نادراً ما نسمع اعترافات من سياسيين وقادة إسرائيليين سابقين، إذ يميل معظمهم إلى التزام الصمت بعد اعتزالهم، متجنبين الإفصاح عن تفاصيل فترة حكمهم. غير أن الظاهرة اللافتة مؤخراً تتمثل في خروج عدد من السياسيين الإسرائيليين السابقين عن صمتهم، مُوجهين انتقادات لاذعة لحكم بنيامين نتنياهو، الذي تبوأ منصب رئيس الوزراء منذ عام 1996 ولا يزال يحكم حتى اليوم بفترات متقطعة.
في هذا المقال، أسلط الضوء على إيهود أولمرت، أحد رؤساء الوزراء السابقين، الذي دخل السجن بعد إدانته بتلقي الرشوة عام 2007، حيث حُكم عليه بالسجن الفعلي لمدة ستة عشر شهراً. وكان أولمرت قد تولى منصب رئيس الحكومة خلفًا لأريئيل شارون عام 2004 بعد تعرض الأخير لجلطة دماغية، إذ كان يشغل آنذاك منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء.
شغل أولمرت منصب رئيس الحكومة حتى عام 2006، وخلال فترته شنَّ حرب لبنان الثانية ضد حزب الله، التي اندلعت في 12 يوليو 2006 واستمرت حتى 25 أغسطس من العام نفسه. وبمقابلة في منتصف آذار 2025 مع الصحفي روني كوبان في القناة 11، يدلي أولمرت لأول مرة باعترافات صريحة حول فترة حكمه، متحدثًا عن قراراته، وعن رأيه في السياسيين الإسرائيليين الحاليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، إيهود باراك، ويسرائيل كاتس.
من الواضح أن أولمرت، الذي بدأ مسيرته السياسية عندما انتُخب عضوًا في الكنيست عن حزب الليكود في سن الثامنة والعشرين، ثم وزيرًا في الثانية والأربعين، استطاع تحقيق قفزات كبيرة في مسيرته. ففي منتصف الثمانينات، نجح في الإطاحة برئيس بلدية القدس تيدي كوليك، الذي شغل المنصب لأكثر من ثلاثين عامًا، ليصبح رئيسًا للبلدية القدس لمدة ثماني سنوات. كما كان من مؤسسي حزب كديما، الذي انشق عن الليكود بقيادة أريئيل شارون، وتمكن من تشكيل حكومة عام 2002.
انتقادات حادة لنتنياهو ونهجه
يُعبِّر أولمرت في هذه المقابلة عن آرائه الحاد والسلبية في رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، واصفًا إياه بأنه "فارغ للغاية ونرجسي بشكل فظيع، يهتم فقط بنفسه". ويضيف بان عائلة نتنياهو تستغل مقتل اخيه يوني في عملية عنتيبي في اوغاندا عام 1975، محولين ذلك إلى وسيلة لتعزيز طموحاتهم السياسية. ويشير إلى أن بنيامين نتنياهو يكرر ذكر هذه الحادثة بشكل مبالغ فيه لخدمة مصالحه الشخصية.
كذلك، يدافع أولمرت عن قرار حزب كديما بالانسحاب من غزة عام 2005، معتبرًا أنه كان صائبًا، مستشهدًا بانخفاض عدد القتلى الإسرائيليين مقارنة بالفترة التي سبقت الانسحاب (2000-2003). كما يعترف بأن هناك أخطاء استراتيجية ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية، إذ لم يكن الجيش في أوج استعداده لمواجهة حزب الله بشكل كافٍ وفعال.
ضرب المفاعل النووي السوري وقرارات حاسمة
في المقابلة، يتحدث أولمرت عن قراره بضرب المفاعل النووي السوري عام 2007، رغم عدم حصوله على دعم من الرئيس الأمريكي جورج بوش. ويؤكد أن إيهود باراك، الذي كان وزيرًا للدفاع آنذاك، عارض العملية، مطالبًا بالتريث. إلا أن أولمرت أصر على تنفيذ الضربة، معتبرًا إياها "إنجازًا استراتيجيًا كبيرًا لإسرائيل"، خصوصًا أن النظام السوري لم يرد ولم يعترف بالهجوم.
رؤيته للتسوية مع الفلسطينيين
يرى أولمرت أن من الصعب إقناع المجتمع الإسرائيلي بضرورة التوصل إلى تسوية تاريخية مع الفلسطينيين، لكنه يؤكد أن استمرار الصراع الدامي سيؤدي إلى مقتل الآلاف في الحاضر والمستقبل. ولذا، يصر على ضرورة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة للحفاظ على حياة الشعبين وإنهاء النزاع الدموي.
ويشير إلى أنه رغم صعوبة خوضه انتخابات مقبلة، فإنه سيدعم أي حزب أو مبادرة سياسية تسعى إلى تحقيق هذا الحل، خاصة في ظل غياب مثل هذه الطروحات عن المشهد السياسي الإسرائيلي. كما يدافع عن مبادرته السابقة للحوار مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تضمنت موافقته على إقامة دولة فلسطينية، لكنه يعترف بأنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ عام 2007.
انتقاده ليسرائيل كاتس
أما عن يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الحالي، فيرى أولمرت أن أفكاره قريبة من حزب "عوتسما يهوديت" المتطرف برئاسة إيتمار بن غفير، لكنه "يرتدي بدلة رسمية"، في إشارة إلى محاولته إظهار صورة معتدلة بينما يحمل أفكارًا متطرفة.
التهديد الذي يخيف نتنياهو
واحدة من أكثر المخاوف التي تؤرق بنيامين نتنياهو هي أن يصبح مصيره مشابهًا لمصير أولمرت. فإيهود أولمرت، الذي استقال من منصب رئيس الوزراء في 2009 بعد شروع التحقيقات بتهم فساد ورشوة، يُعتبر مثالًا يُحتسب عليه في السياقات السياسية الإسرائيلية، حيث تم إدانته في قضية "هوليلاند" بالرشوة في 2014 وحُكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، ثم تم تخفيض حكمه إلى 18 شهرًا في 2017. ويبدو أن نتنياهو يشعر بضغط كبير من الخوف من أن تجلب التحقيقات ضده نهاية مشابهة.
وتبرز اعترافات أولمرت كإحدى المرات القليلة التي يخرج فيها سياسي إسرائيلي سابق ليعترف بأخطائه ويكشف عن رؤيته النقدية للمشهد السياسي الحالي. وبينما يوجه انتقادات لاذعة لنتنياهو، باراك، وكاتس، فإنه أيضًا يُقر بأن الأخطاء الاستراتيجية كانت جزءًا من فترة حكمه. في النهاية، يبقى التساؤل مفتوحًا: هل ستؤثر هذه الاعترافات في الرأي العام الإسرائيلي، أم ستُطوى طيَّ النسيان كسابقاتها؟