آخر الأخبار

الأحزاب العربية في إسرائيل... أزمة تمثيل وعبء على المواطن/ بقلم: مرعي حيادري

شارك

منذ أكثر من سبعة عقود، والعرب الفلسطينيون في الداخل الإسرائيلي يعيشون معادلة مركّبة، تتأرجح بين الانتماء الوطني، والمواطنة القسرية، ومحاولات التمثيل السياسي التي لم تبلغ حدّ التأثير الفعلي في صناعة القرار. وعلى الرغم من المشاركة العربية المستمرة في الكنيست منذ عام 1949، إلا أن الحضور العربي بقي — في جوهره — حضورًا رمزيًا، أقرب إلى الصورة منه إلى الدور الفاعل.

"عبء سياسي بدل أن يكون تمثيلًا شعبيًا"

تحوّلت الأحزاب العربية، مع مرور الزمن، من أدوات نضال وبرامج سياسية تعبّر عن هموم الناس، إلى مؤسسات مغلقة تكرّس ذاتها، وتعيد إنتاج نفس الوجوه والخطاب. هذا الجمود جعلها عبئًا على المواطن، بدل أن تكون لسان حاله وصوته في وجه السياسات التمييزية. المواطن العربي بات يشعر بالإحباط، بعدما رأى أن تلك الأحزاب لا تُحدث فرقًا، ولا تملك القدرة على مواجهة منظومة القرار الإسرائيلي التي تُقصي العرب بشكل ممنهج من مفاصل التأثير.

"أقلية بلا قوة قرار"

في ظل الواقع الديموغرافي والسياسي، تبقى الأحزاب العربية أقلية عددية في الكنيست، لا تملك القدرة على تمرير أو تعطيل أي قرار جوهري. فوجودها في البرلمان لا يمنحها صلاحية تقرير المصير، بل يُستخدم في كثير من الأحيان كواجهة ديمقراطية تُجمّل الصورة أمام العالم. ورغم ذلك، لم تُطوّر الأحزاب العربية أدوات بديلة للتأثير الشعبي أو الاقتصادي أو الميداني، بل انشغلت في صراعات داخلية على المقاعد والميزانيات، حتى فقدت بوصلتها الجماهيرية.

"إقصاء ممنهج من الحكومات"

منذ قيام الدولة، لم تُدمج أي حكومة إسرائيلية النواب العرب كشركاء متساوين في الائتلاف، بل اقتصر دورهم على الهامش، كدعم خارجي أو مؤقت. هذه السياسة المقصودة هدفت إلى منع أي تمثيل عربي حقيقي في مواقع صنع القرار. ومع ذلك، استمر السياسيون العرب في الدوران ضمن نفس الحلقة، مبرّرين المشاركة باسم "التأثير من الداخل"، دون نتائج ملموسة على أرض الواقع.

"تفكّك القوائم وفقدان الثقة"

رغم التجربة الواعدة للقائمة المشتركة في بداياتها، سرعان ما عادت الانقسامات، لتنتج أربعة وخمسة أحزاب صغيرة، تتنازع على نفس الأصوات، وتتنافس على نفس المقعد. هذا التشرذم عمّق فقدان الثقة بين الجمهور والقيادات، فبلغت نسبة المقاطعة في الانتخابات الأخيرة نحو 54%، ما يعني أن أكثر من نصف المجتمع العربي قرّر الانسحاب من اللعبة السياسية التي لم تعد تمثّله.

"ديكتاتورية حزبية بلا تجديد"

أغلب الأحزاب العربية اليوم تدار بعقلية مغلقة، وبوجوه لم تتغيّر منذ عقود. لا تداول حقيقي في القيادة، ولا ضخّ للدماء الشابة، ولا تحديث في الخطاب. فباتت هذه الأحزاب أسيرة الزعامات الشخصية والصفقات الموسمية، لا قضايا المواطن ولا استراتيجيات النهوض. بل يمكن القول إنها تحولت إلى مشاريع سياسية فردية، همّها البقاء في الكنيست لا أكثر.

"مفارقة غربية"

في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تُعدّ الديمقراطية راسخة، لا يتجاوز عدد الأحزاب الفاعلة اثنين أو ثلاثة، لأن التعدد الزائد يُشتّت الأصوات ويُضعف القرار. أما نحن — كأقلية لا تتعدى المليونين — فلدينا أكثر من خمسة أحزاب، كلها تتحدث عن نفس الهمّ والمطالب، ولكن كل منها يسير في طريق مختلف نحو نفس الفشل.

"نهاية المشهد: مقاعد بلا تأثير"

إن استمرار هذا الواقع سيقود إلى مزيد من الاغتراب السياسي. فالمواطن الذي فقد الثقة بجدوى صوته، سيواصل المقاطعة، والقيادات ستبقى في دوائرها الضيقة. وفي النهاية، ستخسر الجماهير العربية ما تبقّى من وزنها السياسي، بينما يستمر التمييز والاضطهاد، وتبقى المطالب عالقة بين وعود الأحزاب وواقع التهميش.

إنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ بإعادة بناء المشروع السياسي العربي على أسس جديدة: وحدة، مهنية، وتجديد. فبدون وحدة الصف، ورؤية استراتيجية تتجاوز "المقعد والميزانية"، سيبقى التمثيل العربي مجرد ظلّ في مشهد لا مكان فيه للضعفاء ولا للمنقسمين...

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا