في صباحٍ تلألأ بنور الذاكرة وعطر الماضي العريق، شهدت مدرسة السلام في الطيبة يوماً استثنائياً تجلّى فيه التراث بأبهى حُلله، وانبعثت فيه أصالة الأجداد لتُعانق روح التجدد في قلوب النشء. كان لقاءً بين الأمس واليوم،
مصدر الصورة
حيث امتزجت رائحة التاريخ العطر بنسمات المستقبل الواعد.
افتتحت مديرة المدرسة ميراف حاج يحيى مصاروة هذا اليوم المميز بكلمةٍ رنّانة سرت في أرجاء المكان كنسيمٍ عليل، تحدثت فيها عن أهمية التمسك بجذورنا وسط زحمة التحديث والعصرنة، مؤكدةً أن الأصالة ليست قيداً يُثقل الخطى، بل هي منارةٌ تُضيء دروب المستقبل. ثم تلاها الأستاذ اياد حاج يحيى مركز التربية الاجتماعية بكلماتٍ نابضة بالحكمة، دعا فيها الطلاب إلى أن يكونوا حُماةً للموروث وصُنّاعاً للغد في آنٍ معاً.
وما إن انتهت الكلمات الافتتاحية حتى انطلق الطلاب في رحلةٍ عبر الزمن، يتنقلون بين محطات التراث المختلفة التي أُعدّت بعنايةٍ فائقة. كانت كل محطةٍ بوابةً إلى عالمٍ من الذكريات، حيث تجلّت جميع زوايا التراث وأبعاده: من الحِرف اليدوية التي تحكي قصص الأنامل الماهرة، إلى الأزياء الشعبية التي تنطق بألوان الأرض وعبق التاريخ، وصولاً إلى الأطعمة التراثية التي تُحيي نكهات الزمن الجميل.
وكانت محطة القصص والأغاني الشعبية درّةً في تاج هذا اليوم، إذ تشرّفت باستضافة نخبةٍ من حُرّاس التراث: الأستاذ المعروف أحمد كرمية عازم، الذي سردَ حكايات الأولين بصوتٍ يحمل نبرات الماضي وحنين الأجداد، والسيدة سلوى منصور التي أطربت الحضور بأغانٍ شعبية تُعيد للروح ألقها وللذاكرة بريقها. كانت كلماتهما كأنها خيوطٌ من نور تنسج جسراً بين الأمس واليوم، وأصواتهما تردّدت في أرجاء المكان كصدى الزمن الجميل.
تجوّل الطلاب في هذه المحطات بعيونٍ متلهفة وقلوبٍ واعية، يستمعون إلى حكايات الأجداد، ويتعلمون حِرفهم، ويتذوقون أطعمتهم، في تجربةٍ غامرة جعلتهم يلمسون عراقة هويتهم ويُدركون أن الأصالة ليست ماضياً يُندب، بل رصيدٌ يُفتخر به ويُبنى عليه.
في ختام هذا اليوم الاستثنائي، غادر الطلاب والمعلمون بقلوبٍ عامرة بالفخر والانتماء، موقنين أن الحفاظ على التراث ليس حنيناً للماضي، بل هو زادٌ للمستقبل. فعبق الأصالة في زمن التجدد ليس تناقضاً، بل هو توازنٌ حكيم بين الجذور الراسخة والأغصان المتطلعة نحو السماء.
المصدر:
بانيت