها البعض، مثل خروج 6 مليارات دولار من استثمارات الأجانب من أصول الخزانة المصرية، مما أدى لزيادة الطلب على الدولار".

وأوضح كذلك، أن هناك مؤشرات متعلقة بالمخاوف من التصعيد بين إيران وإسرائيل، بجانب مخاوف من حدوث مشكلات اقتصادية في مصر والأردن، لذا اتجه بعض المستثمرين للخروج من السوق المصرية، مما زاد الإقبال على الدولار.

ولفت عبد المطلب إلى أن هناك من يربط بين انخفاض الجنيه وبين الانهيار الذي حدث في بعض البورصات العالمية، وخاصة الآسيوية، مما دفع بعض المستثمرين لسحب استثماراتهم من أصول الخزانة المصرية لتعويض خسائرهم في البورصة.

وبدوره، قلل الولي من تلك المؤشرات والمتغيرات الخارجية، ووصفها بأنها عوامل جزئية ووقتية، "ليست ذات تأثير مباشر على قيمة الجنيه المصري".

ولفت إلى أن المشكلة تكمن في إهمال القطاع الإنتاجي الذي يوفر السلع، مشيرا إلى أن هناك حاجة فعلية لتعزيز هذا القطاع، كونه يوفر قدرا من حاجة الاستهلاك المحلي، ويساعد في خفض فاتورة الاستيراد.

وأشار إلى أن هناك حاجة فعلية أيضا لتشجيع الاستثمار والعمل على إرجاع أكثر من 4000 شركة مصرية في السعودية وفي الإمارات إلى الاستثمار المحلي، حتى يشجع ذلك المستثمر الأجنبي، "الذي لن يحضر طالما أن الشركات المصرية بالخارج".

وتراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، خلال العقدين الماضيين، إلى 16 بالمئة حسب بيانات وزارة التخطيط المصرية، من 26.4 بالمئة عام 2003، وفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2004، الصادر عن صندوق النقد العربي.

"صناعة الدولار" في مصر.. خطة حكومية للحفاظ على النقد الأجنبي
منذ عقود ظل تطوير القطاع الصناعي في مصر على "رأس أولويات" الحكومات المتلاحقة كما كانت تُعلن، حيث المزيد من الخطط التي تأمل من خلالها في إحلال الواردات بالسلع المنتجة محليا، وذلك في سبيل الهدف الأكبر المتمثل في تخفيف الضغط على موارد البلاد من العملات الأجنبية.

وقلل المتحدث ذاته من نجاعة الحلول الأمنية في الحيلولة دون تراجع الجنيه بمعدلات أكبر، منوها إلى أن حديث السلطات المصرية أنها "حققت احتياطيا كبيرا من النقد الأجنبي لم يتحقق من قبل"، لن يساعد في حل المشكلة.

ولفت إلى أن الاحتياطي من النقد الأجنبي يساعد الحكومات في أمرين، أولهما المساعدة في حماية العملة المحلية من الانهيار، وثانيهما المساعدة في تغطية فاتورة الواردات.

وأوضح أن وصفة صندوق النقد الدولي تشترط على الدول عدم المساس باحتياطي النقد الأجنبي، "لتضمن سداد الدول أقساط الصندوق والمقرضين الآخرين".

وتابع قائلا "السلطات المصرية تضحك على المواطنين بحديثها عن حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي، لأن السؤال المهم، "هل هذا الاحتياطي مصدره عوامل داخلية، أم صفقة رأس الحكمة، وعوامل طارئة يصعب تكرارها؟".

وخلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الماضي 2023\2024، بلغ حجم واردات إلى مصر نحو 52.9 مليار دولار، فيما بلغت الصادرات 24.1 مليار دولار، حيث سجل ميزان المدفوعات عجزا بنحو 28.8 مليار دولار، حسب بيانات البنك المركزي.

من جانبه، استعبد عبد المطلب وجود علاقة بين قرار السلطات برفع أسعار المحروقات وبين انخفاض قيمة الجنيه، منوها إلى أن زيارة أسعار المحروقات تزامنت مع وصول الدفعة الرابعة من قرض صندوق النقد الدولي.

وأضاف "إذا كان انخفاض الجنيه جاء وفقا لمعطيات اقتصادية، لقلنا إن هناك حاجة لترشيد الواردات وزيادة الإنتاج المحلي وتشجيع المستثمرين، لكن الانخفاض جاء بقرار حكومي، وأتوقع أن ينتهي بقرار حكومي أيضا".

وأشار إلى أن "الانخفاض الحالي في قيمة الجنيه أوجد حالة من عدم الاستقرار في الأسواق ورفع أسعار السلع، كما أدى لاحتقان وسط المواطنين، الذين أصبح لديهم حساسية عالية تجاه تراجع العملة المحلية أمام النقد الأجنبي".

وكان صندوق النقد الدولي لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

الحرة المصدر: الحرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا