تخيل أنك طالب دراسات عليا تحضر لمشروع في مجال الروبوتات وترغب في فهم أجهزة استشعار المركبات الذاتية القيادة وكيفية تطور التقنيات المختلفة، بالإضافة إلى التطورات المستقبلية. فمثل هذا المشروع قد يستغرق ساعات من البحث والمراجعة بين عشرات علامات التبويب المفتوحة وجمع التفاصيل المهمة كلها في مستند واحد.
ولكن " غوغل " تسعى إلى تغيير ذلك والارتقاء بمنهج البحث من خلال دمج التفكير المتقدم مع تحليل البيانات في الوقت الفعلي من خلال وضع "البحث المتعمق" (Deep Research) الذي يجري أبحاثا موسعة نيابة عنك، ويجمعها في تقارير مرتبة وواضحة الاستشهاد، ويعمل كمساعد بحث شخصي بالذكاء الاصطناعي.
وصممت "غوغل" هذا الوضع المتوفر من خلال روبوت الدردشة "جيميناي" (Gemini) لتعزيز إنتاجيتك وتبسيط طريقة استيعابك للمعلومات المعقدة وتحسين عملية البحث من خلال تحسين التفكير التحليلي وتجميع المعلومات وتقديم رؤى واضحة ومتعمقة حول أي موضوع تقريبا دون الحاجة إلى البحث المتواصل عبر محركات البحث.
وبفضل التفكير التحليلي المتقدم وقدرات التجميع المحسنة، يمكن لوضع "البحث المتعمق" إنشاء تقارير بحثية مفصلة وسهلة الفهم في ثوانٍ.
وفي هذه المقالة، نستكشف ما يميز وضع "البحث المتعمق"، وكيف يعمل، ولماذا يثير كل هذا الاهتمام في عالم التكنولوجيا.
يجمع وضع "البحث المتعمق" بين تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة وقدرات معالجة اللغات الطبيعية لتحليل المصادر المتعددة وتقديم تقارير شاملة معتمدا على نموذج ذكاء اصطناعي مدرب على معالجة ملايين المعطيات، مع قدرة فريدة على تصفح مئات المواقع الإلكترونية خلال دقائق، وتقييم مصداقية المصادر، وربط المفاهيم عبر التخصصات المختلفة.
وتسمح قدراته المتعددة الوسائط بمعالجة المعلومات وفهمها عبر النصوص والفيديو والصور والصوت والتعليمات البرمجية بعمق وكفاءة. وعلى عكس محركات البحث التقليدية أو أدوات الذكاء الاصطناعي الأساسية، لا يقتصر دور هذا الوضع على استرجاع البيانات فحسب، بل يجمع المعلومات من مصادر متنوعة، ويحلل الأنماط، ويقدم النتائج بصيغة منظمة وسهلة الفهم.
يعمل وضع "البحث المتعمق" عبر 4 مراحل مترابطة، وهي التخطيط، والبحث، والاستنتاج، وإعداد التقارير.
وفي مرحلة التخطيط، يتحول استفسار المستخدم إلى خطة بحث مخصصة ومتعددة النقاط، مع تقسيم الاستعلامات المعقدة إلى مهام فرعية قابلة للإدارة.
ويتيح الوضع للمستخدمين مراجعة هذه الخطة وتعديلها لضمان تركيز البحث على المجالات الصحيحة.
أما في مرحلة البحث، فإن وضع "البحث المتعمق" يتصفح الويب بشكل مستقل للعثور على معلومات ذات صلة وحديثة. وتتضمن هذه العملية تكرارا في تحسين عمليات البحث بناء على النتائج الأولية.
وتبرز قدرة هذا الوضع في مرحلة الاستنتاج، حيث يحلل المعلومات التي جمعها بشكل متكرر، ويعرض عملية تفكيره ويحدد المعلومات المفقودة أو التناقضات.
وفي مرحلة إعداد التقارير، يجري إنشاء تقارير بحثية شاملة ومخصصة تتضمن رؤى تفصيلية، وغالبا ما تكون متاحة كتسجيلات صوتية من خلال ميزة "لمحات صوتية" (Audio Overviews)، التي تحول المستندات والشرائح والتقارير البحثية إلى محادثات تفاعلية مولدة بالذكاء الاصطناعي. وتحتوي هذه التقارير على روابط للمصادر الأصلية.
وتغلبت "غوغل" على تحديات تقنية كبيرة في بناء هذا الوضع، مثل التخطيط المتعدد الخطوات والاستدلال الطويل الأمد، وذلك من خلال حلول، مثل مدير المهام غير المتزامن.
وتحاكي الطبيعة التكرارية لوضع "البحث المتعمق" عملية البحث البشري ولكن بوتيرة أسرع بكثير، حيث يتعلم النموذج ويحسن إستراتيجيته البحثية بناء على المعلومات التي يجدها.
صممت "غوغل" هذا الوضع لمن يحتاجون إلى نهج عميق وفعال فيما يتعلق بجمع المعلومات وتحليلها، إذ يقدم ميزات تلبي احتياجات مهام البحث المعقدة وذات الأهمية العالية، ويشمل ذلك:
سواء كان البحث في مواضيع أكاديمية، أو تقلبات السوق، أو وضع خطط عمل ملموسة لإنتاج سلع استهلاكية صغيرة جديدة بكميات كبيرة، فإن وضع "البحث المتعمق" يقدم تقارير ثرية بالمعلومات حول مجموعة واسعة من المواضيع، مُرفقة باستشهادات وشروحات للمواضيع التي تمت مناقشتها.
ويعد هذا الوضع بمنزلة الأداة المثالية إذا كنت رائد أعمال تطلق مشروعا صغيرا، وترغب في جمع تحليلات سريعة للمنافسين وتوصيات بالمواقع المناسبة، أو إذا كنت مسوقا تجري أبحاثا حول حملات تسويقية حديثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لقياس مدى نجاحها في التخطيط وغيرها من السيناريوهات.
ويستطيع الوضع توليد تقارير متعمقة حول الفرص الاستثمارية الناشئة. ففي حالة دراسة سوق الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط، يقوم وضع "البحث المتعمق" بجمع البيانات من تقارير الحكومات، وتحليلات الشركات المالية، والأبحاث الأكاديمية، مع تقديم مقارنات تفصيلية حول تكاليف التشغيل، واللوائح التنظيمية، والإمكانات النموذجية لكل تقنية.
كما يوفر الوضع رؤى إستراتيجية عبر مقارنة شاملة بين المنتجات أو الخدمات. وعند تقييم سوق الهواتف الذكية، لا يقتصر التقرير على المواصفات التقنية، بل يشمل تحليل إستراتيجيات التسعير الديناميكية، وأنماط تفاعل المستخدمين عبر منصات التواصل، وحتى اتجاهات التسويق المؤثرة في مناطق جغرافية محددة.
وفي القطاع العام، يساهم وضع "البحث المتعمق" في تحليل السياسات عبر محاكاة السيناريوهات المختلفة. فعلى سبيل المثال، عند دراسة تأثير فرض ضريبة جديدة على السلع الفاخرة، يقوم الوضع بدمج البيانات الاقتصادية الكلية، وأنماط الاستهلاك التاريخية، وتحليلات الرأي العام من وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم توقعات متعددة الأبعاد.
في الختام، يأتي وضع "البحث المتعمق" من "غوغل" ليمثل نقلة نوعية في كيفية تفاعل المستخدمين مع المعلومات وتحليلها. ولا تقتصر هذه التقنية المتقدمة على مجرد عرض نتائج البحث التقليدية، بل تتعداها إلى استخلاص وتحليل وتلخيص المعلومات من مصادر متعددة، وصياغتها في تقارير متكاملة تلبي احتياجات الباحثين وصناع القرار.