احتلال مصر.. لماذا نجح البريطانيون فيما أخفق فيه الفرنسيون؟

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

في صيف عام 1798 تمكنت القوات الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت من دخول مصر، لقد سحقت هذه القوات عساكر المماليك في العديد من المعارك كان أشهرها وآخرها معركة الأهرام.

بقي الفرنسيون في مصر لمدة 3 سنوات تالية، ورغم هزيمة المماليك وهروب أكثرهم إلى الصعيد والسودان، واجه الفرنسيون مقاومة عنيفة وغير متوقعة من كافة طبقات المجتمع.

وكما أوضح مؤرخ ذلك العصر نقولا الترك إن شيوخ الأزهر أرسلوا منادين في شوارع القاهرة ليجتمع الناس في الجامع الأزهر ليبدؤوا في إعلان الثورة والمقاومة الشعبية ضد الفرنسيين.

ولئن تمكن الفرنسيون بمدافعهم وبنادقهم وآلاتهم العسكرية المتطورة بل وخيانة المعلم يعقوب القبطي والجيش الذي كوّنه لمساعدة الفرنسيين ودعمهم ضد أبناء وطنه؛ فإن النفوس ظلت متقدة غضبًا، وتتحرق شوقًا للثورة على الفرنسيين.

واشتعلت ثورة القاهرة الثانية في مارس/آذار 1800، وهي صفحة من صفحات المجد؛ إذ قبل ذلك بساعات قليلة كان الفرنسيون قد هزموا جيشًا عثمانيا قادما من إسطنبول لنجدة مصر.

ولكن كليبر وجيوشه المنتصرة حين عادت إلى القاهرة بعد المعركة مع العثمانيين فوجئوا بثورة عارمة استمرت 5 أسابيع مستمرة، كانت كما يقول المؤرخ والكاتب محمد جلال كشك: "أول ثورة في الشرق تواجه الاستعمار الغربي بهذا الشمول والصمود الذي دام أكثر من شهر كامل"، حيث انطلقت الجموع الثائرة إلى معسكرات الفرنسيين في حي الأزبكية ومقر قيادتهم الرئيسي بها.


مصدر الصورة
المقاومة الشعبية المصرية الباسلة قضت على أحلام نابليون في مصر (مواقع التواصل)

كان عدد الثوار كما تقدّرهم مصادر الحملة الفرنسية بـ10 آلاف ثائر، قابلهم الفرنسيون بوابل من نيران المدافع والبنادق، فاضطر الثوار للتقهقر واحتلوا بعض المنازل المجاورة لميدان الأزبكية، وأطلقوا النار منها على المعسكر الفرنسي، وامتدت الثورة إلى كثير من النواحي وتضاعف عدد الثوار الذين انضموا إليها.

ونشط دعاة الثورة من الأزهريين الشبان الذين كانوا يحرّضون الأهالي على الانضمام إلى الانتفاضة، وامتلأت شوارع القاهرة وميادينها حتى بلغ عدد الثائرين والمقاومين 50 ألف شخص حاملين البنادق والأسلحة والعصي، وانضم إليهم كثير من النساء والأطفال، ويذكر الجبرتي أن "معظم أهل مصر ما عدا الضعيف الذي لا قوة له للحرب" اشترك في هذه الثورة.

كانت أحلام نابليون في مصر عريضة؛ فقد أرادها دُرة الإمبراطورية الفرنسية كما كانت الهند درة الإمبراطورية البريطانية، وكان الفرنسيون يعملون على الاستيطان الإحلالي كما فعلوا في الجزائر فيما بعد، فقد كتب كبير علماء الحملة الفرنسية مونج يقول "لو أن 20 ألف أسرة فرنسية استوطنت هذه البلاد ليعمل أفرادها بالمشروعات التجارية، والمؤسسات الصناعية؛ لأصبح هذا البلد أجمل مستعمراتنا وألمعها وأفضلها موقعًا".

ولكن هذه الأحلام راحت أدراج الرياح بسبب المقاومة الشعبية المصرية الباسلة؛ فضلا عن التحالف البريطاني العثماني الذي جرّع الفرنسيين الهزيمة في معارك الشام والإسكندرية، فكسر كثيرا من قوتهم العسكرية، واضطرهم في نهاية المطاف للانسحاب مدحورين عائدين لبلادهم.

البريطانيون يحتلون مصر

وإذا كانت هذه الحملة قد فشلت، فإنها في الوقت نفسه لفتت الأنظار إلى الموقع الإستراتيجي لمصر، وكشفت للبريطانيين خاصة أن مصر هي عُنق الهند الذي يمكن أن تخنق به الإمبراطورية، وأصبحت هذه الحقيقة أشد وضوحًا عند افتتاح قناة السويس بعد 68 عامًا من انسحاب الفرنسيين من مصر، الأمر الذي جعلهم يتخذون إستراتيجية طويلة الأمد في إخضاعها لهم في نهاية الأمر.

لقد عمل البريطانيون في هذه الإستراتيجية على تحطيم القوة البشرية والعسكرية لمصر في حملات فريزر ومعركة نفارين في اليونان التي دمّرت الأسطول المصري، ثم بعد حفر قناة السويس وتعثّر الخديوي إسماعيل في دفع فوائد الديون التي أخذها من البنوك الأوروبية وجدت بريطانيا الفرصة سانحة للاستيلاء على النصيب الأكبر من أسهم قناة السويس، وكما يقول الكاتب البريطاني هـ.ل.فيشر، كانت بريطانيا "كمن تعثّرَ صُدفة في ثروة ضخمة ظلّ غيره يكدحُ فيها (فرنسا) فالتقطها هو ببساطة".

وبعد ذلك دمر البريطانيون الجيش المصري في معارك الإسكندرية وكفر الدوار ثم كانت قناة السويس المعبر الذي دخلت منه الأساطيل البريطانية ليتم القضاء نهائيا على قوات أحمد عرابي وزير الحربية المصري الوطني، وكذلك على المقاومة الباسلة للجيش والشعب على السواء في سرعة لافتة.

وهو أمر جعل بعض المؤرخين والمفكرين يقفون متسائلين حول أسبابه؛ لماذا فشل الفرنسيون في احتلال مصر وبقوا فيها 3 سنوات فقط، بينما بقي البريطانيون فيها 70 سنة؟!

قناة السويس كانت المعبر الذي دخلت منه الأساطيل البريطانية للقضاء نهائيا على قوات أحمد عرابي (مواقع التواصل)

يجيب المفكر جمال حمدان عن هذا التساؤل بشيء من التأمل والتحليل فيقول إن بريطانيا كانت قد تلقت درسًا من المقاومة الشعبية في بداية القرن التاسع عشر في حملة فريزر حيث هُزمت قواتها حتى انسحبت في رشيد.

وحين عادت بعد 80 عاما نزلت أولا بالإسكندرية في صيف 1882، لكنها تلقّت الدرس ثانية في كفر الدوار حيث عجزت عن التقدم، ثم استدار الاحتلال إلى بورسعيد والقناة ليطعن مصر من الخلف بعيدًا بقدر الإمكان عن كتلة كثافة السكّان الرئيسية وعن أكثف إمكانيات المقاومة الشعبية.

وكانت فرنسا التي تسيطر على إدارة القناة قد خدعت الجيش المصري حين قالت إنها ستقف على الحياد ولن تفتح القناة أمام الأساطيل والجيوش البريطانية، ودخل الإنجليز وهزموا جيش أحمد عرابي في معركة التل الكبير في سبتمبر/أيلول 1882.

وعلى هذا فإن إستراتيجية البريطانيين في دخول مصر آثرت المجيء من الشرق بعيدا عن السُّكان، بينما دخل الفرنسيون من الغرب من الإسكندرية ودمنهور حتى إمبابة وكلها مناطق شعبية كبّلت الفرنسيين عن سرعة التحرك.

ويضيف جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر" قائلا "ولو قد ردمت العُرابية (قوات الجيش بزعامة القائد أحمد عرابي) قناة السويس لسدّت الطريق على الأسطول البريطاني ولربما تغيّر مصير الغزو والمعركة ومصر جميعًا".

يتأمل حمدان أيضًا في التنافس الفرنسي البريطاني على تركة مصر طوال القرن التاسع عشر، وأن البلاد كانت مستفيدة منه سواء في زمن الاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون أو في الـ25 عاما الأولى للاحتلال البريطاني، ولكن اتفاقهم في نهاية المطاف فيما عُرف "الاتفاق الودي" سنة 1904 الذي بمقتضاه أُطلقت يد ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا