بعد أسابيع من الشد والجذب، حسم الرئيس الأميركي جو بايدن أمره واستجاب للضغوط معلنا الانسحاب من سباق الرئاسة المقبل، وترك المهمة لنائبته كامالا هاريس كي تواجه الخصم الصعب دونالد ترامب.
القرار الذي أعلنه بايدن الأحد الماضي، وإن أثار كثيرا من الارتياح في صفوف حزبه الديمقراطي، إلا أنه أعاده خطوات للخلف فيما يخص الاستعداد لانتخابات نوفمبر/تشرين الأول المقبل، لكن جزءا من هذه الأعباء يقع أيضا على الحزب الجمهوري.
البداية كانت في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا مساء 27 يونيو/حزيران الماضي، عندما التقى بايدن ترامب في مناظرة بدأت دون تبادل التحية وانتهت بانطباعات واسعة النطاق بأن أداء الرئيس كان كارثيا وأنه ابتعد أكثر عن احتمال تكرار الإنجاز الذي حققه بالانتخابات السابقة عام 2020 عندما تغلب على ترامب وأزاحه من السلطة.
وربما لم يكن الأميركيون بحاجة إلى انتهاء المناظرة، ففي غضون دقائق من بدايتها بدا أداء بايدن كارثيا سواء فيما يتعلق بارتباكه الواضح أو صوته المرتعش أو إجاباته المفككة، مما غذى الشكوك بشأن تقدم عمره وتراجع حالته الصحية خصوصا فيما يتعلق بالتركيز الذهني.
وجاء أول استطلاع للرأي عقب المناظرة ليعكس هذا الوضع، والذي أشارت فيه شبكة "سي إن إن" إلى أن ترامب يتقدم بـ6 نقاط كاملة (49% مقابل 43% لبايدن) بعدما كانت الاستطلاعات السابقة تعطي التقدم لترامب بفارق يتراوح بين 3 نقاط ونقطة واحدة فقط.
وعلى مدى أكثر من 3 أسابيع، تصاعدت الضغوط على الرئيس البالغ من العمر 81 عاما كي يتنحى عن الترشح، بينما استمر من جانبه في المقاومة حتى رضخ أخيرا وأعلن في 21 يوليو/تموز الجاري أنه لن يخوض السباق من أجل ولاية رئاسية ثانية، وسيتحول إلى دعم نائبته كي تصبح الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة.
وقد قلب انسحاب بايدن الأمور رأسا على عقب، أولا في الحزب الديمقراطي وهذا أمر طبيعي عندما ينسحب مرشح الحزب قبل نحو 4 أشهر فقط من موعد الانتخابات، لكن سرعان ما بدأت الأصوات تتوالى دعما لهاريس التي بدت وكأنها مرشحة الضرورة بالنظر إلى ضيق الوقت بالنسبة لغيرها.
لكن المثير أن انسحاب بايدن سبب أيضا إرباكا كبيرا لحملة ترامب، وذلك لسبب أساسي هو أن الرئيس السابق صاغ إستراتيجيته الدعائية بشكل أساسي على مهاجمة بايدن وانتقاد تقدم عمره وتراجع حالته الصحية.
فبانسحاب بايدن، بات لقب أكبر مرشح رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة من نصيب ترامب البالغ من العمر 78 عاما، وهي مفارقة أدت في أقل الأحوال إلى تجريد ترامب من سلاحه الدعائي الرئيسي.
ومن المهم هنا الإشارة إلى استطلاع أجرته شبكة "أيه بي سي" في منتصف يوليو/ تموز الجاري، أوضح أن 60% من الأميركيين يعتقدون أن ترامب بات كبيرا في السن إلى حد يمنع ترشحه لولاية ثانية.
سيكون المنافس لترامب الآن -إذا مضت الأمور كما تبدو عليه حاليا- هو هاريس التي تبلغ من العمر 59 عاما أي أنها أصغر منه بـ19 عاما كاملة.
ليس هذا فحسب، فالمنافس القادم لترامب لا يقل عنه في مجال النقد الحاد والسخرية اللاذعة، وها هي هاريس تشحذ أسنانها في أوائل تصريحاتها بعد انسحاب بايدن، لتذكر ترامب بأنها كانت مدعية عامة سابقة في حين أنه مجرم تمت إدانته قضائيا.
وكانت نائبة بايدن تشير إلى قرار هيئة محلفين نهاية مايو/أيار الماضي بإدانة ترامب بالإجماع في قضية تزوير وثائق للتغطية على دفع مبلغ مالي لشراء صمت ممثلة إباحية.
وتلفت تقارير إعلامية إلى أن ترامب أظهر أنه معرّض للخطأ أيضا من خلال زلّات متكررة وأحاديث غير مترابطة، وإن كان لا يمكن الجزم بأنها مؤشر على تراجع قدراته الذهنية، لكنه ستكون بالتأكيد فرصة للنيل منه على غرار ما كان يفعل مع بايدن.
ولم تتوقف سخرية ترامب من بايدن رغم قرار الأخير على الانسحاب من سباق الرئاسة، حيث قال على وسائل التواصل الاجتماعي إن الرئيس "سيستيقظ وينسى بأنه انسحب من السباق".
وقد ظهرت قوة هاريس أيضا في تدفق التبرعات المالية لحملتها الرئاسية، حيث ضخ المانحون مبلغا قياسيا بلغ 81 مليون دولار خلال 24 ساعة بعد تنحي بايدن.
وكونها أيضا أول نائبة رئيس سوداء ومن أصول جنوب آسيوية، في تاريخ الولايات المتحدة، قد يمثل هذا عنصر قوة إضافيا خصوصا مع وجود 44 مليون أميركي ولدوا خارج البلاد وتجنسوا بجنسيتها ومنهم والدا هاريس، الأب دونالد القادم من جامايكا والأم الهندية الأصل.
أما كونها ثاني امرأة تترشح لمنصب الرئيس في التاريخ الأميركي بعد هيلاري كلينتون، فقد يزيد حماس الناخبات، وقد يلبي آمال الراغبين في التغيير.
ويتوالى الدعم لهاريس من كبار قادة حزبها وفي مقدمتهم بايدن، وسط غياب لافت لصوت الرئيس السابق باراك أوباما، وقد اعتبرت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها اليوم أن القدر قدم لهاريس فرصة سياسية نادرة.
لكن قبل كل ذلك، ستكون السيدة السمراء بحاجة إلى اجتياز الخطوة الأولى وهي الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي بشكل رسمي في أغسطس/آب المقبل.