آخر الأخبار

المفاوضات في غزة لا تكفي… المشروع الوطني الفلسطيني يجب أن ينهي كل الاحتلال

شارك

مع بدء انطلاق المفاوضات للمرحلة الثانية المتعلقة بقطاع غزة، يبرز سؤال جوهري يتجاوز تفاصيل الترتيبات الأمنية والإنسانية هناك: هل يمكن لهذه المفاوضات أن تحقق أي معنى إذا لم تُربط بالمشروع الوطني الفلسطيني الأكبر، القائم على إنهاء كل أشكال الاحتلال، وليس فقط التوقف عند غزة؟ إن التركيز على غزة وحدها، بمعزل عن الضفة الغربية، هو خطأ استراتيجي قاتل، لأن الضفة تُنهك وتُنهب دقيقة بدقيقة، عبر الاستيطان والضم الزاحف، والسيطرة العسكرية التي تحوّل حياة الفلسطينيين إلى جحيم يومي.

الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة وزراء اليمين العنصري، لا تخفي نواياها. بل تتباهى علناً بأنها تعمل على تكريس الاحتلال وتحويل الضفة الغربية إلى جزء لا يتجزأ من إسرائيل. هؤلاء الوزراء يوسّعون المستوطنات، يربطونها بشبكات طرق وبنى تحتية، ويصادرون الأراضي الفلسطينية بلا هوادة. في الوقت ذاته، المجتمع الإسرائيلي ككل يتواطأ مع هذه السياسات، إما بالصمت أو بالدعم المباشر، مما يمنح الاحتلال شرعية داخلية ويحوّله إلى سياسة دولة لا مجرد خيار حكومي. هذا التواطؤ الشعبي هو أخطر ما يواجه الفلسطينيين، لأنه يخلق حالة من الإجماع الداخلي في إسرائيل على استمرار الاحتلال، ويجعل أي مفاوضات أو ضغوط خارجية أقل تأثيراً.

إن أي مفاوضات حول غزة، إذا لم تُقرن بوضوح بمطلب قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى جانب غزة، ستفقد معناها. فصل غزة عن الضفة هو تكريس للتجزئة، وإضعاف للهوية الوطنية الفلسطينية، وإعطاء إسرائيل فرصة لمواصلة مشروعها الاستيطاني والضم الزاحف في الضفة الغربية. إن المشروع الوطني الفلسطيني لا يمكن أن يُختزل في تحسين ظروف إنسانية أو ترتيبات أمنية في غزة، بل يجب أن يكون مشروعاً شاملاً لإنهاء الاحتلال في كل فلسطين، وإعادة الاعتبار للحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني.

المجتمع الدولي، رغم إدراكه لخطورة هذه السياسات، يكتفي ببيانات الشجب والاستنكار، دون أي ضغط فعلي يجبر إسرائيل على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار 242 الذي نص على الانسحاب من الأراضي المحتلة. وهكذا يبقى الفلسطينيون معلقين بين وعود سلام لم تتحقق وواقع احتلال يتجذر يوماً بعد يوم. هذا التخاذل الدولي يمنح إسرائيل الوقت الكافي لتكريس واقع جديد على الأرض، واقع يجعل من الضفة الغربية أرضاً بلا سيادة، حيث الفلسطينيون بلا وطن، بلا حقوق إنسان، وبلا حقوق مدنية.

إن ما يجري في الضفة الغربية هو تكريس لاحتلال طويل الأمد يهدف إلى محو الهوية الوطنية الفلسطينية وتحويل الأرض إلى مجرد امتداد لإسرائيل. هذا الضم الزاحف عبر الاستيطان والسيطرة الأمنية والاقتصادية يشكل جريمة سياسية وأخلاقية بحق شعب بأكمله. استمرار هذا النهج سيقود المنطقة إلى مزيد من الانفجار، لأن شعباً يعيش بلا حقوق وبلا أفق سياسي لا يمكن أن يقبل العيش إلى الأبد تحت الاحتلال.

اليوم، ومع وضوح الصورة أكثر من أي وقت مضى، لا بد من القول إن المفاوضات حول غزة يجب أن تكون جزءاً من مشروع وطني شامل لإنهاء الاحتلال في كل فلسطين، وإلا فإنها ستتحول إلى مجرد محطة شكلية، بينما الضفة الغربية تُنهك وتُنهب دقيقة بدقيقة. العالم مطالب بأكثر من بيانات، مطالب بفرض إرادة القانون الدولي، وإلا فإن الضفة ستبقى نموذجاً صارخاً لغياب العدالة، حيث يبقى الفلسطينيون معلقين بلا وطن وبلا حقوق.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا