آخر الأخبار

كيف احتضنت سلطنة عُمان التنوع العقائدي عبر التاريخ؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

قبل أكثر من ألف عام وأربعة قرون، يُحكى أن رجلاً بعثه النبي محمد، نبي الإسلام، إلى أحد الأقوام، فشكا إلى النبي أنهم سبوه وضربوه، فقال له "لو أهل عُمان أتيت، ما سبّوك ولا ضربوك".

إن جملة كهذه تعد ذات دلالة على الجذور المجتمعية المرحبة بالتنوع الثقافي والديني منذ زمن بعيد في ما يعرف اليوم بسَلطنة عُمان، التي تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية.

وتعرّف الدولة العُمانية نفسها اليوم بأنها دولة غالبيتها العُظمى من المسلمين، يتبع معظمهم المذهب الإباضي، ويوجد بها أيضا عمانيون من السنة والشيعة.

كما يضم المجتمع العماني "مواطنين ومقيمين من الهندوس والبوذيين والمسيحيين واليهود والبهائية والمورمون"، وذلك بحسب موقع وزارة الخارجية العُمانية.

وعلى الرغم من أن "الإسلام هو دين الدولة وأساس التشريع"، فإن النظام الأساسي في عُمان، يحظر التمييز على أساس الدين، وينص على حرية ممارسة الشعائر الدينية، وحماية "جميع الديانات الإبراهيمية من الإساءة".

ويقول الدكتور زكريا المُحرّمي، الباحث العُماني في الفكر الإسلامي، إنه "لم يسجل منذ نشأة الدولة العمانية في العهد الإسلامي، أي طوال 12 عشر قرناً، أي حرب داخلية على أسس طائفية أو مذهبية".

ويضيف المحرمي لبي بي سي أن جميع الحروب الداخلية التي خاضها العمانيون كانت ذات نزعة قبلية أو مناطقية، "لذلك عُرِف العُمانيون بتسامحهم الديني وتقبلهم للتعدية المذهبية".

عُمان قبل الإسلام

مصدر الصورة

في كتابه "تاريخ الخليج" يقول الكولونيل السير أرنولد ويلسون إن تاريخ عُمان القديم يكتنفه الغموض، وإن معظم ما كتب عن عُمان يقتصر على "الجوانب الجغرافية والتاريخية ويتناول الأجزاء الساحلية لعُمان".

وعلى الرغم من هذا الغموض، فإنه لا ينفي أن عُمان عرفت تعدد الديانات منذ فجر تاريخها، الذي يُرجعه بعض المؤرخين إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. ويسري على عُمان ما يسرى على بقية شبه الجزيرة العربية من ثقافات دينية، لاسيما في ضوء موقعها الجغرافي المميز الذي جعلها ملتقى تجارياً.

وأضاف ويلسون في كتابه الذي يؤرخ للخليج من العصور الأولى، أن "السومريين" أطلقوا على عُمان اسم "ماجان" وكانت ترتبط لديهم بالبحر والملاحة. وأنه "في الملاحم والأساطير السومرية، كان من آلهة مملكة ماجان (نندولا) ومعناها (ملك الأغنام والمواشي)" التي كانت تشتهر بها عُمان، بحسب ويلسون.

ومن أبرز الديانات القديمة في عُمان الزرادشتية التي تقدس النار، على يد الفرس الذين كانوا آخر الأمم القديمة التي استوطنت عُمان زمناً طويلاً بحكم القرب الجغرافي من بلاد فارس، قبل أن يخرجهم العرب منها، وكان الفرس يطلقون على عُمان "مَزُون".

كما عرفت عُمان الديانة اليهودية، وإن كان حضورها يبدو محدوداً أو غير مؤثر في المجتمع العُماني، بالنظر إلى عدم وجود تفاصيل عن سيرتهم في التاريخ القديم.

وعرفت عُمان المسيحية، وكان ذلك منذ أواخر القرن الميلادي الأول، بحسب عالم الآثار الأمريكي ويندل فيليب، الذي كان "المستشار الاقتصادي وممثل سُلطان عُمان وأقطارها" في عهد السلطان سعيد بن تيمور البوسعيدي .

ففي كتابه "عُمان تاريخ له جذور"، قال فيليب إن رجل الدين المسيحي توماس ديديموس قام بمهمات تبشيرية في جنوب شبه الجزيرة العربية عام 50 ميلادياً.

وفي عام 356م في عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني، أرسِلت بعثة مسيحية إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، قامت ببناء ثلاث كنائس في المنطقة، إحداها في عُمان، يُعتقد أنها في صحار الواقعة في شمال البلاد.

وظلت المسيحية في عُمان التي تحول أهلها جميعاً للإسلام على يد حاكميْها من قبيلة الجُلندي، كما سيأتي لاحقاً.

عُمان والإسلام

مصدر الصورة

في كتاب "تحفة الأعيان في سيرة أهل عُمان"، نقل المؤرخ العُماني نور الدين السالمي ما يقال عن أن العرب دخلوا عُمان على يد مالك بن فهم بن غانم الأزْديّ، وأخذوها من يد الفرس قبل ظهور الإسلام بألفي عام، بعد ما يُعرف بـ"سيل العَرِم" أو المعروف تاريخياً بانهيار سد مأرب في اليمن.

وتعد قبيلة "الأزد" التي ينتمي إليها مالك بن فهم، الموجة الثانية من العرب الذين سكنوا عُمان عبر تاريخها، بحسب ويلسون، الذي قال إن القحطانيين اليمنيين أول من استوطنوها، وذلك منذ سبعة أو ثمانية قرون قبل الميلاد.

وعلى الرغم من قضاء العرب على حكم الفرس في عُمان، إلا أن العُمانيين تعايشوا مع من بقي من الفرس، حتى دخول الإسلام.

وقد عرفت القبائل العربية في عُمان الوثنية كما هو حال العرب قبل الإسلام، ويُروى أن أول من اعتنق ديانة الإسلام من أهل عُمان هو مازن بن الغَضُوبة، الذي كان "سادن" الأصنام أي خادمها، وذلك بعد ما روي عن حوار بينه وبين الأصنام، ما يراه الدكتور سعود الزدجالي، الباحث العُماني وأستاذ الفلسفة، من الأساطير.

وروت الكتب التاريخية الإسلامية أن دخول عُمان في الإسلام جاء في السنة الثامنة للهجرة النبوية، بعد رسالة من النبي محمد، إلى "جيفر" و"عُبد" ملكيْ عُمان اللذين ينتميان إلى قبيلة الجُلندي الأزدية اللذين يُنسب إليهما ملوك عُمان في الجاهلية قبل الإسلام.

ويقول الدكتور زكريا المحرمي الباحث العُماني في الفكر الإسلامي إنه على ما يبدو من الإشارات التاريخية أن "دين أهل عمان كان في غالبه هو ذات دين العرب في الجزيرة وهو الوثنية".

وأوضح لبي بي سي أن "هناك دلائل قوية على انتشار المسيحية النسطورية في عُمان"، والنسطوريون هم الذين لا يؤمنون باتحاد الطبيعتين البشرية والإلهية في السيد المسيح، مضيفاً "لعل النسطورية كانت ديانة النخبة ومنهم عبد وجيفر ملكيْ عمان؛ لأنهما أسلما طوعا بعد مشاورة زعماء القبائل، وهذا يكشف فكراً قريباً من التوحيد الإسلامي".

وجاء في كتاب "تحفة الأعيان" أن ابني الجُلَنْدي بعثا إلى "وجوه عشائره" فأخذ منهم البيعة للنبي محمد، "فما ورد رسول جيفر إلى أحد إلا وأسلم وأجاب دعوته إلا الفُرس، الذي كانوا في ذلك العهد بعُمان".

وقد دفع موقف الفُرس "جيفر" إلى تخييرهم بين الإسلام أو الرحيل عن عُمان، فرفض الفرس الخيارين، فقاتلهم الأزد إلى أن طلبوا الصُلح، فصالحوهم شريطة خروجهم من عُمان وعودتهم إلى "أرض فارس" التي هي إيران اليوم، وقد كان.

ومن هنا يُمكن القول إن أهل عُمان دخلوا جميعاً الإسلام بدون حرب أو "فتح إسلامي" استجابة لدعوة ملكهم. وبعد دخول الإسلام، لم يبق في عُمان إلا العرب المسلمون كأغلبية.

ومع ذلك، يبدو أنه بقي في عُمان بعض اليهود، وهو ما يتضح مما رواه السالمي في كتابه عن حكاية بين يهوديّ "من يهود عُمان" وعمرو بن العاص، في عهد النبي محمد.

اضطرابات ما بعد عهد النبوة

صورة من الجمعية الجغرافية الملكية لمسقط في عام 1940 لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

إقرأ أيضا