الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم الأمة؟

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

أخبرني أحد الأصدقاء عن صاحب له مسلم بريطاني سافر لزيارة القدس فلما وصل إلى مطار تل أبيب أوقفه الشرطي الإسرائيلي للتحقيق المعتاد الذي يخضع له المسلمون الأوروبيون عند قدومهم إلى القدس. فتش الشرطي هاتفه فوجد فيه ما يدل على استماعه لبعض المواد المتصلة بقضايا المسلمين في العالم، فقال له الشرطي: "أنت تسنمع إلى فلان؟ أنت مع فكر الأمة الواحدة؟!".

بعد عامين من سماعي لقصة صاحبنا الإنجليزي كان أبو عبيدة -الناطق باسم كتائب عز الدين القسام– يتلو بياناته المتوالية في طوفان الأقصى (السابع من أكتوبر 2023م/ 22 ربيع الأول 1445هـ) التي يبدأها بـ" يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية".

هذه المفارقة في النظرة إلى فكرة الأمة بين الشرطي الإسرائيلي  الذي توجس من هذه الكلمة، وبين خطابات أبي عبيدة التي يجعلها مفتتح حديثه، تجعلنا نفحص هذا المفهوم عن قرب ضمن السياق المفاهيمي الذي ينطلق منه كل منهما، وننظر كيف يُنظر إلى "الأمة" بين مفهومين.

ما بعد الحرب الباردة وإعادة صناعة العدو

يقول بعض الغربيين بمن فيهم الرئيس الأمريكي السابق كلنتون: إن الغرب ليس بينه وبين الإسلام أي مشكلة، وإنما المشكلات موجودة فقط مع بعض المتطرفين الإسلاميين. أربعة عشر قرنًا من التاريخ تقول عكس ذلك.

صامويل هنتنغتون


مصدر الصورة
غلاف الحرب الباردة الثقافية (الجزيرة)

في كتابها "من الذي دفع للزمَّار؟ الحرب الباردة الثقافية" تتبعت فرانسيس سوندرز الجهود الضخمة التي قادتها المخابرات الأميركية في مجابهة الثقافة الشيوعية في البلاد التي تغلغلت فيها.

في هذه الأثناء اعتبرت الولايات المتحدة هذه المهمة حربًا ثقافية ضمن قضايا الأمن القومي، وأسندت هذا الملف الثقافي إلى جهاز المخابرات الأميركية (CIA)، وأنفقت في سبيل تغيير هذه المعالم الشيوعية ملايين الدولارات وجندت آلاف الكُتاب والفنانين والأكاديميين في العالم لتبني سردية عالمية جديدة تناهض السردية الشيوعية.

وتقول سوندرز "بلغت سيطرة المخابرات الأميركية على مجمل الحياة الثقافية درجة مخيفة عندما نجح السيناتور مكارثي في تكوين لجنة داخل الكونغرس لمكافحة النشاط المعادي لأميركا ومرر مشروع الرقابة على الثقافة. فقد أوجدوا أجواء مشابهة لأجواء الثورة الفرنسية حين كان الفرنسيون يؤخذون بالشبهات إلى المقصلة، لكن في حالة الولايات المتحدة فإن المشتبه في شيوعيته ينتهي أمره بتدمير حياته ومستقبله وربما يدفعه ذلك إلى الانتحار".

بنهاية الحرب الباردة، خرجت الولايات المتحدة منتصرة على السُّوفيات، وهو ما مَكَّنَ مخابراتها من مراكمة خبرة جيدة في إدارة الملفات الثقافية التي تتصل بتغيير هويات الأمم ضمن سياق الشعارات الأميركية التي صدرت مع الدول الأخرى في فترة الحرب الباردة مثل: الأمن القومي الأميركي والعولمة والقطب الأوحد والعالم الجديد. وما إن تفكك الاتحاد السوفياتي، حتى كان على أميركا توظيف خبرة الحروب الثقافية تلك ضمن مهمة إخضاع بقية العالم -غير الأبيض- لهمينتها ذات التوجه الغربي الليبرالي.

وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي بخمس سنوات فقط، وبالتحديد في عام 1996؛ أصدر صاموئيل هنتنغتون -أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد- كتابه الأشهر "صدام الحضارات" الذي جعل عنوانه الفرعي "إعادة تصنيع النظام العالمي".

كان رأيّ هنتنغتون أن ثقافة هذه "الأمة المسلمة" إحدى أكبر العقبات أمام السيادة الحضارية الأميركية الجديدة بعد تفكك الشيوعية، والإسلام في ذاته لا يمكن القبول به في الحضارة الجديدة، على حد تعبيره. أما الصحوة الإسلامية -التي كانت منتشرة في ذلك الوقت- فما هي إلا عقبة ضد دمج الإسلام في المنظومة الليبرالية، لكنها ليست العقبة الكبرى.

"المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست في الأصولية الإسلامية بل في الإسلام، فهو حضارة مختلفة، شعبها مقتنع بتفوق ثقافته… والمشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست في المخابرات الأميركية ولا وزارة الدفاع، وإنما المشكلة هي الغرب ذاته: فالغرب حضارة مختلفة مقتنع شعبها بعالمية ثقافته … وأن عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم".

صاموئيل هنتنغتون

 

". لم تكن هذه النظرة لهنتنغتون مجرد نظرة أكاديمية راديكالية تجاه الإسلام والمسلمين، وإنما كانت مشروع عمل سوقه هنتنغتون في دوائر القرار الأميركي، فقد أدار هنتنغتون وحدة التخطيط في مجلس الأمن القومي الأميركي، ودرس عليه عدد من المنظرين السياسيين الأميركيين المؤمنين بالنظرة نفسها، من أهمهم فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" الذي عمل كذلك في عدد من المراكز البحثية المرموقة المتصلة بصناعة السياسات الأميركية، ومن ذلك عمله في مؤسسة راند الممولة من وزارة الدفاع الأميركية، وترؤسه للمنتدى العالمي لدراسات الديمقراطية الممول من مركز الأمن القومي الأميركي، الذي أدار وحدته للتخطيط أستاذه هنتنغتون.

صاموئيل هنتنغتون (روتيرز)

كانت نظرية هنتنغتون التي صاغها تقوم على فرضية بسيطة ضمّنها كتابه "صدام الحضارات" وهي: أن أمريكا -والغرب من ورائها- ليس أمامها سوى استكمال الحرب الثقافية ضد الأمم المناوئة لحضارتها وبخاصة الآسيوية والشعوب المسلمة، وعلى الأميركيين إخضاع هذه الحضارات الأخرى لليبرالية الأميركية إن أرادوا استكمال دورة الحضارة الإنسانية، وترافق ذلك عمليات الدمقرطة واللبرلة في عالم ما بعد الاتحاد السوفيتي. وكان السياق الحامل لهذه الأفكار سياق الأمن القومي، وليس مجرد سياق ثقافي. وبالتالي فإن من رفض هذه النظرة من الدول والأمم المختلفة اعتُبر بمثابة "أمم مارقة" (Rogue Nation). ففي عام 1995، نُشرت دراسة عن الردع الإستراتيجي، أعدت برعاية القوات الجوية الأميركية، جاء فيها أن العدو التقليدي الجديد بعد الاتحاد السوفياتي هو الدول المارقة وهي: العراق وليبيا وإيران وكوبا وكوريا الشمالية.

إعادة ضبط المفاهيم.. ما بعد سبتمبر

في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، أعاد الأكاديميون المسلمون وغير المسلمين بناء المقولات الاستعمارية والاستشراقية أثناء تحديد إسلام ليبرالي ملائم للعالم الحديث

روزماري هيكس

 

لم تكن أطروحة صدام الحضارات لهنتنغتون، التي اختمرت بُعيد الحرب الباردة؛ أطروحة نظرية باردة بين أروقة الجامعات. فقد دخلت إلى أروقة السياسة من أوسع أبوابها بعدما أصبح هنتنغتون مستشارا للرئيس الأميركي جيمي كارتر.

وفي الوقت نفسه، استمد هنتنغتون معلوماته حول الإسلام التي أوردها في كتابه "صدام الحضارات" من المستشرق اليهودي أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة برنستون برنارد لويس. وهو الرجل الذي سيذيع صيته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسيُصبح أثره واضحا في السياسات الأميركية حول ما سُم ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا