منذ قرون، عاشت القارة الأوروبية على وقع توترات وخلافات عديدة بين روسيا وبقية الدول خاصة تلك الواقعة بغرب أوروبا.
وقد شهدت هذه التوترات تصاعدا منذ صعود بطرس الأكبر الذي قطع مع الماضي وتمكن من تحديث روسيا وتحويلها لقوة إقليمية عقب حرب الشمال العظمى، ضد السويد، التي استمرت لنحو 21 سنة وأسفرت عن مقتل حوالي مليون شخص.
وخلال السنوات التي تلت هذه الحرب، حافظ الغرب الأوروبي على خوفه وقلقه من روسيا. وبالقرن التاسع عشر، ساد هذا الشعور بالغرب الأوروبي عقب كشف وصية "كاذبة" لبطرس الأكبر أثناء فترة حكم نابليون بونابرت لفرنسا.
منذ توليه لحكم روسيا بشكل منفرد عام 1696 عقب زوال الحكم المزدوج تزامنا مع وفاة أخيه الغير شقيق إيفان الخامس (Ivan V)، اتجه بطرس الأكبر لإحداث تغييرات كبيرة بروسيا بهدف جعلها دولة متقدمة وذات هيبة عسكرية.
فبعد رحلة السفر الكبرى التي قادته نحو العديد من مدن غرب أوروبا، لاحظ بطرس الأكبر تخلف بلاده بالعديد من المجالات مؤكدا أن روسيا عالقة بالعصور الوسطى.
لكن مع عودته لروسيا، اتجه بطرس الأكبر لإحداث إصلاحات كبرى، فأدخل تحديثات على النظام العسكري والإداري وشكل جيشا دائما ومعاصرا، كما أنشأ البحرية الروسية وأمر بإعداد منشئات لبناء السفن الحربية التي أشرف شخصيا على إنتاجها.
كما أنشأ وإضافة لتقليصه من نفوذ النبلاء عاصمة جديدة عرفت بسانت بطرسبرغ مطلة على البلطيق، وأكد أنها ستكون بوابة روسيا على العالم بدلا من موسكو.
هذا وأثمرت إصلاحات بطرس الأكبر خلال حرب الشمال العظمى التي استمرت لحدود العام 1721، حيث تمكنت روسيا من تحقيق النصر على السويد، المصنفة كقوة عسكرية حينها، مثيرة بذلك قلق الأوروبيين الذين تخوفوا من حروب مستقبلية مع روسيا.
لكن على الرغم من رحيل بطرس الأكبر عام 1725، تواصل الخوف بأوروبا من الطموحات الروسية. وأثناء فترة حكم نابليون بونابرت، عاد هذا الخوف والقلق مجددا للواجهة بسبب ما لقب بـ"وصية بطرس الأكبر".
وخلال العام 1797، قدم النبيل البولندي ميكال سوكولنيكي (Michał Sokolnicki) وثيقة للإدارة الفرنسية بعنوان نظرة على روسيا. وخلال فترة حكم نابليون بونابرت، اتجهت الإدارة الفرنسية لاستغلال ما جاء بالوثيقة لأغراض دعائية بعد أن أطلق عليها اسم "وصية بطرس الأكبر".
ففي هذه الوصية الكاذبة، حث بطرس الأكبر من سيخلفه على العرش على العمل على توسيع البلاد لتمتد من البلطيق نحو البحر الأسود، وهو ما حصل بالفعل، وشن حروباً ضد بولندا والعثمانيين والسويد لانتزاع أراض جديدة منهم وافتكاك القسطنطينية من العثمانيين وكسب ثقة النمسا وبروسيا قبل خيانتهما، ونشر الخلافات والنزاعات وسط دول غرب أوروبا لإضعافها، والتوسع لاحقا صوب الهند والصين، واعتماد الأرثوذوكسية للتأثير على الشعوب الأوروبية التي تتبنى هذا المذهب الديني.
انطلاقا من ذلك، مثلت الوصية "الكاذبة" لبطرس الأكبر التي اعتمدها نابليون بونابرت لإثارة الكراهية ضد الروس دعوة من القيصر الروسي لشعبه لحكم العالم.
وعلى الرغم من عدم وجود أي ذكر لهذه الوصية بالأرشيف الروسي بحسب العديد من المؤرخين المعاصرين، استغل نابليون بونابرت هذه الوصية الكاذبة لبث الرعب بأوروبا خلال حربه ضد روسيا.
إلا أنه خلال السنوات التالية، عادت هذه الوصية لتظهر مجددا، ضمن أغراض دعائية، لتبرير الخوف والحروب ضد روسيا خاصة خلال حرب القرم والحروب الروسية العثمانية والحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة.