ذكرت خدمة البحوث في البرلمان الألماني (بوندستاغ) أن قرار نشر أنظمة أسلحة أمريكية بعيدة المدى على الأراضي الألمانية لا يحتاج العودة إلى البرلمان. وأشارت خدمة البحوث في تقريرها الموجز الجديد إلى أن نشر المخطط في عام 2026 من المرجح أن يجرى "في إطار نظام حلف شمال الأطلسي (الناتو)"، وبالتالي فإن السند القانوني للحكومة الألمانية من أجل الموافقة على نشر الأسلحة - دون إشراك السلطة التشريعية في القرار - "يمكنه أن يتجلى" في معاهدة الناتو واتفاقية الإقامة، التي تنظم الوضع القانوني لتواجد قوات مسلحة أجنبية في ألمانيا، إلى جانب قوانين الموافقة المرتبطة بذلك.
وعلى هامش قمة الناتو الأخيرة في واشنطن، أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا نشر صواريخ كروز من طراز "توماهوك" وصواريخ من طراز "إس إم6 -" وأسلحة جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت اعتبارا من عام 2026 على الأراضي الألمانية، وبررتا ذلك بأنه رد على تهديدات روسيا. وجاء القرار المشترك بمثابة مفاجأة للعديد من نواب البرلمان الألماني، وترددت انتقادات ودعوات لإحالة المسألة إلى البرلمان.
جدل داخل الحزب الحاكم
وبدد المستشار الألماني المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس، مخاوف من أن يؤدي النشر المخطط له إلى تصعيد مع روسيا. وشدد على أن الأسلحة تهدف إلى الردع. بينما أعرب العديد من ساسة حزبه عن قلقهم إزاء ذلك، إذ طالب الرئيس الأسبق للحزب نوربرت فالتر- بوريانز بمناقشة الأمر داخل الحزب الأشتراكي وداخل أروقة بوندستاغ. كما دعا نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي، يوهان فاديفول، إلى مناقشة الأمر في البرلمان رغم ترحيبه بقرار نشر الأسلحة.
وكانت يوانا كوتار، وهي نائبة غير منتمية حاليا لأي من الكتل الحزبية في البرلمان، قد طلبت من خدمة البحوث في البرلمان إجراء تقييم قانوني لمسألة الإحالة إلى بوندستاغ. وقالت كوتار إنه عند التعامل مع روسيا، وخاصة مع الرئيس فلاديمير بوتين، "لا بد" من اتخاذ "موقف سياسي واضح" وإظهار "علامة على القوة"، مشيرة إلى أن ألمانيا والولايات المتحدة حققتا هذا الأمر الآن بهذا القرار. وفي ذات الوقت بررت كوتار خروجها من حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي عام 2022، بـ "تملق" الحزب لروسيا والصين وإيران، إلى جانب أمور أخرى.
"علينا أن نُبقي الأمور منفصلة بعناية"
من جهته رفض وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس هذه الانتقادات. وقال بيستوريوس على هامش زيارته لولاية هاواي الأمريكية الثلاثاء الماضي إنه ليس هناك ما يمنع التحدث علنا عن هذه القضية في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، وأضاف: "لكنها ليست في الأصل قضية نحتاج لمناقشتها في البرلمان مسبقا. كما أنه لا يمكن مقارنتها بقرار المسار المزدوج الذي اتخذه حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ثمانينيات القرن الماضي. لذلك يجب علينا أن نُبقي الأمور هنا منفصلة بعناية".
وذهب بيستوريوس الذي كان في زيارة إلى هاواي إلى القول، إنّ النشر يتعلق بأسلحة تقليدية لم يكن المقصود منها أن تكون أسلحة ذات رؤوس حربية نووية ، وأضاف: "يجب التأكيد على هذا بوضوح شديد لطمأنة كل من يشعر بالقلق بهذا الخصوص". وذكر الوزير أن روسيا تمتلك أسلحة من هذا النوع وغيرها من الأسلحة ذات المدى المختلف منذ فترة طويلة، مضيفا أنها انتهكت وأنهت معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى، التي تنظم الأنظمة النووية متوسطة المدى. وقال بيستوريوس إن نشر أسلحة بعيدة المدى ذات رؤوس حربية تقليدية يتعلق الآن "بردع حقيقي"، وأضاف: "يتعلق الأمر بسد هذه الفجوة من جانبنا،وليس بتهديد أحد، ولكن لتوضيح أن أي هجوم محتمل على أراض تابعة للناتو - على حلفاء الناتو - سيكون له ثمن باهظ بالنسبة لروسيا، بحيث لا يمكن بعدها حساب المخاطر".
يذكر أن قرار المسار المزدوج الذي اتخذه الناتو عام 1979 بنشر صواريخ نووية على الأراضي الألمانية أثار جدلا حادّاً في ألمانيا آنذاك. وتم اتخاذ القرار في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1979 من قبل وزراء خارجية ودفاع الناتو، ردّاً على صواريخ "إس إس20-" السوفيتية التي يمكن أن تصل إلى أهداف في غرب أوروبا. في الوقت نفسه عُرض على موسكو إجراء محادثات بشأن الحد من الأسلحة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر الأحد الماضي ، من نشوب أزمة صواريخ على غرار الحرب الباردة وقال إن موسكو ستضطر حينها إلى اتخاذ إجراءات "مماثلة" كرد على خطة واشنطن وبرلين.
ما أهمية هذه الأسلحة؟
يرى البريغادير جنرال الألماني المتقاعد، هاينريش فيشر، أن نشر أسلحة أمريكية بعيدة المدى في ألمانيا، "ضروري بصورة ملحة". وكتب فيشر في الدورية المتخصصة "الأمن الأوروبي والتكنولوجيا" (طبعة آب/أغسطس): "إنها ترسل إشارة واضحة للتحالف من جانب الولايات المتحدة باعتبارها قوة رائدة، وتحسن مصداقية الردع عبر نمو في القدرات التقليدية". وأضاف فيشر: "ردود الفعل من الكرملين تظهر القيمة المتزايدة للردع التي يمكن تحقيقها من خلال النشر المزمع لهذه الفئة من الأسلحة".
وشغل فيشر مؤخرا منصب قائد لمدارس القوات البرية ونائب لرئيس مكتب القوات البرية. وبحسب بيانات فيشر، يمكن لبطارية من طراز "تايفون" - التي تتكون من مركز قيادة ومركبات إمداد وراجمات صواريخ - إطلاق صواريخ من طراز "إس إم6-" وصواريخ "توماهوك" الجوالة من حاويات. وذكر فيشر أن مدى صواريخ "توماهوك" يبلغ أكثر من 1000 كيلومتر، ويحمل رأسا حربيا تقليديا يزن 450 كيلوجراما ويضرب بدقة تبلغ حوالي 10 أمتار، مضيفا أن صاروخ "إس إم6-" "قادر على القيام بأدوار متعددة": يمكنه درء صواريخ باليستية في مرحلة طيرانها النهائية، ويمكن استخدامه ضد سفن، وفي نسخة معدلة ضد أهداف أرضية أيضا.
وأشار فيشر إلى أن سرعة السلاح الأمريكي الجديد، الذي هو في المرحلة النهائية من تطويره، توازي خمسة أضعاف سرعة الصوت، كما أن مداه يفوق 2500 كيلومتر. وفي تحليله أشار فيشر إلى أنظمة الأسلحة الموجودة في منطقة كالينينغراد الروسية، والتي تشكل تهديدا حقيقيا للتخطيط الدفاعي لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الوسطى ومنطقة بحر البلطيق، بحسب تعبيره. وأوضح فيشر أنه في حالة نشوب صراع، لا يمكن نقل قوات برية للناتو من المركز إلى الجناح الشرقي في الوقت المناسب وبالقوام المطلوب، مضيفا أن هذا سيتسبب في تسارع انهيار دفاع قوات الناتو الموجودة هناك، وكتب: "ستكون أراضي جمهورية ألمانيا الاتحادية معرضة لتهديد متزايد في هذه العملية في ضوء دورها كمركز لوجيستي استراتيجي".
ووفقا لتقييم فيشر، فإن نشر تلك الأسلحة ضروري حتى يكون هناك مقدرة على تدمير الإمكانات العسكرية الروسية التي يمكن أن تمنع قوات الناتو من الدخول إلى منطقة عمليات ("منع الوصول") أو من حرية العمليات داخل منطقة عمليات ("حرمان منطقة"). ووفقا للجنرال، سيتم خوض هذه المعركة على خمس مراحل، موضحا أنه في المرحلة الأولى من المنافسة ستتم مراقبة قوات العدو بشكل كامل قبل نشوب صراع مسلح، ثم يتم تدميرها تدريجيا في صراع من أجل خلق مجال للمناورة للقوات.
ويرى فيشر أن نشر هذه الأسلحة يشكل زيادة كبيرة في القدرات التقليدية لحلف شمال الأطلسي، وهو ما من شأنه تعزيز مصداقية استراتيجية الردع "وفي الوقت نفسه رفع العتبة النووية"، معيدا إلى الأذهان أن صواريخ "توماهوك" المتمركزة في ألمانيا خلال الحرب الباردة كانت تحمل رأسا نوويا.
ع.خ/ و.ب (د ب ا)