آخر الأخبار

هل آمن المصريون القدماء بـ "إله واحد أحد" قبل الأديان السماوية؟

شارك الخبر

"أيها الإله الأوحد، الذي لا شبيه له، خلقت الدنيا كما شئت عندما كنت وحدك، والناس والماشية الكبيرة والصغيرة وكل ما على الأرض يسعى على قدميه، وكل ما يرتفع (في السماء) ويطير بأجنحته"، مقتطف من تراتيل أخناتون التي تمثل نموذجا لنصوص دينية عديدة تركها المصريون القدماء، أسهمت في تسليط الضوء على المضمون الفكري واللغوي لفلسفة الفكر الديني في البيئة المصرية قديما بكل أبعادها الحضارية والتاريخية والإنسانية والروحية قبل ظهور الأديان السماوية بآلاف السنين.

ولا تزال الديانة المصرية مصدر حيرة لعلماء تاريخ مصر القديم نظرا للطبيعة المعقدة والمتشابكة لتكوينها الفكري، الذي امتزجت فيه الأسطورة بالرؤية الفلسفية في ظل متغيرات تاريخية وسياسية امتدت وتشعبت على مدار عصور، الأمر الذي ترك أثره في بنيانها، وجعل فهم هذا الفكر الديني يتسم بطابع فلسفي شديد التعقيد.

كان اعتقاد المصري قديما في وجود "قوة إلهية" كلية القدرة عنصرا أساسيا في فكره الديني، وقد أبرز بوضوح مفهوم "وحدانية الإله"، وسجّله مراراً في نصوص أدب الحكمة. إنه "إله" بدون مواصفات يتمتع بقدرات لا نهائية، ترسم بعض ملامحه مقتطفات مثل: "ليست إرادة الإنسان هي التي تتحقق، بل تدبير الإله (تعاليم بتاح حوتب)"، "كل من يفعل هكذا، سيمجد الإله اسمه (تعاليم آني)"، "الإنسان طين وقش، وصانعه هو الإله (تعاليم امنمؤوبي)"، "أدخلت السرور على قلب الإله لأني فعلت ما يجب (تعاليم من عصر الدولة الوسطى)".

وهذا ما دفع العالم الفرنسي روبير-جاك تيبو في دراسته "معجم الأساطير والرموز المصرية" في مادة "إله (واحد)" إلى أن يقول: "قطعا لم يتجه ملوك مصر وشعبها بتعبدهم نحو مجموعة من الآلهة (الوثنية كما يعتقد البعض). بل على النقيض، عبدوا إلها واحدا، خالق الأرض: إنه إله صانع فخار، شكّل خلقه بالطين الصلصالي ومياه النيل، بعد ذلك نفث فيه من روحه".

ويضيف: "على مدى ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، كانت الطقوس الدينية تكرر، بلا ملل أو كلل، ذكر هذا العمل الخلّاق من خلال بعض الأساطير. وهكذا استطاع كل فرد مُطهر ومُطلع حديثا على الأسرار أن يعيش فترة تأسيس هذا البلد الذي أحبه الإله وعمل على حمايته".

بدايات الفكر الديني

آمن المصري القديم بمجموعة من العقائد أبرزت تصوراته وتفسيراته للأشياء في الدنيا والآخرة، وهي تتعلق بتلك الصورة التي لابد أن يكون عليها الإنسان في حياته الدنيا، والتي بناء عليها تحدد مصيره في عالم الآخرة، ولذا، دأب على البحث عن حقيقة ما حوله من أسرار الكون وكيفية خلق الإنسان والأرض وبدء الحياة عليها، فضلا عن كونه أول من آمن بالبعث والخلود بعد الموت في حضارات الشرق القديم.

وسعى المصريون منذ العصور الحجرية إلى تأمل وفهم ما يحيط بهم في بيئتهم، بغية تفسير بعض الحوادث والظواهر الكونية المحيطة، والتي كان يصعب عليهم إدراك بعضها بخبرتهم المحدودة، الأمر الذي دفعهم إلى إعمال العقل الذي قادهم إلى حتمية وجود "قوة خفية" لها قدرة تفوق قدرتهم، وتستطيع التحكم في هذه الحوادث والظواهر المختلفة.

فقد تأمل المصري فيضان النيل وجفافه، وشاهد سقوط المطر وحدوث البرق، ولاحظ نمو النبات من الأرض وإثماره، فأيقن أن هذه "القوة الخفية" غير المرئية مؤثرة، بل ومتحكمة، في بيئته وفي الكون ككل، رغم عجز عقله عن إدراكها، وعينه عن رؤيتها، فبدأ التفكير في ماهية هذه القوة، وطبيعتها: هل هي قوة للخير أم قوة للشر؟ فاختلط العقل بين اتجاهين، اتجاه دفعه إلى التقرب من بعضها، وآخر إلى الحذر منها.

"تعدد الآلهة، لماذا؟"

إيمان المصري القديم بوجود قوة خفية في بيئته دفعه إلى خلق وسائل تواصل مع هذه القوى، بعد أن حدد دلالة بعض الظواهر والكائنات التي تتمتع بقدرات تفوق تصوره، فتقرب إلى الشمس والسماء لأنهما تحملان له الخير، وتقرب من ظواهر تحمل له الضرر (كالبرق) أملا منه في دفعه.

وبنفس المنطق تصوّر مصدرا للخير في بعض الحيوانات (كالأبقار)، وتصوّر مصدرا للشر في بعضها الآخر (كالثعابين والعقارب)، وأظهر تبجيلا لبعض الطيور (كالنسور والصقور)، ومن هذا المنطلق بزغت فكرة "التقديس"، التي كانت لبنة أولى في رسوخ العقيدة في مصر القديمة على مدى عصورها التاريخية.

لكن حدث خلط لدى كثيرين دفعهم إلى طرح سؤال عن سبب "عبادة" المصري القديم للحيوانات والطيور وغيرها، وعما إذا كان قد عبدها لذواتها، أم لأنها تمثل قوى خفية تفوق قدرته الفكرية المحدودة في أولى مراحل حياته على أرض مصر؟

يجيب العالم المصري عبد الحليم نور الدين، أستاذ تاريخ مصر القديم، في دراسته "المعبودات" عن هذا السؤال قائلا إن الشواهد تشير إلى أن "المصري لم يعبد هذه الموجودات لذاتها، وإنما على اعتبار أن القوى الخفية التي يدركها متمثلة فيها، وبكلمات أخرى فإن الموجودات التي عبدها المصري هي بمثابة رموز أرضية لهذه القوى الخفية التي لا تعيش معه على الأرض".

ويضيف: "الدليل على أن المصري لم يعبد هذه الموجودات لذاتها هو أنه كان يذبح البقرة، ويقتل التمساح والثعبان، برغم أنها كانت رموزا لمعبودات قدسها على مر العصور".

وفي ظل تطور الفكر الديني تصور المصري "إلها خاصا" لكل ظاهرة من الظواهر، واختلف مسمى هذا الإله أحيانا بين المناطق، كما أن إيمان المصري بوجود حياة أخرى بعد الموت، فضلا عن خوفه من بعض الظواهر وحبه لظواهر أخرى، أدى إلى تنوع وتشعب مسمياته للرموز المقدسة التي تمثل الإله الأكبر.

ويقودنا ذلك إلى سؤال: هل عرف المصريون القدماء كلمة محددة للديانة، أو هل ما كانوا يمارسونه ويفعلونه هو ما نطلق عليه الآن "دين" أو "عقيدة"؟

يقول العالم رندل كلارك في دراسته "الرمز والأسطورة في مصر القديمة" إن المصريين القدماء "لم يعرفوا كلمة محددة للديانة، إذ لم يخطر ببالهم أن يكون الدين شيئا منفصلا عن الحياة، بل هو الحياة ذاتها بطقوسه وأساطيره، وما المعابد إلا مراكز تنبثق منها قوة الحياة، التي تستمر بشعائرها وطقوسها، فلم يكن ثمة انفصال بين الدين والدولة، فرأس الدولة - الملك - كبير للكهنة".

ويضيف العالم الفرنسي بيير مونتيه في دراسته "الحياة اليومية في مصر في عهد الرعامسة" تأكيدا على نظرة المصريين للمعابد بوصفها مصدرا للحياة قائلا: "كان اهتمام المصريين بالآلهة والموتى يفوق إلى حد بعيد اهتمامهم بأنفسهم. وكانوا إذا شرعوا في تشييد معبد في مكان ما جلبوا له أشد أنواع الأحجار صلابة وأفضل أنواع المعادن والأحجار الكريمة وأجود أنواع الأخشاب، حتى لا تضارعه مبان أخرى في جماله وصلابته".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

إقرأ أيضا