آخر الأخبار

أزمة الأحزاب العربية بين الحسابات الضيقة ومصيرنا الجماعي 

شارك

أزمة الأحزاب العربية بين الحسابات الضيقة ومصيرنا الجماعي
بقلم خالد خليفة
تمرّ الأحزاب العربية في البلاد اليوم بواحدة من أكثر المراحل تعقيدًا وحساسية في تاريخها السياسي، خاصة في أعقاب أحداث 7 أكتوبر وما تلاها من تحولات عميقة في الخطاب الإسرائيلي الرسمي والشعبي تجاه الجماهير العربية. ورغم خطورة اللحظة، لا تزال هذه الأحزاب العربية غارقة في خلافاتها الداخلية وحساباتها الفئوية، وعاجزة عن بلورة موقف موحّد تجاه القضية الأكثر مركزية في العمل السياسي العربي وهي إعادة بناء القائمة المشتركة بوصفها مشروعًا سياسيًا أيديولوجيًا واستراتيجيًا من الدرجة الأولى.

هنالك عدة عناصر مركزية تتعلق بالعمل السياسي العربي لتحويل هذا العمل من تكتيك انتخابي إلى ضرورة مصيرية
حيث القائمة المشتركة
1 - لم تعد مجرد أداة لرفع نسبة التصويت أو زيادة عدد المقاعد في الكنيست، بل تحولت – خاصة بعد 7 أكتوبر – إلى ضرورة وجودية للجماهير العربية. فالتغيرات الحادة في المزاج الإسرائيلي، وتصاعد خطاب الإقصاء، والتشكيك بشرعية الوجود السياسي العربي، تجعل من الوحدة السياسية شرطًا أساسيًا للحفاظ على الحد الأدنى من التأثير والحضور، وكان النائب ايمن عوده قد ذكر وحذر عن قضية الاقصاء هذه للجماهير العربية الامر الذي يتنافس عليه القطبين السياسيين في إسرائيل إذا كان ذلك في اليمين اليسار والمركز
وعلى الرغم من ذلك، تتعامل معظم الأحزاب العربية مع هذه القضية بعقلية تكتيكية قصيرة المدى، لا بعقلية استراتيجية بعيدة المدى، وكأنها لم تستوعب بعد أن المرحلة الحالية تختلف جذريًا عما سبقها.

2 - القائمة الموحدة ومنهج المراهنة الفردية بقيادة منصور عباس الطرف الأكثر إثارة للجدل في ملف القائمة المشتركة. فعباس ما زال يؤمن بإمكانية تحقيق إنجازات عبر التفاوض الفردي مع الأحزاب الصهيونية والانخراط في معادلات الحكم الإسرائيلي، متجاهلًا التحولات البنيوية التي طرأت على النظام السياسي بعد 7 أكتوبر.
إن الرهان على قبول عربي شريك في الحكومة الإسرائيلية في هذه المرحلة يبدو رهانًا بعيدا عن الواقع، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف، وتحوّل العرب إلى هدف سياسي وأمني مركزي. هنا، يظهر فشل منصور عباس في قراءة اللحظة التاريخية، وإصراره على مسار لم يعد قابلًا للاستمرار، بل قد يتحول إلى عبء سياسي على المجتمع العربي بدلا من أن يكون رافعة له.

3 - حزب التجمع ويتمثل بوعي استراتيجي يقابله انسداد عملي في المقابل حيث يُظهر هذا الحزب– بقيادة سامي أبو شحادة – فهمًا أعمق لخطورة المرحلة، ويُعلن بوضوح أن إعادة بناء القائمة المشتركة مسألة مركزية تتعلق بالبقاء السياسي والوطني. كما يبدي استعدادًا لتقديم تنازلات مؤلمة من أجل تحقيق الوحدة، رغم الخلافات الأيديولوجية العميقة مع الحركة الإسلامية.
لكن هذا الوعي الاستراتيجي يصطدم بواقع سياسي صلب، حيث يرفض منصور عباس التعاون مع التجمع، ويفضّل الاستمرار في مساره المنفرد. وهنا، يتحول التجمع إلى طرف يمتلك الرؤية، لكنه يفتقد الشريك القادر أو الراغب في ترجمتها عمليًا للوحدة.

4 - اما الجبهة والحزب الشيوعي اللذان يواجهان أزمة بنيوية وقيادية تعاني من أزمة أعمق وأكثر تعقيدًا. إذ لم تُقدم في السنوات الأخيرة على أي إصلاحات بنيوية حقيقية داخل الحزب الشيوعي أو في آليات اتخاذ القرار، وبقيت أسيرة نفس القيادات ونفس الصراعات على المراتب الأولى. هذا الجمود التنظيمي ينعكس مباشرة على موقفها من القائمة المشتركة، حيث يبدو التمسك بها أحيانًا نابعًا من الخوف على الوزن الانتخابي أكثر من كونه التزامًا بمشروع سياسي جماعي.

5 - هذا وتلعب العربية للتغيير سياسة الشروط والابتزاز المتكرر
بقيادة أحمد الطيبي، دورًا براغماتي وتقليديًا يقوم على فرض الشروط وترك الأبواب مفتوحة على جميع الاحتمالات. ورغم خبرته الطويلة ونجاحه في المناورة السياسية منذ عام 1999، إلا أن هذا النهج لم يَعُد كافيًا في مرحلة تتطلب وضوحًا أيديولوجيًا وشجاعة استراتيجية، لا مجرد إدارة توازنات آنية.
يمكن القول إن الأزمة الحقيقية لا تكمن في الجماهير العربية، التي أثبتت مرارًا استعدادها للالتفاف حول مشروع وحدوي، بل في غياب قيادة سياسية تمتلك رؤية مشتركة وشجاعة اتخاذ القرار. فالقائمة المشتركة ليست مسألة تقنية أو انتخابية، بل هي سؤال مصيري حول شكل الوجود العربي السياسي في هذه البلاد بعد 7 أكتوبر.
وما لم تنتقل الأحزاب العربية من إدارة الخلافات إلى بناء مشروع وحدوي أيديولوجي واضح، فإنها تخاطر ليس فقط بخسارة مقاعد، بل بخسارة دورها التاريخي في تمثيل والدفاع عن حقوق وكرامة المجتمع العربي في مرحلة هي الأخطر منذ عقود.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا