"الصيف للفقراء" .. مقولة شعبية يرددها جزائريون للدلالة على سهولة العيش في هذا الفصل، عكس ما هو الحال في الشتاء، حيث يمكن حتى للأشخاص بدون مأوى المبيت في الشارع، وهو ما يفضله مشردون يرفضون دور الإيواء المجانية حتى لا يفقدوا حريتهم.
في شوارع الجزائر، من باب عزون إلى ساحة الشهداء، ومن باب الوادي إلى سانت أوجين، وهي أحياءٌ شعبية في العاصمة الجزائر، تصادف عشرات الأشخاص بدون مأوى ممن يفترشون الأرض، ويجعلون من المباني أسقفا لهم، ومع حلول الليل يُجهزون الأرصفة ليحولوها إلى أسرةٍ يضعون فوقها بعض الملابس البالية أو غطاءات تصدق بها محسنون عليهم.
أما بالنسبة للأكل والشرب، فينتظرون ما تجود به أيدي المحسنين، من مال أو طعام، أو حتى الجمعيات الخيرية التي عادة ما تنظم توزيع الأكل الجاهز بالشوارع.
ورغم الإجراءات المتخذة من طرف السلطات المعنية للتكفل بهذه الفئة، من خلال إنجاز مراكز تشرف عليها مختلف الهيئات العمومية، لإيواء الأشخاص بدون مأوى، إلاَّ أنّ كثيرا من مفترشي الأرصفة يرفضونها، حتى أن البعض منهم يفرّ منها في حال نقل إليها بالقوة.
في هذا الشَّأن تحدث محمد نابتي (31 سنة) عضو جمعية "السلام" الخيرية، قائلا: " .. من بين أكثر الأعمال التي نقوم بها هي توزيع الطعام الجاهز والساخن على الأشخاص بدون مأوى ممن نصادفهم في جولاتنا الخيرية".
وأضاف المتحدث لـ"العربية.نت"/"الحدث.نت": " .. نحن نعثر على أشخاص عاديين لا يملكون مأوى بفعل ظروف اجتماعية معينة، وفئة أخرى من الأشخاص لديهم اضطرابات عقلية، والتي يكون التعامل معها صعبا جدا، حتى أنَّ أعضاء الجمعية يتعرضون في مرات كثيرة إلى اعتداءات من طرف هؤلاء، آخرهم شاب تعرض إلى طعنة خنجر من طرف مشرد مضطرب ذهنيا".
لكن، اضاف المتحدث "أصبحنا نحسن التعامل معهم مع الوقت، ولكننا نتفادى أحيانا حتى التقرب منهم، نضع الطعام بالقرب منهم، نراقبهم، ونكتشف أنهم بعد قليل يتقدمون ويلتقطونه".
عن ظاهرة رفض المآوى التي توفرها المصالح الخيرية العامة قال: " .. هناك الهلال الأحمر الجزائري، والهيئات التابعة لوزارة التضامن الوطني والأسرة، كلها توفر مأوى لهذه الفئة من الأشخاص، لكن الأغلبية يرفضونها، ففضلا عن المضطربين نفسيا، ممن لا يُقدرون الأصلح لهم، فإنه حتى الأشخاص بدون مأوى يرفضون أحيانا بدافع عدم تقييد حريتهم، حيث يرغبون في التنقل يوميا بين الشوارع، وبعضهم لا يرسو على مكان معين، فيما اشتكى آخرون من سوء المعاملة على مستوى تلك المراكز، ولكن هذه تبقى احتمالية ضعيفة، كون المراكز مراقبة وقد تكون تلك الممارسات فردية ومعزولة".
نفس التفسير أكده المختص الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي الذي قال عن الأمر:" .. تلك الفئة من الأشخاص بدون مأوى، وحتى إن بدا بعضهم عاديون ولا يعانون من اي اضطرابات نفسية، إلا أنهم الأكيد أن لديهم قصصا جعلت تفكيرهم وموقفهم من الحياة والمجتمع يتغير".
وأوضح صندوقي قائلا: " .. أغلب هؤلاء الأشخاص، وقد سبق لي أن قمت بدراسة أكاديمية حولهم، هربوا من محيط مجتمعي معين، حيث لم يقدروا على العيش بداخله، ففي الحقيقة هم هربوا من المجتمع إلى الشارع، فيكون عليهم صعبا العودة إلى التأقلم مع المجتمع في المآوى حيث يكونون في احتكاك مباشر مع الناس".
واضاف المتحدث: " .. مثلا هناك شباب تجدهم متشردين، وهذا بدوره غريب، كونهم قادرين على العمل في ورشات البناء والمبيت فيها، وحتى بالأجر الذي يتقاضونه يستأجرون مسكنا، لكنهم لا يفعلون لأنَّ بداخلهم رفضا وهربا من المجتمع".
وبالنسبة لصندوقي:" .. المشاكل العائلية والمجتمعية، هي التي تولد هذه الظواهر وغيرها، لا الفقر أو غياب السكن أو غيرها، وبالتالي علينا معالجة المشكل من جذوره من خلال تعزيز التكفل الاجتماعي، والتشجيع على معالجة الاضطرابات النفسية بعيادة الأطباء والمختصين، وعدم الهروب من واقعنا ومواجهته بالحلول المناسبة له".