عين على غزة وصوت في باريس .. المقاومة قد تحسم انتخابات فرنسا

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

"انتصارنا هو انتصار لفرنسا"

بنيامين نتنياهو خلال خطاب على التلفزيون الفرنسي

بعد سنين من الشد والجذب، والأخبار والإشاعات، أخيرا وقّع كيليان مبابي في صفوف ريال مدريد، وهو الآن، يخوض منافسته الدولية الأولى لاعبًا للفريق الإسباني، وليس لباريس سان جيرمان الذي أعلن خروجه منه قبل أسابيع.

خلال الندوة الصحفية التي سبقت لقاء فرنسا مع النمسا برسم الدور الأول لكأس أمم أوروبا المقامة حاليا في ألمانيا، وعكس ما كان متوقعا قبل أسابيع، لم يكن السؤال الذي ينتظر الجمهور الفرنسي إجابة عنه له علاقة بهذه الصفقة التي سترسم ملامح خط هجوم ريال مدريد الموسم المقبل، بل كان سؤالًا عن ملامح الوضع السياسي في فرنسا التي تعيش أزمة كبيرة بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل البرلمان.

مبابي، المعروف بقربه من الرئيس الفرنسي، حاول (1) إمساك العصا من الوسط، فدعا الشعب الفرنسي إلى عدم التصويت لـ"التيارات المتطرفة"، من دون توضيح لمقصده. فسّر بعض المحللين هذا الكلام بأنه ضد اليمين المتطرف، وفسّره بعض آخر بأنه ضد تجمع اليسار الذي يضم في جنباته حزب فرنسا الأبية، الذي يعتبر يسارا راديكاليا، ومن المؤكد يقينًا أن مبابي لا يقصد بحال "التيار الماكروني" بزعامة رئيس الجمهورية، الذي يحاول منذ وصوله إلى الحكم التسويق لنفسه على أنه "الحل الوسط".

على كل حال، كان تصريح مبابي ضبابيا للغاية، وهي الحالة التي تشبه كثيرا الوضع المعيش في فرنسا التي تشهد انقساما واستقطابا، بل ومواجهات عنيفة بين التيارات المختلفة. وبالاطلاع على برامج التيارات الأساسية: تجمع قوى اليمين، تحالف قوى اليسار، تيار الوسط الرئاسي (حسب بعض التصنيفات، رغم كون العديد من السياسات الاجتماعية لإيمانويل ماكرون كانت أقرب إلى أفكار اليمين المتطرف) نجد أنها كلها وضعت على رأس أولويات سياساتها، طرح إجابات عن سؤال الواجب السياسي والأخلاقي: فلسطين والحرب على غزة.

تمهيد "متطرف" لا بد منه

في يوم التاسع من يونيو/حزيران الماضي، وبعد هزيمة واضحة أمام حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب متلفز للشعب الفرنسي معلنا حل البرلمان الفرنسي، في استجابة لما كان قد طلبه جوردان بارديلا، رئيس الحزب اليميني المتطرف، خلال خطابه الذي تلا الانتصار.

فاجأ هذا الإعلان السياسيين والمحللين على حد سواء، فلم يكن ماكرون مجبرا دستوريا على هذه الخطوة رغم فقدانه الأغلبية الأوروبية، إلا أن هذه الخطوة التي يبدو من مصادر مطلعة على كواليس الإيليزيه أنها مدروسة إلى حد ما، بعد أن عمل عليها أسابيع مع مستشاريه المقربين، جعلت اليمين المتطرف، أقرب من أي وقت مضى إلى الوصول إلى الحكم، من باب رئاسة الحكومة.

قبل الحديث عن برنامج اليمين المتطرف، ونظرته إلى الوضع في فلسطين وعلاقاته مع دولة الاحتلال في الوقت الحالي، يجدر بنا العودة سريعا لشرح أصول حزب "التجمع الوطني"، أبرز الأحزاب اليمينية وصاحب الزعامة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، لأن ذلك سيسهّل وضع نقاطه على حروف القضية الفلسطينية.

مع نهاية الستينيات، وبعد أن أصبحت الجزائر، التي كانت مستعمرةً جزائرية، جزءًا من ماضٍ كولونيالي أنهاه استقلال الجزائر عام 1962، بدأ اليمين المتطرف الفرنسي ينشط سياسيا أكثر فأكثر في موطنه الأصلي، وكانت أبرز مجموعة في ذلك الوقت "أوردر نوفو" التي كانت تعرّف نفسها بأنها مجموعة "نيوفاشية" تطالب بمنع الأحزاب والنقابات وتريد خضوع فرنسا لنظام فاشي يسيطر عليها، ولم تكن هذه الأمور التي نذكرها مستخرجة من خطط سرية، بل كانت أيديولوجية واضحة يتم الإفصاح عنها دون مواربة.

في عام 1972، وبالتحديد في الخامس من أكتوبر/تشرين، سيحقق فرانسوا دوبرا، أحد قيادات التيار الفاشي الحلم الذي راوده كثيرا هو وأصدقاؤه، بجمع جميع التيارات الفاشية والنازية في حزب واحد سيحمل اسم "الجبهة الوطنية للوحدة الفرنسية"، وسيعرف اختصارا بالجبهة الوطنية (إف إن) في الأوساط السياسية.

سيضم هذا الحزب عددا من القيادات ذات الماضي المتطرف العتيد، سنذكر بعضها على سبيل المثل من أجل تقريب القارئ من أجواء الحزب، النموذج هنا هو فرانسوا برينيو المقاتل السابق في مجموعة "لا ميليس" التي أسسها نظام فيشي التابع للنظام النازي بطلب من هتلر، وآلان روبير زعيم تنظيم "أوكسيدان" المتطرف الذي يستمد مبادئه من "أورد نوفو"، وروجي هولاندر القادم من تنظيم الجيش السري وهي مجموعة إرهابية كانت تدافع عن حق فرنسا في الجزائر، ثم بيير بوسكي، الذي كان مقاتلا بقوات الأمن الخاصة النازية (إس إس).

كانت رائحة التطرف والإرهاب تفوح من هذه القيادات، لذلك وقع الاختيار على رجل "معتدل" هو جون ماري لوبين، الأب الروحي للفكر السياسي الفاشي في فرنسا، وأحد المتطوعين في خدمة بروباغندا نظام فيشي خلال الاحتلال النازي لباريس، وأحد المقاتلين المتطوعين في الجيش الفرنسي في الجزائر، المتهم بالقيام بالعديد من الجرائم في حق الجزائريين. طوال سنوات كان ينظر إلى حزب الجبهة الوطنية (الذي سيغير اسمه إلى التجمع الوطني عام 2018) على أنه سليل النازيين الذي لا يحمل أفكارا خطيرة فقط، بل بوصفه أيضا سليل فرنسيين تعاونوا مع النازيين ضد بلدهم الأم.

عمل حزب الجبهة الوطنية على تغيير إستراتيجيته بوضع "الهجرة" على رأس أولوياته، وكانت تعليمات القيادة صارمة، وهي التحريض العنصري من باب الاقتصاد لا من باب العرق، وهو ما كان. مع الوقت بدأت معدلات الحزب ترتفع في الاستحقاقات الانتخابية، ليصبح اليوم الرقم الصعب في السياسية الفرنسية، لكن وحتى يكمل هذا الحزب التحلل من تاريخه الثقيل، كان عليه العمل في نفس الوقت على نفي تهمة معاداة السامية عن صفوفه، وهو ما حاول العمل عليه كثيرا منذ طوفان الأقصى حتى يومنا هذا(2).


مصدر الصورة
جان ماري لوبين (غيتي)

اليمين يتنكر لرفاق الرايخ

بعد السابع من أكتوبر، حاول حزب التجمع الوطني استغلال الفرصة من أجل محاولة أن يخطو خطوة جديدة في مسلسل محاولة غسل أدران الماضي النازي. شارك الحزب في المسيرة الداعمة لإسرائيل والرافضة لمعاداة السامية تمهيدًا لذلك، كما أبان عن حماس كبير في الهجوم على حماس على اعتبار أنها جماعة إرهابية لا تختلف كثيرا عن تنظيم الدولة، كما جاءت توصيفاتهم.

أبان الحزب كذلك عن دعم كامل وواضح لإسرائيل(3)، وأكدت مارين لوبين، ابنة جون ماري لوبين الذي أشرنا إليه، أن لإسرائيل الحق الكامل في الدفاع عن نفسها وعن شرعيتها، مستغلة موجة الحديث عن ما يصفونه بـ "التطرف الإسلامي" الذي أصبح ظاهرة عالمية.

من جهته، واصل جوردان بارديلا(4)، رئيس الحزب حاليا، دعايته الانتخابية بالتأكيد على ضرورة طرد جميع المجرمين والمشتبه فيهم من فرنسا، ويأتي من ضمن هؤلاء "الإسلاميون" الذين يشكلون خطورة على المواطنين الفرنسيين، كما تضمن معهم بطبيعة الحال المواطنون الفرنسيون المعتنقون للديانة اليهودية.

وعلى إثر تصاعد موجة العنف التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، وتحرج أكبر الداعمين لدولة الاحتلال من مجازرها في حق المدنيين الفلسطينيين، تبنّى بارديلا موقفا متخبطا، إذ أعلن أنه يرى حل الدولتين حسب وجهة النظر الفرنسية أمرا ضروريا، لكنه رفض في نفس الوقت أن تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية في الوقت الحالي لأن هذا سيعتبر اعترافا ومنحا للشرعية لحماس(5).

بهذه الأفكار، دخل حزب التجمع الوطني الانتخابات الأوروبية التي تم إجراؤها في الـ9 من يونيو/حزيران الجاري، ويستعد لدخول الانتخابات التشريعية يومي 30 يونيو/حزيران و8 من يوليو/تموز المقبل بديباجة أفكار يحتل فيها دعم إسرائيل أولوية الأولويات رغم عدم اتفاق جميع قواعده على ذلك، فلا يمكن لمارين لوبين وبارديلا أن يتخيلا الوصول إلى حكم فرنسا دون إيجاد طريق مستقر مع اللوبي اليهودي القوي في البلاد، ومع إسرائيل قبل ذلك وبعده. لهذا السبب، اختار حزب عائلة لوبين التحالف مع رجل آخر من حزب الجمهوريين من المفترض أنه يمثل اليمين الكلاسيكي، إلا أنه أضحى مع مرور السنوات يقترب من نفس الخط المتطرف، وهو إيريك سيوتي.

إيريك سيوتي (رويترز)

خلف إعلان سيوتي التحالف مع مارين لوبين رجة قوية داخل حزب الجمهوريين، لدرجة جعلت قيادات الحزب تعلن طرد(6) رئيسها الذي تحالف مع اليمين المتطرف، في حين خرج سيوتي في فيديو رآه المتابعون مثيرا للسخرية، ويظهر فيه سيوتي مواصلة عمله "لأجل فرنسا"، مغلقا على نفسه أبواب الحزب أمام خصومه من ذات الحزب، خصوصا بعد أن أنصفه القضاء الفرنسي وأعلن عدم قانونية إعفائه من منصبه، واستمراريته في رئاسة حزب الجمهوريين.

بالبحث قليلا عن فكر إيريك سيوتي، سنجد أن تحالفه مع اليمين المتطرف هو تحالف منطقي، فرئيس حزب الجمهوريين لا يخفي العديد من الأفكار التي يمكن إدراجها دون أي إشكال في برنامج أعتى التيارات اليمينية في أوروبا.

يتشارك الطرفان في عدد من الأفكار على رأسها موقفهما مما يدور حاليا في غزة، فبعد يوم واحد من السابع من أكتوبر، أرسل إيريك سيوتي رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون مطالبا بأن يكون ردّ فرنسا وأوروبا على قدر الحدث(7).

وطالب سيوتي في الرسالة نفسها بإيقاف أي تمويل للسلطة الفلسطينية التي لا تملك من السلطة إلا الاسم، على حد قول رئيس الحزب الجمهوري. وواصل رئيس حزب الجمهوريين تحمسه الكبير لدعم إسرائيل بأي ثمن بعد قصف مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر/تشرين الماضي، وقال إنه لا يثق في اتهامات حماس لإسرائيل مستطردا: "كلمة بلد ديمقراطي بالنسبة لي أهم بكثير من كلام إرهابيي حماس"، مضيفا: "الصور التي وصلت إلينا تؤكد أن القصف خرج من الجهاد الإسلامي أو من حماس"(8). وهو الادعاء الذي أثبتت كثير من وسائل الإعلام زيفه.

يسعى اليمين الفرنسي خلال حملته الانتخابية لرمي كرة معاداة السامية إلى اليسار وخصوصا حزب فرنسا الأبية، الذي يعلن أعضاؤه دعما واضحا لفلسطين في مواجهة حكومة ن ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا