آخر الأخبار

تيك توك و"الإنسان الأخير": لماذا أصبح التطبيق مرادفاً للانحطاط؟

شارك الخبر

في 24 أبريل/ نيسان الماضي، بعد سنوات من المحادثات حول حظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس جو بايدن على قانون من شأنه أن يجبر المنصة الرقمية إما على بيع نفسها لكيان أميركي، أو حظرها على المستوى الوطني.

وبقي أمام "بايت دانس"، الشركة الصينية الأم لتيك توك، حوالي تسعة أشهر، لتصفية استثماراتها.

ويبدو أن الشركة تفضّل إغلاق التطبيق في الولايات المتحدة بدلاً من بيعه. وبالنظر إلى أن جمهور تيك توك في الولايات المتحدة لم يولد سوى حوالي 13 بالمئة من إيراداتها لعام 2023، سيكون التخلي عن السوق الأمريكية الخيار المفضّل للشركة على المستوى الاستراتيجي. مع العلم أن تيك توك قد حُظر بالفعل بشكل مباشر في العديد من البلدان، بما في ذلك الهند، ولا يبدو أن التطبيق قد تأثر بشكل كبير.

وفي سياق قريب، أثار تيك توك الجدل في عدد من الدول التي علت فيها أصوات تطالب بحجب التطبيق على خطى الولايات المتحدة.

آخر هذه الدول، لبنان، حيث أحدث توقيف شبكة استخدمت التطبيق لارتكاب جرائم اغتصاب أطفال وابتزازهم، غضباً كبيراً ضدّ التطبيق المعروف بشعبيته الكبيرة لدى الأطفال والمراهقين.

وفي مصر، إحدى الدول التي كانت سبّاقة بالقبض على فتيات في قضية عرفت باسم "فتيات التيك توك"، لا يزال النقاش قائماً حول "خطورة" التطبيق، ولعلّ مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الذي عُرض في شهر رمضان الماضي يظهر النظرة الأبوية السائدة تجاه تيك توك والتي ترى فيه تأثيراً سلبياً على "قيم الأسرة المصرية".

ويمكن تلخيص "شيطنة" تيك توك لدى شرائح واسعة من الناس بعاملين: أولاً، سماح التطبيق لمستخدميه بجني الأموال بسهولة وسرعة أكثر من التطبيقات الأخرى، ما يجعل الكثير من مستخدميه يلجؤون أحياناً إلى طرق غير نمطية من أجل التربّح. ثانياً، لا يمكن إنكار أن هذه الشيطنة سياسية بشكل أساسي، وتترجم العداء بين الولايات المتحدة والصين.

فعلى سبيل المثال، ارتبط موقع يوتيوب منذ نشأته بنشر التطرف والأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، من دون أن يطالب أحد بحظره. (وجد استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2023 أن 33 بالمئة فقط من البالغين الأمريكيين يقولون إنهم "يستخدمون تيك توك". في المقابل، يقول 83 بالمئة إنهم يستخدمون يوتيوب و68 بالمئة يقولون إنهم يستخدمون فيسبوك).

وعلى الرغم من البعد السياسي الذي يطغى على القلق من تيك توك على مستوى العالم، تظلّ الأسئلة حول الآثار الناجمة عن التطبيق ضرورية، لفهم المشكلة الكامنة فيه. علماً أن تيك توك أصبح منذ سنوات مصدر إلهام للتطبيقات الأمريكية الرئيسية الأخرى التي عدّلت من نفسها ومن تصميم خوارزمياتها للحاق بركب التطبيق الصيني.

ومن المؤكد أنه حتى لو حُجبت منصة تيك توك عن الكثير من المستخدمين، فإنه قد فات الأوان على احتواء العادات التي رسّخها التطبيق.

إدمان تيك توك و"المتعويّة الاكتئابية"

منذ تأسيسه عام 2018، ربطت دراسات عدة بين تيك توك وبين ارتفاع حالات القلق والاكتئاب ومعدلات الانتحار بين المراهقين.

ووفقاً لتقدير نقلته مجلة نيويوركر الأمريكية، إن أكثر من ثلثي مستخدمي تيك توك النشطين شهرياً في الولايات المتحدة تقل أعمارهم عن 35 عاماً.

كما يقضي المستخدم العادي ما معدله حوالي ساعة (58 دقيقة) يومياً على تيك توك.

وقد أجريت دراسة صغيرة على طلاب جامعة صينية استخدمت التصوير بالرنين المغناطيسي لمقارنة نشاط الدماغ أثناء مشاهدتهم لمقاطع فيديو تيك توك المخصصة لهم (تلك التي اختارتها الخوارزمية بناء على استخدامهم السابق) مقابل تلك المعمّمة (مقاطع الفيديو التي أوصى بها التطبيق للمستخدمين الجدد).

كان لدى الطلاب نشاط أكبر في العديد من مناطق الدماغ، بما في ذلك تلك المرتبطة بالمكافأة والانتباه ومعالجة المعلومات الاجتماعية، أثناء مشاهدة مقاطع الفيديو المخصصة لهم.

وفيما تعمل منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى على تشغيل مناطق مماثلة من الدماغ، أشار خبراء إلى أن المختلف في تيك توك هو أنه يجعل المستخدمين في حالة من "التدفق/ السيلان"، بمعنى امتصاص الشخص تماماً في مهمّة، بحيث يفقد شعوره بمرور الوقت.

تدعم هذه النتيجة ما توصلت إليه دراسة تابعة لجامعة بايلور في تكساس حول أن مستخدمي تيك توك أبلغوا عن تعرضهم لمستويات "تدفق" أعلى من مستخدمي إنستغرام على سبيل المثال.

"التدفق" الذي توفره مشاهدة مقاطع الفيديو على التطبيق لا يتطلب مهارة كما هي الحالة مع الأنشطة المحفزة للتدفق مثل الانغماس بالعمل أو بالهوايات، ومع ذلك فإن التطبيق قادر على تحفيز مشاعر المتعة والتركيز وتشويه إحساسنا بالوقت، بسبب جودة الخوارزمية المستخدمة.

وأصبحت معرفة شائعة اليوم أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير على التوازن الكيميائي في دماغ مستخدميها.

وقد أظهرت دراسات علمية عدة أن الإشعارات التي تصلنا على هذه التطبيقات، لا سيما الإعجاب والتعليق، أي الشعور بالمرئية عموماً، تؤدي إلى اندفاع هرمون الدوبامين في أدمغتنا، ما يجعلنا نطارد هذا الإحساس وفي سعي مستمر إلى "الإشباع الفوري"، ما يمثّل إدماناً صريحاً.

ومع أن حالة الإدمان هذه ليست حكراً على تيك توك وحده، وهي أقدم منه بكثير في ما يخصّ الإنترنت، إلا أن عاملين أساسيين يجعلانه على رأس التطبيقات التي تعززها. أولاً، تصميم خوارزمياته المعدّة لتتكيّف مع اهتمامات المستخدم بشكل متقدم للغاية، وثانياً، شعبيته الكبيرة بين الفئات العمرية الصغيرة والتي لا تزال أدمغتها في طور التكوين والنمو.

ويحيل الحديث عن الإشباع الفوري على نظرية الناقد الثقافي البريطاني مارك فيشر حول "المتعوية الإكتئابية" (Depressive Hedonia) . ففي حين أن الاكتئاب هو حالة تتميز بفقدان القدرة على الاستمتاع، فإن مذهب المتعوية الاكتئابية يعني عجز الشخص عن فعل أي شيء سوى السعي وراء إشباع الحاجة إلى الاستمتاع.

وقبل سنوات عدة من ظهور تيك توك، قال فيشر في ضوء انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الأولى، إن الشعور بالملل أصبح يعني ببساطة "أن تكون معزولاً عن المصفوفة التحفيزية للإحساس والتواصل عبر الرسائل النصّية، ومقاطع يوتيوب والوجبات السريعة. أن تُمنع، للحظة، من التدفق المستمر للإشباع السكّري عند الطلب".

وأضاف فيشر عام 2006: "ما نواجهه الآن هو جيل ولد في ثقافة لا تاريخية ومضادة للذاكرة – جيلٌ يكون الوقت دائماً بالنسبة له مقسماً إلى شرائح رقمية صغيرة جاهزة".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

إقرأ أيضا