الحكومة الإسرائيلية تثبت مرة أخرى أنها لا ترى في المواطنين العرب شركاء في هذا الوطن، بل خصوماً يجب إخضاعهم. قرارها بتحويل ميزانيات التطوير المخصصة للمجتمع العربي إلى مشاريع شرطية وأمنية ليس مجرد خطأ إداري، بل هو إعلان صريح بأن مصالح العرب ليست على جدول أولوياتها. هذه السياسة تكشف العقلية التي تدير الدولة: عقلية تعتبر أن العرب ملف أمني، لا مواطنين يستحقون الاستثمار في مستقبلهم.
منذ سنوات، يطالب المجتمع العربي بخطط تنمية حقيقية تسد الفجوات في التعليم، التشغيل، والبنية التحتية. لكن بدلاً من أن تلتزم الحكومة بوعودها، تختار أن تقتطع من هذه الميزانيات وتحوّلها إلى الشرطة، وكأن الحل للجريمة هو المزيد من القمع، لا معالجة أسبابها. هذا القرار يفضح أن الحكومة لا تريد فعلاً محاربة الجريمة، بل تريد إبقاء المجتمع العربي في حالة ضعف وتهميش، لتبرر استمرار سياساتها العنصرية.
الجريمة في بلداتنا ليست قدراً، بل نتيجة مباشرة للفقر والبطالة وانعدام الفرص. عندما يُترك الشباب بلا تعليم جيد ولا وظائف محترمة، يصبحون فريسة سهلة للعصابات. لكن الحكومة، بدلاً من أن تستثمر في هؤلاء الشباب، تختار أن تصرف الأموال على السجون والدوريات، وكأنها تقول لهم: “مكانكم الطبيعي خلف القضبان”. هذه ليست سياسة أمنية، بل سياسة عدائية هدفها تكريس الفجوة بين العرب والدولة.
الرسالة الاحتجاجية التي أرسلتها الجمعيات المدنية عبّرت بوضوح عن رفض هذا النهج، وأكدت أن التنمية هي السلاح الحقيقي لمحاربة الجريمة. لكن الحكومة لا تريد أن تسمع. هي تفضّل أن تستثمر في أدوات السيطرة بدل أن تستثمر في الإنسان. هذا الموقف ليس مجرد تجاهل، بل هو عداء صريح لمصالح المواطنين العرب، الذين يشكلون خمس سكان الدولة. أي حكومة مسؤولة كانت ستفهم أن الاستثمار في التعليم والتشغيل هو استثمار في الأمن، لكن هذه الحكومة اختارت أن تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع المجتمع العربي.
إن تحويل مليارات الشواكل من خطط التطوير إلى الشرطة هو رسالة واضحة: الدولة لا تثق بالعرب، ولا تريد لهم أن يتطوروا. هي تريدهم أن يبقوا في دائرة الفقر والجريمة، لتستخدم ذلك ذريعة لمزيد من القمع. هذه السياسة ليست فقط غير عادلة، بل هي خطيرة، لأنها تزرع شعوراً عميقاً بالاغتراب والعداء، وتدفع المجتمع العربي إلى فقدان الثقة الكاملة بمؤسسات الدولة.
أدعم الرسالة الاحتجاجية لأنها تكشف الحقيقة التي تحاول الحكومة إخفاءها: أن الجريمة لن تُهزم بالدوريات الأمنية، بل ستُهزم عندما يشعر الشاب العربي أن له مكاناً في هذا الوطن، وأن مستقبله يستحق أن يُبنى على أسس من العدالة والمساواة. الحكومة التي تختار أن تعادي مصالح مواطنيها العرب إنما تختار أن تعادي مستقبل الدولة نفسها.
المصدر:
كل العرب