عاد اسم الضاحية الجنوبية لبيروت إلى الواجهة بعد استهداف اسرائيلي أدى إلى اغتيال القيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر، بحسب ما أعلن الحزب في بيان رسمي.
ووقع الهجوم على شقة في مبنى سكني في منطقة حارة حريك، ملاصق لمستشفى بهمن المعروف في المنطقة.
وتعدّ الضاحية الجنوبية لبيروت من بين أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في لبنان.
تقول الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأمريكية لبيروت والباحثة في التاريخ الحضري والتخطيط العمراني، منى فواز، في اتصال مع بي بي سي عربي، إن عدد سكان الضاحية كان نحو 600 ألف نسمة، لكن الرقم ارتفع كثيراً مع لجوء المواطنين السوريين إلى لبنان، جراء الحرب في بلادهم، خلال العقد الماضي.
وكان آخر مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي اللبنانية في العام 2007، بيّن أنّ 50.3 بالمئة من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت ينحدرون من مناطق الجنوب، و24.3 بالمئة من البقاع، و9.7 بالمئة من بيروت، و15 بالمئة من جبل لبنان، و0.7 بالمئة من الشمال، و0.1 بالمئة من حملة جنسية قيد الدرس.
ما يعرف اليوم بالضاحية الجنوبية لبيروت كان عبارة عن مجموعة قرى زراعية، قريبة من بيروت. ومن أهمها حارة حريك التي كانت مليئة بباستين الليمون، وكانت معروفة بجمال طبيعتها، وبكونها مقراً لمدارس وإرساليات مسيحية.
وتقول منى فواز إنه "منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، بدأ النزوح إلى المنطقة من الجنوب والبقاع (شرق لبنان)، نتيجة الفقر والحاجة للبحث عن عمل، كما حصل في جميع بلاد العالم من نزوح إلى المدن من المناطق الريفية. يضاف إلى ذلك، أنه بعد تأسيس إسرائيل، تعطّلت الحركة الاقتصادية في مناطق الجنوب".
نتيجة لذلك النزوح، "توسعت القرى المجاورة لبيروت شيئاً فشيئاً بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتحوّلت هذه المناطق من قرى، إلى ضواحٍ للعاصمة".
وتشير فواز إلى أنه في ذلك الوقت، لم تكن المنطقة تُعرف بـ"ضاحية بيروت الجنوبية"، بل كانت المناطق تحتفظ بأسمائها الأساسية.
وتضمّ ضاحية بيروت الجنوبية مناطق كثيرة أبرزها: الشياح، الغبيري، برج البراجنة، حارة حريك، بئر العبد، حي السلم، الليلكي، الأوزاعي، المريجة، وتحويطة الغدير.
ولم تشهد المنطقة هذا التوسع الكبير في مساحتها حتى الحرب الأهلية (1975-1990) التي تقول فواز إنها "سرّعت من وتيرة النزوح والسكن في الضاحية بشكل كبير".
تهجّر الناس في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية و"تحديداً عام 1976 من الضواحي الشرقية لمدينة بيروت إلى حارة حريك تحديداً".
وتضيف فواز أنه في العام 1982، ومع بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان، نزحت أعداد كبيرة من الجنوبيين إلى ضاحية بيروت الجنوبية.
وتشير الباحثة اللبنانية إلى أنّه وفي منتصف الثمانينيات، ظهرت الكثير من "العشوائيات" السكنية، وانتشر السكن غير القانوني، وتم الاستحواذ على الكثير من الأراضي بفعل الحرب، وسطوة الأحزاب التي كانت تساعد أتباعها على إيجاد مساكن.
نشرت منى فواز دراسات كثيرة عن منطقة الضاحية الجنوبية. نسألها عن التحوّل السياسي والديني في المنطقة على مرّ السنوات. تخبرنا أنّه عام 1976، أسس المرجع الديني الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله أول حوزة دينية سياسية في المنطقة، وكان مركزها في حارة حريك. وبعدها كرّت السبحة، وأصبحت المنطقة مركزاً لحوزات دينية أخرى.
وحافظت حارة حريك على بعض معالمها القديمة، ولا تزال كنيستها مفتوحة إلى اليوم، وتقام فيها الصلوات أيام الآحاد.
وفي السبعينيات، بدأت المنطقة تتحوّل إلى مركز ثقل سياسي مع صعود شعبية الإمام موسى الصدر الذي أسس "حركة المحرومين" أو "حركة أمل" عام 1974. وفُقد أثر الصدر خلال زيارة لليبيا عام 1978.
وتضيف فواز "في أواخر الثمانينات وبعد استقرار حزب الله في الضاحية، تغيرت هوية المنطقة، وأصبح لديها هوية دينية جديدة وسياسية ترتبط به".
وتقول إن "الشيعة في عهد موسى الصدر كانوا يُعرفون بالمحرومين، ومع صعود حزب الله درج استخدام مصطلح المستضعفين. هكذا، تحوّلت صورة الضاحية من منطقة منبوذة وفقيرة إلى منطقة لديها هوية سياسية قوية، وينظر إليها كمنطقة مقاومة ومتدينة وملتزمة".
وتضيف: "خلال حرب عام 2006، عندما قصفت إسرائيل حارة حريك، كان هناك شعور قوي جداً بأنّ ما تحاول أن تمحيه هو المركز السياسي لحزب الله".
وتابعت: "اعتبرت إسرائيل حينها أن جميع سكان المنطقة المكتظة التي يقع فيها المربع الأمني لحزب الله، من المسموح أن يكونوا ضمن الأضرار الجانبية". وتشير فواز إلى أنه تم تدمير أكثر من 250 مبنى سكني في حارة حريك بشكل كامل في ذلك الوقت.
وتؤكد فواز أن الدولة اللبنانية لم تقم بإعادة إعمار المنطقة بعد حرب عام 2006، بل تركت لحزب الله فرصة القيام بذلك، عبر مؤسسة"وعد".
كما تشير إلى أن لحزب الله ارتباطات وثيقة باتحاد بلديات المنطقة، التي تتمركز فيها لجان أمنية تابعة له.
حاولنا رصد ردود فعل سكان حارة حريك بعد الهجوم الأخير.
وكان من اللافت عدم رغبة السكان بإعطاء أي تصريح لوسائل الإعلام. إلا أنّنا نجحنا بعد محاولات كثيرة بالتحدث إلى بعضهم.
وقالت لنا "سميرة" (اسم مستعار)، إنها كانت في منزلها الذي يقع في أحد الشوارع القريبة جداً لحظة تنفيذ الهجوم. وأشارت إلى أنها سمعت 3 أصوات لانفجارات واهتزّ فيها المنزل بشدّة، وكان الصوت قوياً جداً.
لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي