لا يمكن لشخص ولد في أمستردام أن يحلم بغير ارتداء قميص الفريق العريق أياكس، فالمجد سيلاحقه والمعجبون سيهتفون باسمه فكيف إذا كان هدافاً تاريخياً مثل باتريك كلويفرت؟. حدث كل ذلك بوقت سريع لكنه انتهى بعد قتله رجلاً إثر حادث سير جعل مسيرته في العاصمة الهولندية تنتهي، وعقب أعوام ارتكب خطأ آخر جعله يقع ضحية لابتزاز عصابة جريمة منظمة أدت إلى نهاية مشواره كمدير رياضي.
باتريك، ابن مهاجر سورينامي، عاش مجداً لم يتخيله في أحلامه، مهاجم صغير تألق بقميص أياكس منذ اللحظة الأولى بعام 1994 وفي مايو من السنة اللاحقة كان البطل في فوز فريق مدينة أمستردام بدوري أبطال أوروبا على حساب ميلان بهدف دون رد، وفرحته التاريخية باتت لقطة أيقونية بأعين مشجعي الفريق الأبيض والأحمر، لكن النهاية كانت أسرع بعدما قتل رجلاً بعد 4 أشهر فقط من احتفاله الشهير.
استعار كلويفرت سيارة "بي إم دبليو" حمراء غير مؤمن عليها من صديقه في شمال أمستردام، دلف إلى أحد شوارع المدينة الضيقة عندما كان يسير بسرعة 100 كلم في الساعة ضعف السرعة المسموح بها، ولم ينتبه إلا بعد اصطدامه بسيارة "فورد" يقودها الخمسيني مارتن بوتمان، مدير مسرح ستادشوبرغ في قرية فلاردين جنوبي هولندا والذي جاء إلى أمستردام مع زوجته لزيارة أقاربهما قبل أن يلقى حتفه على يد طفل المدينة المحبوب.
قالت هاني زوجة الراحل: السيارة الأخرى "التي كان يقودها كلويفرت" كانت تسير بسرعة جنونية، أحمد الله أن زوجي توفي دون آلام أو حتى خوف من مشاهدتها وهي تسير نحوه.
من سوء حظ باتريك، هداف أياكس في الموسمين الذين سبقا الحادث، أن الراحل كان مشجعاً متعصباً للفريق ذاته، قالت هاني في تصريحات صحفية قبل 29 عاماً: زوجي كان مشجعاً لأياكس ووالدي يحضر مباريات الفريق دون توقف، أما ابني فتوقف عن التشجيع من الملعب رفقة جده وبات يتابع المباريات مسجلة عبر الفيديو، وعندما يظهر كلويفرت على الشاشة يقوم بتسريع الفيديو حتى لا ينظر إليه ويتذكر والده الراحل.
كان باتريك الصغير يعاني حينها، قال علناً "الطفل الذي داخلي مات، لن أشعر بالسعادة بشكل كامل طوال حياتي، لأنني كلما أشعر بشعور جيد، أتذكر بوتمان ووفاته".
طلب المدعي العام الهولندي حبس كلويفرت بتهمة القتل، وبعد مداولات وجلسات تم الاكتفاء بأداء 240 ساعة خدمة اجتماعية تتمثل بتعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو حكم لم يعجب زوجة الراحل التي قالت: لقد دمّر كلويفرت حياتي، وحتى عندما ثبت عليه الاتهام بقتل زوجي، منحه القاضي عقوبة خفيفة، لكن هذا أمر طبيعي بالنسبة لهولندا.
عاش كلويفرت ذو الـ19 عاماً صراعاً داخلياً واجتماعياً، تلقت عائلته رسائل تهديد ذات دوافع عنصرية، ولاحقه المشجعون في الملاعب بكلمة "قاتل" وحتى عندما بعث رسالة لهاني زوجة القتل يعتذر فيها عن ما حدث، قالت: أرسل لنا رسالة قصيرة يبدو أن مدرسه كتبها له.
لم يبق باتريك في هولندا بعد ذلك الحادث أكثر من عام واحد ورحل بعدها نحو ميلان الإيطالي وفي العام 1998 عقب كأس عالم مثيرة ارتدى قميص برشلونة الإسباني.
لاحق شبح بوتمان كلويفرت حتى في إسبانيا بعد قرابة 8 أعوام من الحادثة، توجه برشلونة إلى الولايات المتحدة صيف 2003 دون هدافه الهولندي والذي رفضت السفارة الأميركية في مدريد منحه تأشيرة دخول بسبب "ماضِ إجرامي" احتاج اللاعب حينها إلى تقديم أوراق إضافية مقابل الحصول على التأشيرة.
نضج كلويفرت واعتزل كرة القدم ثم دخل عالم التدريب، لكن مجدداً يختار القرار الخطأ وهذه المرة بعمر 36 عاماً عندما كان مدرباً لفريق تفينتي أنشخيدة الهولندي تحت 21 عاماً، إذ دخل عالم المراهنات وبدأ يراهن على نتائج المباريات بما فيها نتائج الفريق الأول في النادي.
كان باتريك يراهن بمبالغ مالية كبيرة على نتائج المباريات وأصبح مديناً لعصابة جريمة منظمة بمبلغ تجاوز مليون يورو، قبل أن المبلغ كان أكثر بسبب الفوائد وغرامات التأخير بالسداد، قبل أن تبتزه العصابة.. الدفع أو تسريب الشريط.
كان كلويفرت، رابع هداف في تاريخ هولندا، يسدد المبالغ المتأخرة على شكل دفعات وهذا أمر لم يرض العصابة، وفي مرة اعترف لهم بأنه يعرف مقدار الدين الذي يترتب عليه دفعه وأنه سيفعل ذلك في أقرب وقت. استغل المجرمون ذلك وقرروا ابتزازه بتسريب الشريط إذا لم يدفع المبالغ المتأخرة.
تفجرت القضية في صيف 2017 عندما نشرت صحيفة "دي فولكسرانت" تفاصيل قضية الابتزاز، حينها كان باتريك كلويفرت مديراً رياضياً في باريس سان جيرمان، وبعد ضجة كبيرة أثارتها القصة، أعلن النادي الباريسي أن المهاجم الهولندي الشهير ترك منصبه بالتراضي.
قبضت الشرطة على المجرمين، وتبين أن كلويفرت مجرد مراهن ولم يكن طرفاً في قضايا التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم، لكن مسيرته في أوروبا بدأت تتراجع، إذ توجه بعدها إلى الكاميرون ليعمل مساعداً في فريق مواطنه المدرب كلارنس سيدروف الفني مع منتخب الكاميرون، ومن ثم عمل في أكاديمية برشلونة قبل حضور جوان لابورتا إلى رئاسة النادي، وتوجه في مايو 2021 إلى كوراشاو ليكون مدرباً مؤقتاً لمنتخبها إثر إصابة مواطنه غوس هيدينك بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" وتلى ذلك تجربة قصيرة مع أدانا ديميرسبور التركي انتهت بالتراضي، وأخيراً وصل إلى جاكرتا في يناير الماضي لقيادة منتخب إندونيسيا حيث يحلم بالوصول إلى كأس العالم بعد مسيرة ناجحة داخل الملعب، مرتبكة ومليئة بالأخطاء خارجه.