حرب غزة: "التصوير بعدين يا عمي": عن توثيق الموت في الحرب


مصدر الصورة
  • Author, سوزانا قسوس
  • Role, بي بي سي نيوز عربي

"كأننا عالقون بين نارين"، هكذا وصفت لنا صحفية من غزة تصوير مشاهد الموت في الحرب، حينما قالت إن الصحفي، وخصوصاً من يوثق الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي يواجه صراعات داخلية مختلفة بين توثيق ما يحدث خلال الحرب والحصار والقصف، وبين احترام خصوصية القتلى وخصوصية عائلات الضحايا في وقت فقدوا فيه أحباءهم.

"نحتار في الكثير من الأحيان بين تصوير المشهد ونقل صورة الفظائع التي تحل بشعبنا وبين احترام حُرمة الميت وخصوصية أهله. نحن عالقون بين نارين، بين نار إظهار ما نمر به للعالم، ونار انتهاك خصوصية الشهداء والمصابين، لكن أرى مدى أهمية المحتوى الذي عملنا عليه خلال الأشهر الماضية في الحرب وأن هذه المشاهد ما كانت وصلت الناس لولا فظاعة الصور ومقاطع الفيديو التي قام صحفيون ومدونون بنشرها وبثها للعالم".

نزحت الصحفية، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إلى رفح مع زوجها، وتحدثت لبي بي سي عن المصاعب المهنية التي واجهتها خلال التغطية: "خلال حصار الشمال وقصفه، رأينا مشاهد لا يمكن تصورها، ولا يمكن لعقل بشري استيعابها، لكن ليس كل شيء يصلح للتصوير، فلكم أن تتخيلوا بشاعة الصور التي وردت على مواقع التواصل الاجتماعي، وأضعاف مضاعفة منها على أرض الواقع. لم نستطع تصوير وبث كل شيء بطبيعة الحال".

يمثل تصوير الموت وقتلى الحروب في مجال توثيق ونقل الصورة تحدياً كبيراً، تحدثنا مع خبراء في مجال الإعلام وحقوق الإنسان لبحث الموضوع وطرح سؤال: "كيف يمكن للصحفي أن يغطي مشاهد الحرب وفظاعة الصور وأن يحترم خصوصية الضحية وأسرتها في آن واحد؟"

"التصوير بعدين يا عمي.. التصوير بعدين يا جماعة"

مع تعالي استغاثات النجدة في مستشفى شهداء الأقصى ومحيطه، وانتشار النساء والأطفال والرجال القتلى والمصابين، يسارع بعض الصحفيين والمدونين لنقل ما يحدث وتصوير الجرحى والقتلى لغايات التوثيق.

كان أحد الأصوات لأب يحاول إيصال ابنته إلى غرفتها في المستشفى، ويقول في مقطع فيديو من داخل المستشفى: "التصوير بعدين يا عمي.. التصوير بعدين يا جماعة"، فبالرغم من أهمية توثيق الحرب والأحداث، إلا أن هناك سؤالاً يراود الصحفيين والمدونين: "ما الحد الفاصل بين التوثيق وانتهاك خصوصية الضحية وعائلتها؟".

الصحفي أحمد الآغا من غزة يقول: "الإعلامي ليس باحثاً عن المعلومة فقط، إنما هو إنسان بمشاعر وخصوصاً في وقت الحروب والأزمات والكوارث".

خلال الحرب، يقف الصحفي أمام حيرة نقل الصورة وإيصالها وحيرة "إنقاذ ما يمكن إنقاذه وما تبقى تحت الأنقاض، هنا تكمن الصعوبة" كما يقول الآغا.

"الصحفي الناجح يلتزم بشكل كبير بأخلاقيات المهنة وتوثيق واحترام خصوصية الضحية وعائلاتها. نجاح أي صحفي بنقل الحقيقة يعتمد على أن يكون صادقاً ويحترم حرمة أو خصوصية الميت. فربما تكون هناك أوقات يكون فيها أهل الميت في وضع لا يُسمح لهم بالظهور في التصوير، كالبكاء الشديد حين الفقد".

يضيف الآغا: "علينا كصحفيين أن نحترم تلك الحرمة وألا نقوم بتصوير ذلك المشهد، بالرغم من صعوبة ما يحدث وأهمية تصوير ونقل ما يحدث للعالم، لكي يشاهد ماذا يحدث بالشعب الفلسطيني جراء الحرب التي فرضت عليه بعد أحداث السابع من أكتوبر تشرين الأول".

التعليق على الفيديو،

ذهبت أم غزية لإحضار الخبز وعادت لتجد بيتها قد قصف وأولادها قتلوا

"الحد الفاصل"

الدكتور غالب الدعمي، أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت، يقول في حديثه لبي بي سي: "الميت لو كان حياً، لكان قدّم شكوى ضد من صوّره. لا أحد يحب أن يصور بحالة يرثى لها، وهو شهيد أو ضحية. لكن للأسف بعض الأصوات تحاول أن تستغل جسد الميت من الحروب".

يضيف: "التوثيق مهم جداً. لكن التوثيق يجب أن يتم بطريقة مهنية لا تضر بالإعلام أو بعائلة الضحية، فمن الممكن أن يكون هناك تغطية للجثة حتى لا تبقى معالمها المهشمة بارزة وظاهرة للإعلام، فربما لو كانت الضحية بوعيها، لم تكن تريد الظهور بهذه الحالة. يمكن أن يتم توثيق انتهاكات الحرب في ملفات أخرى متخصصة في التحقيق بهذه القضايا، دون أن تُعلن بهذا الشكل".

حدثنا الدكتور عن قصة مذيع أخبار روسي ظهر في الحرب العالمية الثانية عام 1945 على التلفاز ليبث أنباء القتال وتوقف عن الظهور بعد انتهاء الحرب، وبعد أعوام قليلة، في 1952، ظهر مجدداً على التلفاز في إحدى النشرات، فتوجه المئات إلى المستشفيات في حالة هستيرية لأن ظهوره ذكرهم بحالة الحرب. وهذا كان تحليل لأحد الأطباء النفسيين في روسيا حينها ونصح الهيئة الإعلامية آنذاك بعدم ظهور المذيع مرة أخرى على التلفاز.

وختم الدكتور الدعمي كلامه بالقول: "إذاً، الحالة النفسية أيضاً للمشاهد لم تعد تتحمل أن ترى هذه الصور. يجب على الصحفي أن يعرض الدمار والبيوت والأشجار والشوارع. لكن الجثث لا يجب الابتعاد عنها بشكل كامل".

الخبير القانوني جمال الأسدي يقول إن القوانين الدولية بشكل عام تمنع نشر الصور لضحايا وعائلاتهم في الإعلام، لأسباب تعود لخصوصية المتوفي والعائلة وانتهاك حرمة الميت.

يضيف: "الإشكالية أنه ليس هناك قاعدة معنية بضبط المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكتمل".

"لا يوجد حد فاصل للصورة كصورة تنقل بها نوع من الانتهاك لخصوصية الميت والصورة لتثبيت المعلومة. تثبيت المعلومة هو الأساس.. أي أن هناك ضحايا في هذا القصف، أو أطفال أو نساء أو مسلحين. ربما يأتي الأمر كضريبة توثيق الحقائق في الحرب، من الممكن أن يكون عليها علامات على الجسد مؤذية للعين أو للنفس".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا