في ظهيرة يوم خانق في خان يونس، اصطف المئات أمام نقطة توزيع المساعدات الأمريكية. وسط الحشد، كان يقف سليمان العبيد، أسطورة كرة القدم الفلسطينية الملقب بـ"بيليه فلسطين"، ينتظر دوره ليحصل على القليل من الطعام لأطفاله الخمسة. لم يكن يدري أن هذه الرحلة، التي باتت جزءًا من يومياته منذ أسابيع، ستكون الأخيرة.
طراد العبيد، شقيقه، يروي لموقع بكرا تفاصيل اللحظة الحاسمة: "كنت بجانبه تمامًا. كنا نتحدث عن إمكانية العودة مبكرًا إذا طال الانتظار. فجأة، سمعنا أزيزًا خافتًا من السماء. رفعت رأسي، ورأيت طائرة كواد كابتر إسرائيلية تحوم على ارتفاع منخفض. لم تمضِ ثوانٍ حتى أسقطت قنبلة صغيرة في وسط الحشد. الانفجار كان قريبًا جدًا. أصيب العشرات، نظرت إلى سليمان فوجدته ملقى على الأرض، ينزف بشدة. حاولت حمله، لكن إصابته كانت قاتلة… رحل أمام عيني".
طراد يستحضر مشهدًا آخر قبل أسابيع: "سليمان لم يكن يحب الذهاب إلى هذه النقاط، كان يقول إنها مثل مباراة كرة قدم طويلة ومرهقة، لكن بدون جمهور أو أهداف، فقط عرق وخوف. ومع ذلك، كان يذهب لأنه شعر بمسؤولية تجاه أطفاله".
من الملاعب إلى طوابير المساعدات
سليمان، المولود في 24 مارس 1984 في مخيم الشاطئ، عرفه جمهور الكرة الفلسطينية كأحد ألمع المهاجمين في تاريخها. بدأ مسيرته في نادي خدمات الشاطئ، حيث أصبح هدافه التاريخي، قبل أن ينتقل إلى شباب الأمعري وغزة الرياضي. في عام 2007، انضم إلى المنتخب الوطني الفلسطيني، وخاض 24 مباراة دولية وسجل هدفين، أحدهما مقصية تاريخية في مرمى اليمن خلال بطولة اتحاد غرب آسيا 2010.
كان لقب "بيليه فلسطين" أكثر من مجرد مجاملة؛ كان اعترافًا بموهبته، وإشارة إلى قدرة الكرة على صناعة الأمل وسط الحصار والانقسام. لكن الحلم الرياضي اصطدم بواقع الحرب منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث تحوّلت الملاعب إلى مراكز إيواء، ودُمرت عشرات المنشآت الرياضية.
استهداف ممنهج للقطاع الرياضي
وفق بيانات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، قُتل منذ اندلاع الحرب 785 من الرياضيين والعاملين في القطاع الرياضي، بينهم 422 لاعب كرة قدم، وتعرضت 264 منشأة للتدمير أو الضرر. طراد يؤكد أن ما حدث مع سليمان ليس استثناءً: "كل لاعب في غزة اليوم يعيش تحت التهديد. كثيرون قُتلوا في منازلهم أو أثناء لعبهم أو حتى وهم يحاولون مساعدة أسرهم. الرياضة هنا أصبحت هدفًا، ليس فقط الملعب، بل اللاعب نفسه".
صدى عالمي… وغضب شعبي
خبر استشهاد سليمان أثار ردود فعل واسعة. النجم المصري محمد صلاح علّق على منشور الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي اكتفى بنعيه، متسائلًا: "هلّا أخبرتمونا كيف توفي، وأين ولماذا؟"، في إشارة إلى تجاهل هوية القاتل. المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز دعت بدورها إلى طرد إسرائيل من المسابقات الرياضية، رافعة شعار "رياضة بلا إبادة".
طراد يعلق على ذلك: "نحن نقدّر أي صوت يدافع عن الحقيقة، لكننا نريد ما هو أبعد من التصريحات. الفيفا والاتحادات الدولية يجب أن تتحمل مسؤولياتها. عندما وقعت حرب أوكرانيا، تم استبعاد روسيا فورًا من المسابقات، فلماذا الدم الفلسطيني أقل قيمة؟".
إرث من الأهداف… وغياب لا يُعوّض
اليوم، لم يبقَ من سليمان سوى أهدافه المسجلة على شاشات يوتيوب، وصورته وهو يرفع يديه احتفالًا، وذكريات أخيه وأصدقائه عنه كإنسان قبل أن يكون لاعبًا. بالنسبة لطراد، الفقد أكبر من أن يُختصر بكلمات: "سليمان كان الأخ والصديق، كان دائمًا مبتسمًا حتى في أصعب الظروف. رحيله فجوة لن تُسد، لكن ذكراه ستبقى حية في كل من عرفه أو هتف باسمه".