مع انتشار نبأ مقتل رئيس المكتب السياسي في حركة حماس ، إسماعيل هنية، في غارة نُسبت إلى إسرائيل ، توالى الوعيد والتهديد من جانب القيادة الإيرانية ، خاصة وأن الغارة استهدفته فيما كان متواجدا في طهران. وتزايدت وتيرة التصريحات الداعية للانتقام مع بدء مراسم تشييع هنية باكرا صباح الخميس (1 أغسطس/ آب) في العاصمة الإيرانية مما أثار مخاوف من توسع النزاع الدائر منذ نحو عشرة أشهر في قطاع غزة بين إسرائيل وحماس وحزب الله المدعومين من طهران.
يُذكر هنا أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. وتعتبر دول عديدة حزب الله أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كمنظمة إرهابية.
وهدد الرئيس الإيراني الجديد، الذي شارك هنية في مراسم تنصيبه قبيل مقتله، مسعود بزشكيان بأن منفذي الاغتيال "سيرون قريبا عواقب عملهم الجبان" فيما لم تتوقف مثل هذه التصريحات على كبار المسؤولين السياسيين، بل شملت أيضا دوائر دبلوماسية. ففي تغريدة على منصة إكس، حذّرت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك من أن طهران ستنفّذ "عمليات خاصة ردّا على هذا الاغتيال الذي سيثير ندما عميقا لدى منفّذه".
من جهتها ترجح أنيسة بصيري التبريزي، الباحثة في الشؤون الإيرانية بمعهد "تشاتام هاوس" البحثي في لندن، أن يكون الرد الإيراني على شكل "هجوم مباشر ضد إسرائيل، لكنه سيكون هجوما محسوبا". وفي مقابلة مع DW عربية، قالت أنيسة، الخبيرة البارزة أيضا في مجموعة "كونترول ريسك" الاستشارية، إن الرد الإيراني سيكون "محسوبا بهدف عدم إثارة التصعيد وخروجه عن نطاق السيطرة . ومن المرجح أن تعمل (طهران) أيضا مع وكلائها لإظهار وحدتهم وقدراتهم المستمرة".
كيف ستتم ترجمة تهديدات خامنئي؟
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين قولهم إن المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي قد أصدر أمرا بضرب إسرائيل "مباشرة" وذلك في اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بعد وقت قصير من إعلان مقتل هنية. وقال المسؤولون الإيرانيون الثلاثة، اثنان منهم أعضاء في الحرس الثوري، إن خامنئي، الذي له كلمة الفصل في جميع شؤون الدولة خاصة السياسية والعسكرية، أصدر تعليمات للقادة العسكريين من الحرس الثوري والجيش بإعداد خطط في حالة توسع رقعة الحرب وتوجيه إسرائيل أو الولايات المتحدة ضربة إلى إيران.
ويعتقد سلمان الأنصاري، المحلل السعودي المتخصص في الشؤون الجيوسياسية بالمنطقة، أن إيران رغم تزايد حدة تصريحات كبار مسؤوليها وعلى رأسهم خامنئي، "لن ترد بقوة". وفي مقابلة مع DW عربية، عزا ذلك إلى أسباب من بينها "نمط إيران الراسخ المتمثل في تجنب المواجهة المباشرة والاعتماد على وكلائها للقتال نيابة عنها."
وأضاف "إيران لا تخجل من أن يُنظر إليها من قبل خصومها على أنها ضعيفة، لكنها تركز دائما على صورتها في الداخل. وفي ضوء ذلك، أتوقع أن إيران سوف تشرع في التخطيط لعملية رمزية ومحدودة من خلال وكلائهم ضد إسرائيل بهدف الاستهلاك العام فقط." وخلال ما يقرب من عشرة أشهر من الحرب في غزة، حاولت إيران تحقيق التوازن بين الضغط على إسرائيل عبر زيادة الهجمات بشكل حاد من قبل حلفائها ووكلائها في المنطقة من جهة، وبين تجنب حرب شاملة مع إسرائيل من جهة أخرى.
وفي نيسان/أبريل الماضي، شنت إيران أكبر هجوم علني على إسرائيل منذ عقود من العداء، حيث أطلقت مئات الصواريخ والطائرات المسيرة ردا على استهداف قنصليتها في دمشق ما أسفر عن مقتل العديد من القادة العسكريين الإيرانيين. وعقب مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي عام 2020، تمثل الرد الإيراني في قصف قاعدة عين الأسد غربي الأنبار وقاعدة حرير في أربيل. وعقب القصف، أكدت طهران أنها ردت بشكل متناسب حيث شددت في الوقت نفسه على أنها لا تسعى للحرب والتصعيد. ونُقل عن وزير الخارجية الإيراني آنذاك محمد جواد ظريف قوله إن رد بلاده على مقتل سليماني "انتهى" بعد قصف القاعدتين العسكريتين في الأنبار وأربيل.
هل تستهدف طهران مصالح أمريكية مجددا؟
في ذلك تشير الباحثة في الشأن الإيراني، أنيسة بصيري التبريزي، إلى أن الرد الإيراني المحتمل سوف يحمل في طياته "اختلافا" عن الوقائع السابقة. وفي مقابلتها مع DW عربية، قالت إن "الاختلاف الرئيسي بين الهجوم المرتقب وبين هجوم إيران على إسرائيل في أبريل / نيسان (عقب الهجوم على قنصليتها في دمشق) سوف يتمثل في زيادة التنسيق مع وكلاء طهران في المنطقة وهو ما لم يحدث في المرة السابقة". وأضافت "ثمة احتمال أن تلجأ إيران إلى استئناف استهداف المصالح والقوات الأمريكية في العراق وسوريا من خلال وكلائها، نظرا لأن طهران ألقت باللوم على الولايات المتحدة في دعم واقعة مقتل هنية". يأتي ذلك فيما يجري دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون مناقشات عاجلة في أنحاء الشرق الأوسط ضمن جهود متسارعة لمحاولة تجنب خطر نشوب حرب إقليمية شاملة.
وقالت صحيفة "فاينانشال تايمز" إن إنريكي مورا، أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، قد أجرى محادثات مع مسؤولين في طهران الأربعاء (31 يوليو/ تموز) بعد مقتل هنية بالتزامن مع عقد بريت ماكغورك، أكبر مسؤول خاص بالشرق الأوسط في البيت الأبيض، مناقشات في السعودية. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غريي شارك في المباحثات قوله إن المناقشات ركزت على إقناع طهران إما بعدم الرد أو القيام بعمل رمزي، مضيفا: "الجميع منذ الليلة الماضية يضغطون على طهران لعدم الرد واحتواء ذلك".
تحويل "النكسات إلى إيجابيات"
في السياق ذاته، ذكرت شبكة (سي إن إن) الأمريكية أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طلب من رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نقل رسائل إلى إيران وحزب الله تتضمن "الدعوة إلى تهدئة التصعيد". ونقلت مجلة "نيوزويك" الأمريكية عن خبراء قولهم إن واقعة مقتل هنية في طهران كشفت عن "ثغرة موجودة منذ سنوات في أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية". وأضاف خبراء: "من المرجح أن المسؤولين الإيرانيين سيختارون الرد الذي يحمل رسالة سياسية كبيرة، لكنه ينطوي على أقل قدر من الخسائر المادية".
ويتفق في هذا الرأي سليمان الأنصاري، المحلل السعودي المتخصص في الشؤون الجيوسياسية بالمنطقة، قائلا: "عقلية الضحية متجذرة بعمق في الهوية السياسية للنظام الإيراني؛ إنه قادر على تحويل نكساته إلى إيجابيات في أعين مواطنيه".