آخر الأخبار

من عادل إمام إلى القطة اللئيمة: كيف غزت الميمز الإنترنت وقلوبَنا؟

شارك الخبر

كيف نتكلّم/ نكتب عن الميمز؟ إن هذه المهمّة ليست بالأمر السهل، لا سيما أن الميمز وُجدت لتعبّر عن أمرٍ معيّن لا يمكن للغة وحدها أن تعبّر عنه بشكل مباشر.

نصنع الميم كي لا نتكلم بالطريقة العادية، كي نقفز فوق الكلام. تحاول الإشارات التي تتضمنها الميمز، بواسطة الترميز والتكثيف والتناص، سدّ ثغرة معيّنة في اللغة أمام حدث أو موقف أو حالة ما. تصنع معنىً مضغوطاً في كبسولة ثم تتفشّى بين مستخدمي الانترنت الذين يتماهون معها، أو يجدون فيها صدىً لأفكارهم أو مشاعرهم.

منذ أن تحوّلت الميمز الرقمية إلى موضوع للتفكير والدراسة، منذ حوالي عقدين، أصبح معروفاً أن اسمها مشتق في الأساس من الكلمة اليونانية mimema، والتي تعني "شيئاً مقلداً".

صيغ هذا الاسم للمرة الأولى في عام 1976 من قبل عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكينز في كتابه "الجين الأناني"، حيث طرح كلمة "ميم" كوحدة أوّلية للانتقال الثقافي، إما من شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى آخر.

بالمختصر، يعتبر دوكينز أننا آلات هدفها البقاء على قيد الحياة، وبالتالي تتصرف كما لو كانت أجندتنا الوحيدة هي تكرار جيناتنا. أفضل الأمثلة، بحسب دوكينز، على كون الميم هو "الجين الثقافي"، هي الملابس والأعياد والهندسة المعمارية والأساطير الشعبية... وحتى فكرة الإله – "أحد أنجح الميمات تاريخياً لأنها تتكرر وتتنوع وتتأقلم مع انتشارها عبر الثقافات"، بحسب تعبيره.

لكن دوكينز، ميّز عام 2013، بين الميم الرقمي وبين الميم الثقافي، حيث أن ميم الانترنت يتم تغييره عمداً بواسطة التدخل والإبداع البشريين، بينما كانت فكرته الأصلية تنطوي على طفرة "عن طريق التغيير العشوائي وعلى شكل من أشكال الانتقاء الدارويني".

أنا أصنع/ أشارك الميمز... إذاً أنا موجود

في غضون بضع سنوات فقط، أصبحت صناعة الميمز ومشاركتها واحدة من الطرق المفضلة لمستخدمي الإنترنت للتفاعل. وأصبحت الميمز الرقمية تمتلك موسوعاتها الخاصة على الإنترنت، مثل موقع "Know your meme" الذي يتتبع تاريخ شعبيتها، ويحاول شرح أسباب نجاحها.

"ميم الإنترنت" هو صورة أو مقطع مصوّر أو وملفات GIF أو حتى جملة تنتشر بسرعة من شخص لآخر عبر الفضاء الإلكتروني. يمكن أن تنتشر الميمز عبر الشبكات الاجتماعية أو المدونات أو البريد الإلكتروني المباشر أو مصادر الأخبار. ويعود أول ميم موثّق رقمياً إلى عام 1996، وهو ميم "الطفل الراقص" والذي كان يذيّل الرسائل الإلكترونية حول العالم، ونال رواجاً كبيراً بين مستخدمي البريد الإلكتروني.

ومع ظهور منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت الميمز أكثر تنوعاً وقدرة على الانتشار السريع. ويمكن القول إن صناعة الميمز ومشاركتها أصبحت نمطاً من أنماط الوجود المعاصر، حيث أن طريقة التعبير هذه، وتحويل الأحداث والمواقف والمشاعر والأفكار إلى ميم، لم تعد تنحصر فقط في المنصات الرقمية، بل تحوّلت في أحيان كثيرة إلى طريقة للتفكير، وحجزت لنفسها موقعاً في الأحاديث والنقاشات بين الأشخاص في الواقع أو خارج حدود الشاشات.

كما أصبح الجهل بثقافة الميمز، شكلاً من أشكال الأمية المعاصرة، وخطّاً فاصلاً بين الأجيال، إذ يمكن القول إن حضور الشخص وانخراطه في عالمنا اليوم بات مرتبطاً بشكل أساسي بفهم الميمز ومعرفة قراءتها... حتى وصلنا إلى وقتٍ بإمكاننا أن نقول فيه "أنا أصنع/ أشارك الميمز إذاً أنا موجود"... كما أن الأحداث والأمور التي لا تتحوّل إلى ميم تبقى مفتقدة لشحنة معيّنة ولتأثير ما في نفوس الأشخاص.

ومثلما تُعتبر السخرية والسينيكيّة خصائص رئيسية لوعي الأفراد في عصر "ما بعد الحداثة"، منذ بداياته في منتصف القرن الماضي، هناك حديث أيضاً عن أن الأفراد في زمننا بات يحرّكهم "منطق ميماتي مفرط"، كأداة ناجعة لتعاطيهم مع العالم الذي يبدو بالنسبة لهم كأنه يصبح شيئاً فشيئاً أكثر غرابة – أو هذا ما يبدو الأمر عليه بسبب غرقنا في المعلومات، ومعرفتنا أكثر بكثير مما عرفه أسلافنا. ويظهر هذا المنطق خصوصاً مع ظهور سيل الميمز الذي يولّده كل حدث كبير أو صغير.

ويرى باحثون أن هناك سببين رئيسيين خلف هذا الواقع. أولاً، هناك المنطق الاجتماعي للمشاركة في صناعة الميمز، يمكن ربطه بـ"الفردية الشبكية" (networked individualism). ففي عصر الفردية المتسارعة الذي نعيش فيه، يُتوقع من الناس أن يصمموا هوية وصورة فريدة من نوعها لذواتهم مع استعراض متواصل لها. وفي الوقت نفسه، يشارك الأفراد بحماس في تشكيل الشبكات الاجتماعية، مما يدل على توق الفرد الدائم للمجتمعية.

والسبب الثاني ذو طبيعة اقتصادية، حيث يقوم مجتمع الميديا المعاصر على "اقتصاد الانتباه". إذ تحوّل إنتباه المستخدمين إلى أهم مورد في العصر الحالي، يتنافس عليه المعلنون والشركات ويتعاطون معه كسلعة تبيعها لهم منصّات التكنولوجيا الكبرى.

من هنا، يمكن ربط انتشار الميمز بالقدرة على لفت الانتباه، حيث يصبح عدد التنويعات والاشتقاقات الناتجة عن مقطع فيديو أو صورة أو خبر معيّن، مؤشراً على اهتمام المستخدمين، والذي بدوره يلفت الانتباه إلى المادة الأساسية في عملية متبادلة... ويمكن ملاحظة هذه العلاقة بوضوح من خلال عمليات التسويق (لمنتجات أو أعمال فنية) من خلال صناعة الميمز حولها.

أحدث أشكال "الاختطاف" الفنّي

في البداية يمكن أن نتساءل عن الفرق بين الميم وبين فنّ الكاريكاتير.

يقول رسام الكاريكاتير والفنان المصري محمد أنديل في حديثٍ إلى بي بي سي عربي إن الكاريكاتير والميم يستخدمان أدوات أساسية متقاربة جداً في الأغلب (التكوين، والشخصيات، والتعليق المكتوب، والرمزية البصرية والتشبيهات)، إلا أن طبيعة الميمز كعمل شعبوي مجهول المصدر تتيح له لغة إبداعية مختلفة عن الكاريكاتير.

ويضيف أن رسم الكاريكاتير مرتبط بأسلوب الفنان الذي يطوره على مدار سنوات من خلال تدريب كلاسيكي على الرسم وتقنياته، وكذلك بقضيته أو اهتمامه الاجتماعي المرتبط بالعمل الصحافي وأجنداته. بينما يمكن لأي شخص لديه حس كوميدي وبعض المهارات البسيطة في تحرير الصور رقمياً إنتاج ميم يصل مستواه إلى ما هو موجود في السوق، حيث أن هناك دخول أسرع بكثير لهذا الوسيط وسهولة في المساهمة فيه.

ويرى أنديل أن مجهولية صانع الميمز تتيح فرصة للتشابك مع قضايا أكثر تنوعاً، وليس بالضرورة أن تكون لها أجندة سياسية أو اجتماعية يمكن تصنيفها في سياق سياسي ما. وبالنسبة له هذا الأمر جيد لأنه ينتج أنواعاً طازجة من الكوميديا، وأكثر غرابة، ولكن بالطبع في الوقت نفسه يمكن أن ينتج خطاباً رجعياً أو ع ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

إقرأ أيضا